• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأمل في القرآن الكريم

الأمل في القرآن الكريم

الأمل: تلك الكلمة التي تتوقف عليها كلّ حركة في الإنسان؛ لأنّ الأمل يمثل استشراف الإنسان للمستقبل في قضاياه كلّها، إنْ في عمره أو حاجاته أو حركته أو أهدافه أو تطلعاته كلّها؛ لأنّ الإنسان لو تجمَّد في دائرة اللحظة التي يعيش فيها والظروف التي تحيط به، لانقضى عمره في لحظته؛ لأنّه يتصوّر أنّ هذه اللحظة هي عمره كلّه، عندما لا يكون له أملٌ في الامتداد.

وعندما يعيش الإنسانُ ظروفاً صعبةً قاسيةً، فإنّه يتصوّر أنّ لا أمل بالانفراج عن الضّيق الذي يكتنفه ويظنّ أنّ هذه الظّروف هي التي تعمل على محاصرته، وهذا نفسه عندما يفقد الإنسان الكثير مما يصبو إليه من غايات منشودة، أو مما يعيشه في نفسه، فإنّ ذلك يمثل حالة إحساس بالموت الداخلي أو لنقل: (موتاً سريرياً لحياة معاشية).

لذلك: كان الأمل هو العنصر الذي أودعه الله في الإنسان ونبّه فطرته التي جُبِل عليها بذلك، ليعيش عمره في هذه الحياة متفائلاً، بل وليعيش حركية التغير والتبدّل في الظروف المحيطة به والتي تحتويه، عندما تكون هناك ظروف قاسيةٌ تحيط به، فيأمل أن تتبدّل، وهذا مما ينطلق به الإنسان في عمق الأمل وامتداده على مدى مسيرة حياته.

كما نقرأ في حركة الصراع التي يخوضها المؤمنون ضد القوى الكافرة أو المستكبرة، فنجده سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 139-140).

يحدّثنا ربّنا هنا: أنّ ضعفنا وقوة الآخرين ليسا أمراً ثابتاً، فهناك دائماً فرصةٌ لنقوى ويضعف الآخرون؛ لأنّ لله سُنناً في هذا الكون، لم يجعل هناك ضعفاً خالداً ولا قوّةً خالدةً، فالضعيف اليومَ قد يكون قوّياً غداً، والقويُّ اليومَ قد يصبح ضعيفاً غداً.

ومن هنا: فإنّ الآية في الوقت الذي تعطيك إحساساً بالامتداد وبالخروج من الدائرة الضيّقة التي تعيشها، تمنحك إحساساً بعدم الاستسلام للواقع المنفتح الذي تعيشه، وإن كان الله سبحانه وتعالى يحثّنا أن نعيش على أمل أن ننتظر الخير، وإن كان يبتلينا ونحن في طريق الوصول إلى الخير (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق/ 7).

وأكّد ربّنا ذلك بقوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق/ 2-3).

ومن هنا أيضاً: ننطلقُ في الاتجاه نفسه لنقرأ الآية الكريمة التي تساوي بين اليأس والكفر: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/ 87).  فالمؤمن لا ييأس؛ لأنّه يعيش بفضل الله ورحمته وقدرته سبحانه وتعالى.

إذاً: الأمل يتغيَّر بتغيُّر الأحوال وتبدُّلها؛ بانقلاب الضّيق إلى سعة، والعسر إلى يسر، والضعف إلى قوّة.

ينطلق من خلال عمق مفهوم الإيمان بالله، بما نعتقده من صفات الله القادر، كما يمكن للمؤمن أن يعيش الأمل على الرغم من الأوضاع الصعبة التي يعيشها.

 

المصدر: كتاب صناعة الأمل

ارسال التعليق

Top