• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إتجاهات الناس نحو السعادة

إتجاهات الناس نحو السعادة
◄ما هي أمنيَّة كلّ إنسان؟ مهما كان معتقده: مسلماً، مسيحياً، يهودياً، بوذيّاً، أو غير منتمٍ إلى أيّة عقيدة، مهما كان عمره: طفلاً شاباً أو عجوزاً، مهما كان جنسه: ذكراً أو أنثى، مهما كانت حالته الاجتماعية: فقيراً، غنياً، مشهوراً، مغموراً، رئيساً، مرؤوساً، في أيّ زمان كان: من بداية البشرية إلى منتهاها. في أي مكان كان: في شرق الأرض، أوغربها، أو شمالها، أو جنوبها، إنها باختصار: السعادة. فكلّ إنسان يحبُّ ويسعى ليكون سعيداً في حياته. لكن كم هي نسبة السعداء من الناس؟ اقرأ معي هذه الدراسة[1] التي أُجريت في لبنان على عيّنات لهم الخصائص التالية:   الخصائص الحالات والنسب الجنس إناث 37% ذكور 63% العمر (سنة) 10-20 14% 20-30 37% 30-40 17% مكان الإقامة المدينة 83% الريف 17% المستوى التعليمي جامعي 62% ثانوي 24%   مهني 4% أمي 2%   ابتدائي 7% ملمّ بالقراءة والكتابة 1% العمل موظف 51% يعمل لحسابه 17% ربّ عمل 4% لا ينطبق 28% الوضع المعيشي وسط 50% جيد 28% دون الوسط 17% متدن 3% مترف 2% الحالة الاجتماعية متزوّج 48% عازب 46% مطلق 4% أرمل 1% مساكن 1%   وكانت النتيجة هي: ·       المائلون إلى السعادة: 18%                         ·       المائلون إلى عدم السعادة: 62% ·       الوسطيون: 20%   وعند مراجعة دراسات أُجريت في بلدان العالم الأخرى كان يبدو بوضوح أن غير السعداء هم النسبة الكبرى، وهذا ما استدعى بعض الدول إلى تأسيس معاهد لتعليم أصول السعادة. فقد نشرت جريدة السفير عن وكالة رويترز فيتقرير لها عن معهد "السعادة" في أستراليا بأنّه يتقاضى 140 دولاراً في الساعة الواحدة مقابل دروس في كيفية الشعور بالسعادة. وقد ذكر التقرير أن هناك شركات تنفق ما يصل إلى ستة آلاف دولار استرالي في نصف يوم من أجل ورش عمل لتعليم نوظفيها أصول السعادة.  

            

-        اتجاهات الناس نحو السعادة: لقد بحث الناس عن سعادتهم في أمور شتَّى فسعوا لتحصيلها جاهدين؛ لعلّهم يصلون إلى السعادة المبتغاة. ولكن النتيجة لم تكن كما توقعوا. وإليك النماذج الآتية:   المال والسعادة: لن أكون غير واقعي لأنفي دور المال في تحصيل السعادة. نعم المال قد يحصِّل السعادة. لكن الكلام في نسبة السعادة التي قد يحصّلها المال. ينقل التقرير السابق عن خبراء أن نسبة 15% من السعادة فقط تأتي من الدَّخْل والأصول والعوامل المالية، فيما 85% من السعادة لها مصادر أُخرى. وفي كتاب خبير الاقتصاد الأمريكي بول زان بيلزر "ثورة العافية" يقول: "مع أنّ أغلب الناس الآن أفضل مالياً كثيراً مما كان عليه آباؤهم وأجدادهم، فإنّ مستويات السعادة لم تتغير... وتظهر الدراسات أنّه بمجرّد توافر الاحتياجات الأساسية مثل المأوى والطعام، فإنّ المزيد من المال لا يضيف سوى القليل من السعادة". ويقول الخبير الاستراتيجي جيمس مونتيه: "طائفة عريضة من الأفراد يبالغون كثيراً في أهمية دور المال في تحقيق السعادة لهم وللآخرين... منذ الخمسينيات ومستويات سعادة الناس كما هي لم تتغيّر بصورة ملحوظة، رغم النمو الكبير في دخل الفرد خلال الفترة نفسها".   الشهرة والسعادة: ولأنّ المال لا يروي ظمأ الباحث عن السعادة، نُلاحظ أن أصحاب الأموال يتجهون نحو تحصيل أمر آخر لعلّهم يروون ظمأهم به ويصلون إلى السعادة المبتغاة من خلاله. وقد يكون ما يرون فيه إرواءً لهذا الظمأ هو الشهرة والجاه. ولعلّه لأجل ذلك نجد كثيراً من الأغنياء ينفقون الأموال الطائلة على أمور تشدُّ أنظار الناس إليهم ليكون لهم الوجاهة والشهرة، فيقيمون الحفلات والولائم، وينشئون المشاريع الجاذبة لأنظار الناس لأجل وجاهة وشهرة يريدون بِهِما سعادة يسعون إليها. نعم قد يشعر هؤلاء بلذّة ومتعة لحظية في ما يفعلون، إلا أنهم لا يجدون السعادة المبتغاة. وممّا يؤشِّر إلى ذلك دراسة علمية نشرتها مجلة إنكليزية مختصّة بالطب النفسي تبيّن وجود اكتئاب وقلق وعدم سعادة يعاني منها الكثير من مشاهير العالم، وفي النسب ذكرت المجلة التصنيف التالي للمشاهير المكتئبين: ·       72% من الكتّاب الروائيين. ·       41% من الفنانين. ·       34% من الموسيقيين. كما ذَكَرت المجلّة أنّ عدداً من هؤلاء انتحر، وعدداً آخر أُدخل المصحّات النفسية. ومن تصريحات هؤلاء قول الأديب الألماني جوته عن حياته: "لم تكن إلا ألماً وعبئاً".   السلطة والسعادة: ولعلّه لما تقدّم لا يكتفي من وصل إلى الجاه والشهرة بما وصل إليه، فيسعى نحو أمرٍ آخر يبتغي من خلاله سعادته، وقد يكون هذا الأمر هو السلطة والحكم، فلعلّهما يرويان ظمأ ذلك الغني المشهور، فتجده يسعى بكلّه للوصول إلى الحكم، وحينما يصل إليه لا يتروى ظمؤه رغم تمسّكه بما وصل إليه من سلطة، لذا يحاول أن يتوسّع في سلطته ويتوسَّع، ولكن كما يقول أحد الحكماء: "لو ملك الإنسان الأرض، لنظرت عيناه إلى السماء". وعن تجربة هؤلاء الحكّام تنقل المجلة السابقة أنّ 41% من السياسيين المشهورين في العالم يعانون من الاكتئاب والقلق والشعور بعدم السعادة. وقد عبّر وينستون تشرشل عن هذا الأمر قبل وفاته بقوله: "لقد أنجزت الكثير، ولكنني لم أكسب في النهاية شيئاً".  

-        السعادة في أمور أخرى: يمكن لي أن استمر في ذكر ما يسعى الإنسان لتحصيل السعادة من خلاله مع التعليق على كلٍّ منها مع محاولة المقاربة لنسبة السعادة التي تحقّقها ومداها الزمني. وفي هذا الإطار ذكر البعض أموراً عديدة على أنّها مولّدات للسعادة من قبيل ما يمكن صياغته في النصائح التالية: 1-    قارن نفسك بمن هم أقلّ منك. 2-    لا تنشغل بالماضي. 3-    تفاعل مع يومك يوماً بيوم. 4-    اترك المستقبل حتى يأتي. 5-    لا تنتظر شكراً من أحد. 6-    اطرد الفراغ بالعمل. 7-    اقبل الحياة كما هي. 8-    تعزَّ بأهل البلاء. 9-    لا تُحطّمْك التوافه. 10-                        ارضَ بما قسم الله لك.   المكمن الرئيسي للسعادة: وهذه الأمور كما غيرها قد يكون لكلٍّ منها دور في تحقيق نسبة من السعادة بغضّ النظر عن النقاش في إيجابيّتها، إلا أني سأنتهج نهجاً آخر للوصول إلى مكمن السعادة الرئيسي، والذي قد يتَّضح من خلال الأجوبة عن الأسئلة: س: كيف تسعد العين؟ الجواب: بالنظر إلى الجمال. س: كيف يسعد الأنف؟ الجواب: بشمّ العطر. س: كيف يسعد اللسان؟ الجواب: بذوق الطيِّب من الطعام والشراب. س: كيف تسعد الأذن؟ الجواب: بسماع الصوت الجميل. فالملاحظ أنّ لكل حاسة سعادتها ولذتها الخاصة، إلا أنّ هذه اللذّة تنتفي حينما يكون الإنسان في غمٍّ وكآبة وحزن، فحينها لا العين تلتذّ بأبهى مشهد تنظر إليه، ولا الأنف يلتذّ بأفضل عطر يشمّه، ولا اللسان يلتذّ بأطيب طعم يذوقه، ولا الأذن تلتلذّ بأجمل نغمة تسمعها.►   المصدر: كتاب (هكذا تكون سعيداً)
[1]- أجرى هذه الدراسة المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بطلب من برنامج "إلى القلب" الذي عرضه تلفزيون المنار عام 2009م.

ارسال التعليق

Top