◄اهتمت جميع الأديان بالأخلاق والفضائل الحميدة ودعت للتحلّي بها، كفضيلة الكرم والصدق والأمانة والتسامح والرحمة وغيرها من مكارم الأخلاق؛ فكلّها فضائل تجلب للنفس الطمأنينة والسلام، وقد بينت الدراسات العلمية الآثار الإيجابية للتحلي بهذه الصفات على صحّة الفرد ونفسيته؛ وبالتالي عطاؤه للمجتمع الذي يعيش فيه، والرحمة خُلُقٌ حميد تَعني الرأفة والرفق واللين في التعامل مع الكائنات التي يعيش معها الإنسان سواء كانت بشراً أم حيوانات، وقدّ حضّت الرسالات السماوية قاطبةً على التعامل والاتصاف بهذا الخُلُق الجميلن لما له من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع ككلّ.
فلا شيء يضر بالشخصية الإنسانية مثل التشاؤم، فهو من أخطر الأمراض التي تصيب النفس وتعصف بها وتقعدها عن العمل، وكثيراً ما يجرها إلى الهلاك ويجعلها ترتمي في الأخطار لأنّ الحياة تصبح في نظرها جحيماً لا يطاق. لنفترض أنّ هناك رجلاً متشائماً نظر إلى هذا الكون فوجده مليئاً بالتعاسة والشقاء، وبالضعف والمرض، وبالخطايا والآثام، وبالأحزان والآلام، وليس فيه أمن وسلام، ولم يكن عنده أمل في المستقبل ولا ثقة به، واستسلم لهذه الاتجاهات التشاؤمية وترك السعي في الحياة، وأخيراً اعتزم الخلاص منها فقتل نفسه، هل يجني من ذلك إلّا الخسران؟. إنّ هناك مصائب وكوارث تنصب على النفس فتجعلها تنظر إلى الحياة نظرة شؤم، ولكن النفس المؤمنة بالله المترقبة لرحمته لا يغادرها الأمل من تلك الرحمة الإلهية، وبهذا الإيمان والأمل تعالج مشاكلها مستعينة بالحكمة والصبر مترقبة انفراج الأزمة التي تتخبط فيها، ولهذا دعا القرآن الناس جميعاً إلى طلب رحمة الله، وأن تكون مقصدهم في هذه الحياة قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس/ 58). وقال سبحانه: (وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف/ 32). إنّ ما دعا إليه القرآن من شأنه أن يكون شفاء لقلوب الملايين المحرومين من متع هذه الحياة، فإنّ ابتغاء رحمة الله إذا سيطرت على تفكيرهم تجعلهم لا ينظرون نظرة رغبة واشتهاء إلى مَن يفوقونهم ثراء وجاهاً لأنّ مقصدهم في الحياة يعلو على هذه المظاهر الخلابة الزائلة. والقرآن ينوه بهذا المقصد فيعلق نيل رحمته إلى أصحاب الصفات العظيمة الذين أدوا واجبهم نحو الله ونحو بني جنسهم قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف/ 56). وقال سبحانه: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (آل عمران/ 157). وقال في موضع آخر: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف/ 156). وقال سبحانه عن بعض أنبيائه: (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (الأنبياء/ 86). والذين يكون سعيهم على الدوام نيل رحمة الله لا توهن نفوسهم أيّة خيبة أمل، أو أيّة معصية تداهمهم، فهناك قوّة روحية تدخل إلى نفوسهم العزاء مما يقاسونه من آلام ومتاعب، وبعكس ذلك الذين يغفلون عن هذا المقصد أو يقنطون من رحمة الله فإنّهم أحرى أن تلتبس عليهم سُبُل النجاة فيقعوا في مواطن الخطر وما أصدق ما وصف به القرآن هذه الحالة: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر/ 56). فيا أيتها النفوس المعذبة المتشائمة التي تتلاطم بك أمواج هذه الحياة يممي وجهك نحو ربك، واطلبي رحمته ليوصلك إلى شاطئ الأمان، فإنّ رحمة الله لا يعجزها شيء في الوجود، وهي قريبة منكم إذا سألتم الله أن يمنحكم إياها، وفعلتم ما تستحقون عليه نيلها.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق