يحتوي على المباحث التالية:
- المقدمة. - الماء الثقيل والقنبلة الهيدروجينية. المقدمة: لا يخفى على ذوي الألباب أنّ الحياة في أوسع معانيها هي: عمل متواصل، وللماء الدور الأهم في هذه الحياة. فالحياة إذا أخذناها أوّلاً من عالم النباتات نرى أنّ المركبات الحياتية كالسكر على سبيل المثال يتكون أصلاً من الماء وغاز ثاني أوكسيد الكربون co2 مع وجود طاقة الشمس، فلولا الماء لما استطاعت النباتات أن تختزن أو تكوِّن جُلَّ عناصر الحياة، فبهذا يتبيّن لنا أنّ ليس للإنسان غذاء بدو الماء، ثمّ إنّ الغذاء المخزون في تلكم النباتات يستفيد منها كلّ من الإنسان والحيوان حين يأكلانها؛ حيث تكون تلك النباتات مصدراً للحيوية والنشاط والطاقة، ويقدِّر ما يحصّله الإنسان من الماء يومياً بنحو 2.5 لتر. لذا يمكننا أن نشبّه جسم الإنسان بدولة فيها الملايين من الخلايا، وكذلك من الأوعية الدموية حيث تقوم بمهمة المواصلات والتموين، وتقوم خلايا أخرى مثل الجيوش بمواجهة الأعداء من الميكروبات والفايروسات، وهذه الدولة عادة تكون سابحة في الماء، والتواصل بين أفراد هذه الدولة وكذلك نقل المواد التموينية لا تتم فيها إلا عن طريق الماء. إذاً ألا يحق لنا أن نقول: أنّ الماء فيه سبب الحياة؟! فلنضرب مثلاً على أهمية الماء وحيويته حتى في الجمادات: إذا أخذنا كمية من الرمل وكمية من الإسمنت ثمّ مزجناهما من غير ماء، فماذا يحدث؟ لا يحدث أيّ شيء، حيث يبقى الرمل والإسمنت خاوية بعضها على بعض، دون حدث أي ارتباط بين أجزاء المواد المذكورة، أمّا إذا أضفنا إلى هذا الخليط مقداراً مناسباً من الماء، فنرى أنّ الأجزاء قد تفاعلت بعضها مع بعض حيث كوّنت كتلة كونكريتية تفوق تصور الإنسان من حيث القوة، ويمكن لها أن تتحمل أثقل وزن يفوق العقل البشري، فانظر ماذا يحمل الطابق الأرضي المكوّن من الأعمدة الكونكريتية – حيث نتجت هذه الأعمدة من تفاعل الرمل والإسمنت بواسطة الماء – في بناية مكونة من عشرات الطوابق بل المئات منها، كناطحات السحاب على سبيل المثال، إذاً فالذي جعل الرمل والإسمنت الخاويتين متصلبتين بشكل يبهر العقل هو الماء الذي قال تعالى في حقه: (.. وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء/ 30)، أخي القارئ الكريم: أمعن النظر في قوله تعالى حيث يصف الماء بأنّه مصدر الحياة وحتى البيوت المبنية من الطين، فالتراب لا يُبنى به البيت إلا إذا أضيف إليه الماء. أخي القارئ ربما تقول: قد نبني بيوتنا من الخشب، فأقول: حسناً، ولكن من أين تحصل على الخشب؟ فتقول: من الأشجار، فأقول: كيف تنمو الأشجار؟ فتقول: بالماء. إذاً هل أنت مقتنع بأنّ الماء جُعِلَ منه كلّ شيء حي. حتى أنّ الخشب لا يمكن الحصول عليه إلا بسبب الماء الذي ينمِّي الأشجار، ثمّ نحصل منها الخشب. أليس هذا كلام مَنْ لا يغفل ولا ينام؟. أخي القارئ: إذا ما نظرنا إلى ما حولنا من أثاث وسرر ومكتبات وَعُدَدْ خشبية كلّها تشير إلى مصدرها الأساس وهو الشجر الذي لولا الماء لما وجدت هذه المواد، وانعدمت الحياة، ولم يكن الكون شيئاً مذكوراً. كلّ ذلك يدل على حيوية الماء.. وكذلك إذا نظرنا إلى الوسائد واللحاف المصنوعة من القطن، لولا الماء لما نبت شجره. وإذا التفتنا إلى البوليمر أيّ: مشتقات البترول ومنها (اللدائن)، يتبين لنا أنّ منشأ البترول إمّا أن يكون نباتاً أو حيواناً، فالحيوانات عاشت لأنّها تغذت على النباتات وأخذت منها الوقود إذ لولا الماء لما نمت النباتات، ولا عاشت الحيوانات. فلنأخذ الستائر فإنّها مصنوعة إما من القطن أو من مشتقات النفط (البترول)، فإن كانت مصنوعة من القطن فلا حاجة إلى الاستزادة فقد أصبح من البديهيات أنّ النباتات لا تنمو ولا تعيش بدون الماء، أمّا إذا كانت مصنوعة من مشتقات البترول فعلينا أن نعرف مصدر البترول، فإذا وجهنا سؤالنا إلى الأخصائيين، يجيب الدكتور (ADAM. A. G) في كتابه (الكيمياء الصناعية): بأنّ منشأ البترول إمّا نباتي أو حيواني. فالحيوانات عاشت لأنّها تغذت على النباتات وأخذت منها القوة والطاقة، إذاً فالماء عامل فعّال لديمومة الحياة، وإذا نظرنا إلى أوراق الكتب والدفاتر فإنّها مصنوعة من السليلوز. والسليلوز مصدره النبات، وما الملابس التي نلبسها إلا من نتاج النبات أو مشتقات البترول، لقد صدق الله حين قال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)، ولعلّ من يقرأ هذه الآية العظيمة يمرّ عليها مروراً عاجلاً؛ فلا يخطر على قلبه – بالنسبة للماء – إلا أمور بسيطة؛ هذا الماء الذي لا يعلم سره الكلي إلا الله العليم الحكيم، وعلى الرغم من هذا فإنّ الله تبارك وتعالى أمر العلماء أن يحيطوا ببعض خصائص الماء، والوصول إلى مزاياه، رحمةً من عنده سبحانه، ولعل تذكير القارئ ببعض مزايا الماء يقنعه بصدق تلك الآية، وكذلك يثبت له بأنّ هذا القرآن الكريم لو كان من عند غير الله لما ذكر فيه مثل هذه الآيات. وإذا أردنا أن نعدّ فوائد الماء لضاق بنا المجال، ولكن نذكر غيضاً من فيض فنقول: كلّنا يعرف أنّ الماء إذا انقطع عن النباتات والأشجار تصفرّ تلك النباتات والأشجار فتصبح هشيماً. ثمّ إنّ جسم الإنسان لو فقد أكثر من 20% من الماء فإنّه يتعرض للجفاف، ثمّ للموت أخيراً. وبواسطة الماء تنقل المواد اللازمة (من غذائية وإنشائية وطبية..) عبر المحيطات والأنهار، والبلاد التي تحيطها المياه تحمى سيادتها وأراضيها بواسطة الأساطيل البحرية. ومن فوائد الماء جماليّة تلك الشلالات التي تسرّ الناظرين وتبهر العقل. ثمّ لنفرض جدلاً، لو كانت المحيطات والأنهار دهناً بدلاً من الماء لما استطاعت الأساطيل والسفن أن تسبح فيه، فتُغمر. ولو كانت قوة التجاذب بين جزيئات الماء أكثر مما هي عليه الآن، لتصلّب الماء، ولما كان باستطاعتنا أن نستعمل الماء كيفما نشاء. والآن عد معي واقرأ ما كتبه (الدكتور إبراهيم محمد الفشلان)[1] عن ضرورة الماء للجسم لكي تعلم حكمة الباري في تنظيم أمور الحياة، وقد صدق الحق تبارك وتعالى حين قال: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49)، بلى، لقد خلق الله سبحانه كلّ شيء على مقدار الحاجة إليه: يقول الدكتور إبراهيم: الماء هو ثاني عنصر ضروري للحياة بعد الأوكسجين، ففي كلّ خلية من خلايا الإنسان والنبات والحيوان يوجد مقدار من الماء، لذا نرى كيف يتفاوت مقدار الماء في جسم الإنسان من فترة إلى أخرى، حيث أنّ الجنين البالغ من العمر ثلاثة أشهر يحوي جسمه على 93% من الماء، أمّا المولود حديثاً فيحوي على 80% من الماء، والبالغ على 72%، أفلا يدل هذا التقسيم على تدبير الحكيم العليم؟. فتلكم المقادير من الماء في جسم الإنسان لها حكمة كما قلنا، وبما أنّ للماء وظائف كثيرة في جسم الإنسان لذا كان من الضروري أن يحتوي جسم الإنسان على هذه المقادير. فلنعد ونذكر بعض وظائف الماء في جسم الإنسان: 1- المساعدة في عمليات المضغ والبلع. 2- دوره في عمليات الهضم والامتصاص وذلك بنقل وإيصال المواد الغذائية من (بروتين ودهون وأملاح...) إلى كافة أعضاء الجسم عن طريق الدم. 3- لولا الماء لما كنا نستطيع التخلص من الأملاح الزائدة عن طريق الإدرار والعرق، وكذلك التخلص من بقايا الهضم في الجهاز الهضمي عن طريق التغوط، فلولا الماء لما كان باستطاعة أحد أن ينقل تلك الأملاح والبقايا والتخلص منها، إذن أليس الماء فيه كلّ الحياة؟ 4- ويقوم الماء مقام المكيف في تلطيف حرارة الجسم نتيجة تبخره في الرئتين ومن سطح الجلد. 5- إنّ العين والأذن لا يقومان بعملية التبصّر والسماع إلا بواسطة الماء، فلو لم يكن الماء موجوداً في العين والأذن لتوقفا عن العمل، ويعني ذلك بأنّ للماء ارتباطاً بظاهرة الإبصار وتوصيل الصوت في الأذن. 6- الماء ضروري لبقاء المفاصل والأغشية المخاطية رطبة كي تتمكن من أداء وظائفها، ولكي يمنعها من الجفاف، إذاً لولا الماء لما دامت حركات مفاصلنا، وهلكت أعضاء جسمنا بسبب الجفاف. 7- الماء مرتبط بالبروتينات والكربوهيدرات؛ فله فائدة عظيمة للجسم حيث يساهم في الحفاظ على بقاء الماء داخل الجسم، بعد كلّ هذه الخصائص للماء، كيف كان يحدث هضم الطعام وامتصاصه لولاه؟ ويتم إيصال المواد الغذائية إلى كافة أعضاء الجسم، وكيف كنا نتخلص من الأملاح والفضلات عن طريق الإدرار والتغوط؟ وكيف كنّا نسمع أو نرى؟ إذاً أخي القارئ الكريم: ألا يستحق الماء الوصف الذي وصفه مولانا الباري عزّ وجلّ؟ أخي القارئ: إذا تصفحنا أوراق التاريخ نرى أنّ القدماء استفادوا من الماء بالرغم من بساطة حياته، واستخدموه كقوة خارقة لطحن حبوبهم لصنع الدقيق، ومن الدقيق صنعوا الخبز الذي يُعدّ مصدراً أساسياً للغذاء. ولم يقف استعمال الماء لدوران العجلات لطحن حفنة من الحبوب فقط، بل تطور إلى توليد القوة الكهربائية كما يذكر الدكتور (أحمد زكي)[2] فيقول: "وقد تم اكتشاف ما يسمى بالتربين في أوائل القرن الماضي، والتربين: لفظة أفرنجية من أصل لاتيني ومعناه (لف الشيء حول نفسه) وهذا ما تفعله عجلة التربين إذ يبلغ لفها حول محورها عدداً كبيراً في الدقيقة الواحدة، وبهذا قد يجوز لنا أن نسمي (التربين) بـ(اللفات). وهذه التربينات تستخدم اليوم لتوليد الطاقة الكهربائية". ألم ترَ أنّ الإنسان استطاع أن يبني السدود ليخزن الماء بكميات كبيرة، ليتدفق الماء إلى الأسفل؟ ومن ثمّ ليلقي ريشات التربينات فيديرها، وهذه تدير المولدات لتنتج الكهرباء، إذاً أخي القارئ: لولا الماء في هذا الإنتاج الكهربائي فبماذا كنّا ندير التربينات للحصول على القوة الكهربائية التي تضيء المدن وتمدّ المصانع وغيرها، ولا ننسى أنّنا نستمد من الكهرباء سائر الطاقات، ألم تمرّ عليك ليلة أو ساعات وأنت من غير تيار الكهرباء؟ ثمّ ألم تسمع أحياناً أنّ التيار الكهربائي قد ينقطع لمدة ساعات لادّخار الماء الذي قلّت كميته في سد من السدود، ففي هذه الحالة هل تشعر بتأثير الظلام على نفسيتك؟ إذاً أليس الماء يبعث الحياة في كلّ شيء؟ ويتيح لنا أن نستفيد منه للحصول على الطاقة الكهربائية، أليس الضوء المنير يحيي نفسياتنا عندما يعود إلينا ثانية؟ ولكنّ الذي لم يحرم من التيار الكهربائي ولم يمرّ بمحنة انقطاع التيار الكهربائي لا يحس بلذة عودته ثانية!. إذن أخي القارئ: أليس حقاً أن يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)؟ بلى وربنا. الماء الثقيل والقنبلة الهيدروجينية: قبل تعريف الماء الثقيل علينا أن نوضح بعض المصطلحات كي يتسنى لنا فهم الماء الثقيل، فمن هذه المصطلحات: ذرة الهيدروجين: إنّ ذرة الهيدروجين أخف العناصر جميعاً وأبسطها تركيباً، فذراتها تتكون من جسيم واحد يسمى بروتون (Proton) يدور حوله ألكترون واحد فقط، فالبروتون موجبة الشحنة (+) والألكترون سالبة الشحنة (-)، إذن فذرة الهيدروجين متعادلة من حيث الشحنة، ومما يجدر الإشارة إليه هو أنّ بعض هذه الألكترونات تدور حول النواة بسرعة فائقة تفوق الخيال حيث تقدر سرعتها بـ(عشرين ألف ميل) في الثانية، أخي القارئ هذه الظاهرة تفوق تصور المرء (ربما يتصور البعض أنّها قد تدور بسرعة الثور في الساقية)، إذاً من صنع هذا؟ ومن أراد؟ الهيدروجين الثقيل: بالإضافة إلى ذرة الهيدروجين السابقة الذكر، هناك ذرة هيدروجين أخرى تتألف من بروتون ونيوترون – وهذا جسيم عديم الشحنة – فلا هي موجبة ولا هي سالبة، وتزيد الذرة وزناً، ولكن لا تؤثر في شحنتها، وبسبب زيادة وزن ذرة الهيدروجين الثقيل عن ذرة الهيدروجين الاعتيادي سُمّيت الأولى ثقيلاً. وممّا تجدر الإشارة إليه هو أنّ ذرة الهيدروجين الثقيل توجد في تركيب بعض جزيئات الماء حيثما وجد في الأرض أو في البحار والمحيطات، وذلك بنسب قليلة، لكنّ مقدارها كافٍ جدّاً لعظم مقادير الماء. إذاً فالماء الثقيل هو الماء الذي توجد في تركيبه هذه الذرة من الهيدروجين الثقيل، وكلنا نشرب منه ولا يخطر ببالنا شيء من هذه المعلومات، ويمكننا فصل الماء الثقيل من الماء الخفيف بالطرق العلمية، والآن بعد التعرف على ذرة الهيدروجين والهيدروجين الثقيل علينا أن نتعرف على ذرة ثالثة ألا وهي: ذرة الهيليوم. غاز الهليليوم: ذرات هذا الغاز أثقل من ذرات الهيدروجين، لأنّ نواتها تحتوي على بروتين ونيوترونين أي: (2 بروتون، 2 نيوترون). إذاً فذرة الهيليوم تمتلك شحنتين موجبتين داخل النواة مع شحنتين سالبتين خارج النواة وتسميان بالألكترون، عملهما الدوران حول النواة. إذاً تتكون نواة الهيليوم، من حاصل اندماج نواتي الهيدروجين الثقيل، ومع الاندماج تخرج طاقة عظيمة. وتبيّن لنا أنّ الحصول على ذرة الهيدروجين الثقيل يكون من الماء الثقيل الموجود في المياه بنسب ضئيلة، فلو أردنا أن نحوّل نواة الهيدروجين الثقيل – المحتوية على بروتون واحد ونيوترون واحد – إلى نواة الهيليوم – ذات بروتونين ونيوترونين – فيحصل من نتيجة اندماج نواتين من الهيدروجين الثقيل طاقة هائلة، وذلك بتحريك ذرات الهيدروجين الثقيل بسرعة فائقة جدّاً ثمّ اصطدامها مع ذرة أخرى على السرعة نفسها؛ عند ذلك تتكون ذرة الهيليوم، ومن ثمّ تخرج هذه الطاقة المنتظرة. ويمكنك أخي القارئ أن تسأل: كيف يتم تسريع ذرات الهيدروجين الثقيل بهذه القوة الهائلة؟ أقول: في هذه العملية نحتاج إلى درجة خيالية من الحرارة حيث تبلغ مقياسها إلى (100 مليون) درجة مئوية أو أكثر، وإذ بدأ اندماج ذرات الهيدروجين الثقيل أخرج هو من نفسه من الحرارة ما يغني من مجهودات العلماء كلها، إنّه عندئذ يغذي نفسه بنفسه فيستمر الاندماج ويتسلسل. فالقنبلة الهيدروجينية فيها هيدروجين ثقيل وبها زناد يجعلها تنفجر والزناد هو قنبلة ذرية صغيرة من اليورانيوم، تنطلق أوّلاً وتقوم برفع درجة حرارة الهيدروجين إلى بضع مئات الملايين من الدرجات. وإذ يبدأ الهيدروجين الثقيل في الاندماج، فالانفجار لا يوقف اندماجه شيء، وذلك أنّه ينتج باندماجه الحرارة التي يريدها ليستمر الاندماج ويكتمل، إذاً أخي القارئ: من الهيدروجين الثقيل الموجود في الماء الثقيل نحصل على هذه التفاعلات المحيّرة للعقل ونصنع القنبلة الهيدروجينية، والبلد الذي يملك هذا السلاح يحمي مواطنيه وثرواته من كيد الأعداء، إذاً إنّها سلاح فيه كلّ الحياة لأنّه يحمي حياة ملايين الناس من الأعداء، فَنِعمّا هي وإلا فإنّها تدمر الحياة، وليس ببعيد في المستقبل أن يستخدم في أمور تسعد الإنسان كإنتاج الطاقة الكهربائية منها مثلاً. أخي القارئ: اعلم أنّ هذه العمليات والاندماج بين ذرات هذه الغازات إنما تحدث في شمسنا في أعالي السماء؛ فتعطينا الشمس هذا النور والحرارة الهائلة، وكذلك تعطينا الطاقة التي بواسطتها تحصل عملية التركيب الضوئي في النباتات، وتدوم حياة البشر والحيوانات بها، فلولا الشمس لما كانت الحياة ممكنة. إذاً فالقنبلة الهيدروجينية تقليد لما يجري في السماء. وهناك أهمية كبيرة للماء في حياتنا الاقتصادية إذ أصبح في كثيرٍ من الأحيان يُستغل كسلاح سياسي بين دولتين متجاورتين أو أكثر، وكما جعل الله من الماء كلّ شيء حيّ، كذلك جعل من القصاص حياة.. إذاً فالحياة الاقتصادية لأي بلد كانت تعتمد على موارد المياه التي ذكرناها سابقاً، وكذلك تستفيد البلدان من الحيوانات المائية كالأسماك وما شابهها. ألا يستحق الماء بعد هذا كلّه أن يكون مصدر الحياة كما يقول القرآن: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ). وانظر أخيراً ماذا يكمن في ذرة الهيدروجين الثقيل: وربما تعتقد أنّه يمكن أن تتصور الذرة وتصفها بأنها كرة تقريباً، ولكن اعلم بأنّ الذرات شيء من الصغر بحيث لا تراها العين، ولا تراها المجاهر، من أيّ صنف كانت، حيث أنّ عالم الذرات لا تدركه الأبصار، ولا تعلمها إلا تشبيهاً. يبلغ قطر ذرة الأوكسجين نحو جزأين من عشرة ملايين جزء من المليمتر الواحد. يعني إنّنا لو صففنا هذه الذرات صفاً واحداً، وصففنا منها خمسة ملايين ذرة، وقسنا الصف لكان طوله مليمتراً واحداً... هذا علماً بأنّ ذرة الأوكسجين أثقل من ذرة الهيدروجين الثقيل بأربع مرات، ولكنّ حكمة الخالق تظهر في أنّ مثل هذه الذرات تلعب أدواراً في حياتنا لا يتصورها العقل أبداً، وإنّه لحقّ يدعو إلى الإيمان.. ولا ننسى أنّ الوقوف والتعجّب أمام سر الكون قد يكون أوّل العبادة، وأصلها. أخي القارئ: ما رأيك في الذين يرمون العلم بأنّه مادة صرفة، لا غيب فيه، أليسوا هم قوماً يجهلون؟ الهامش:[2]- المصدر مجلة العربي، ص34، العدد 132 السنة 1969.
المصدر: كتاب قبسات علمية من القرآن والسنَّة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق