• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قبل أن لا ينفع الندَم

د. عائض القرني

قبل أن لا ينفع الندَم
أَقولُ لكم عن تجربةٍ وذوقٍ ومعرفة عانيتها، كم خدعنا بالأَماني الكاذبة، والخيالات الفارغة، وغفلنا عن الحقائق، والشرع يخبرنا بالأَصلح، ويحذَّرنا من مصارع البغي، ومراتع الغفلة، ولكن العقل في حجابٍ كثيف يحتاج إِلى مطارق قويّة تهزّة هزّاً، تقلقه حتى يرعوي. كم رأَينا من شاب أَعرضَ عن المسجد، وعقَّ الوالد، ونسي القدوم، ثم قبضت روحه بغتة، وصارَ لأَهله حسرة، كم زهت بيوت بأَهلها وأَموالها وحشمها، ثم وقعت بهم الواقعة، فصاروا أَثراً بعد عين. أَلا يا من نصح نفسه: لا تنفق العمر بكف التبذير، وتوزّع الأَوقات على المتسوّلين، فإِنّ ضياع الزمن ضالة لا تُردّ. بالله لو جلستَ بعد الفجر، حتى تطلع الشمس في المسجد كل يوم، هل تخسر من أَموالك درهماً؟! أَو تفقد من دنياك مغنماً؟! بل تكسب الأَجر والمثوبة والحسنى. ولو مكثت بعد كل صلاة ثلث ساعة مسبحاً، كم تكسب من الأُجور، وتخزن من الثواب، ويصعد لك من الكلم الطيّب؟! رأَيت كثيراً من الناس يجلسون في المجامع العامة ومجالس السمر، والأَندية، لتقضية الوقت مع غيبة وفحش من القول، وضحك، ولهو، وكأَن الأَمرَ لا يعنيهم، أَو كأَنّ عندهم عهداً وثيقاً بالبقاء، فيا لفجأة الرحيل عليهم، ويا لهول الموت على قلوبهم. الصدق منجاة، والرائد لا يكذب أَهله، والحقائق أَقوى من الخيال، وقد نصحت نفسي ونصحتك، وما بقي من أَعمارنا إِلاَّ كما ذهب أَو أقل وهل اليوم إلاَّ مثل أَمس. أَين الطعام اللذيذ الذي أَكلناه أَمس؟! لا نجد لذته، أَين الماء البارد الذي شربناه؟! لا نحس ببرودته، إِن جُعْنَا ما كأنّا شبعنا، وإِن ظمئنا كأَنّا ما روينا، وإِن حزنا كأَنّا ما سُررنا. وقد قيل: شقينا بالنوى زمناً فلما**** تلاقينا كأَنَّا ما شقينا بكينا عندما جنت الليالي**** فما زالت بنا حتَّى رضينا   المصدر: كتاب حدائق ذات بهجة

ارسال التعليق

Top