• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ظلمات البحر والسماء

د. محمد نبيل النّشواتي

ظلمات البحر والسماء
◄كلما بَعُدنا أكثر من شواطئ البحار والمحيطات كلّما ازدادت المياه عمقاً حتى يزيد عمقها عن 3500 متر. لم يكن بإمكان الإنسان القديم أن يغوص أكثر من 10-20 متراً، لأنّه كان عاجزاً عن البقاء بدون تنفُّس أكثر من دقيقتين. وبعد أن توفَّرت أسطوانات الأوكسجين صار بإمكانه الغوص فترات أطول، فتمكّن من سبر أغوار البحار، ولكنه لم يتمكَّن من الوصول إلى القيعان العميقة إلا بعد اختراعه لحجرات الغوص والغواصات في القرن العشرين، وعندها فقط تبيَّن للغواصين وللعلماء أن قيعان البحار شديدة الظلمة (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) (النور/ 40). كما اكتشفوا أنَّ لكلِّ بحرٍ لجيٍّ طبقتين من المياه: الأولى عميقة وهي شديدة الظلمة ويغشاها (يغطيها) موج شديدٌ متحرِّك، وطبقة أخرى سطحية وهي مظلمة أيضاً وتغطيها أمواج أخرى سطحية وهي التي نراها رأي العين: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور/ 40). أمّا التفسير العلمي لظلمة أعماق البحار رغم شفافيّة مياهها فهو بسيط جدّاً ويكاد يعرفه أكثر الناس، وسنذكره باقتضاب شديد: يتكوَّن ضوء الشمس من سبعة ألوان وهي: الأزرق، الأحمر، الأصفر، الأخضر، البنفسجي، البرتقالي، البني. وهي ألوان الطيف التي نشاهدها في قوس قزح، الناجم عن تحلُّل أشعة الشمس بقطرات الماء المعلّقة بالجو عقب المطر. وكما هو معروف علمياً، فإنّ لكلِّ ضوء أو شعاع طول موجة خاص به، فإذا نفذ ضوء الشمس في الماء، فإنّه سيتحلَّل إلى ألوانه السبعة، فسيمتصُّ الماء اللون البني على بعد خمسة أمتار، ثمّ يمتصُّ اللون الأحمر على بعد عشرة أمتار من صفحة الماء، وبذلك فإنّ الغوّاص على هذا العمق لن يتمكّن من رؤية اللونين الأحمر والبني العائمين على صفحة الماء، وسيبدو له ضوء الشمس خالياً من هذين اللونين. وإذا غاص إلى عمق عشرين متراً فإنّه سيعجز عن رؤية أو تمييز اللون البرتقالي الموجود في أشعة الشمس، بعد ذلك سيتلاشى اللون البنفسجيُّ على عمق 30 متراً، ويليه الأخضر على عمق 50 متراً، وهكذا حتى يختفي اللون الأزرق في عمق يزيد عن 100 متر. من هذا العرض يتبيَّن لنا أنَّ قيعان البحار والمحيطات بعيداً عن الشواطئ غارفة في ظلام دامس أبديٍّ، يحول دون إمكانية رؤية شيء، حتى وإن كان قريباً أو جزءاً من جسدنا كاليد. عندما ناقشنا هذه الآية الكريمة مع البروفسور (هيل) أجاب: هل كان محمد غواصاً؟ قلنا له: لا. قال: وهل كان يقطن قريباً من شاطئ البحر أو كان يخالط الغوَّاصين؟ قلنا له: لا، ولم يكن هناك غوص إلى الأعماق في ذلك العصر لعدم توفُّر أسطوانات الأوكسجين ولا الغواصات ولا غيرها من وسائل الغوص المعروفة، ثمّ أفهمناه أنّ الغوص في الماضي كان يتمُّ لهدف واحد فقط وهو استخراج اللؤلؤ الموجود على الشواطئ على عمق يتراوح بين 10-20 متراً فقط، وحتى الغوص في القرن العشرين لم يتجاوز الـ200 قدم فقط، لأنّ ضغط الماء تحت هذه الأعماق سيفجِّر أوعية الجسم والدماغ الدموية وسيموت الغواص إن تجاوز هذا العمق رغم تزوُّده بالأوكسجين.. فكيف لسيدنا محمد (ص) أن يعرف ما يوجد من حقائق علميّة على عمق آلاف الأمتار في أعماق البحار قبل أكثر من 1400 سنة من الزمان؟!. لقد كان هذا العالِم مراوغاً وتظاهر بأنّه يجهل هذه الأمور، ولكن الحجّة كانت قوية وداحضة لكل ما يجول في خاطره من أفكار ومكر، لذا لم يسعه بعد ذلك إلا أن يعترف بأنّ القرآن حقٌّ وأنّه قد جاء بمعلومات علمية عظيمة رغم قِدَمها، وعندما أفهمناه أنّ الحضارات السالفة للحضارات الإسلامية كانت تجهل مثل هذه العلوم، وأنّ محمداً كان أميّاً ولم يَتَسَنَّ له الأخذ من حضارات كانت في الأصل بدائيّة، قال البروفسور (هيل) بأن قائل هذا الكلام لابدّ أن يكون مبدع هذا الكون. أفهمناه عندئذ أن غرضنا من هذا المؤتمر هو إيصال هذه المعجزات إلى علماء العصر وإلى الناس عامّة عن طريقهم، ليعرفوا حقيقة الإسلام وليدركوا وجود الله. بعد ذلك ناقشنا البروفسور بالإعجاز الثالث الموجود في الشطر الثاني من الآية الكريمة: (مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ) (النور/ 40)، الذي يتراكب ويتراكم ويتلبَّد في السماء ليحجب عن الأرض نور الشمس! فذهل العالم (هيل) لدى إدراك المغزى الذي ترمي إليه الآية الكريمة، فراح يقول: إنّ مثل هذا السحاب لم تشهده الجزيرة العربية المشرقة على الدوام، وأنّ هذه الحالة الجويّة لا تحدث إلا في شمال أوروبا وأمريكا وروسيا وفي الدول الإسكندنافية القريبة من القطب الشمالي، فمن أين لنبيِّكم أن يدرك وأن يقول ما قاله من ظواهر جوّية وبحرية غريبة عنه وهو لم يكد يرها؟!.. إذن لابدّ أن يكون القرآن من عند الله. لقد كان العالم البروفسور (هيل) مندهشاً لتوافق علوم القرآن مع علوم العصر، لأنّه يعلم بأنّ الأديان السابقة كانت دائماً ضدَّ العلم والعلماء، وهذا ما جعل جحافل العلماء تنفر من الدين ومن رجالاته. قلنا له بأنّ الإسلام بَحَثَ في علوم الدين والدنيا في آن واحد، وأنّه قد جاء بمعجزات كثيرة ليبقى دليلاً ساطعاً يثبت أنّه من عند الله، وأنّه دين الحقّ الذي ختم به الله رسالاته السماوية وجعله دين الرحمة والمحبة والسلام: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ) (آل عمران/ 19)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران/ 85)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف/ 9).   المصدر: كتاب وجود الله بالدليل العلمي والعقلي

ارسال التعليق

Top