المرأة تارة ننظر إليها بوصفها إنساناً فعالاً في عملية التنمية، وأخرى نركز عليها بمالها من خصائص تنفرد بها باعتبارها الأم والبنت والأخت والزوجة، وهي بهذا الاعتبار تمتاز عن الرجل بما تحمله من طاقات عاطفية متميزة، وقدرات تكوينية مؤثرة، ومن ثم ما تحمله من وظائف اجتماعية فريدة. فإذا نظرنا إليها بوصفها إنساناً نشطاً في عملية التنمية، وأخذنا بعين الاعتبار حقيقة (أنّ الإنسان هو محور التنمية)، وأدركنا بعد ذلك أنّ مكونات الفطرة الإنسانية هي أهم هذه الأسس وأعمقها في وجود الإنسان، بل بدونها يفقد الإنسان هويته ويتحول إلى (شيء) لا نستطيع أن نتحدث عن (حقوقه) أو (نموه الاجتماعي)، أو (حركته العادلة)، أو (أخلاقيته)، أو حتى (بقائه الحضاري)، وأضفنا إلى كلّ هذا حقيقة أخرى هي أنّ الدين (الذي يستمد أصوله من منابع فطرية) هو الصيغة الأكمل التي وضعها خالق الإنسان ليحقق من خلالها تكامله المادي والمعنوي المنسجم، وأنّ الدين وحده هو الذي يستطيع أن يمنح هذه السيرة ثباتاً في الهوية والشخصية، واطمئناناً في القلب، واملاً دفاقاً بالمستقبل، كما يستطيع أن يحل الاشكالات الاجتماعية الكبرى من قبيل حل التضاد الدائم بين حب الذات والأنانية، والعمل لصالح المجتمع ونسيان الذات في سبيله، وحل التناقض بين اتجاهات (الإلحاد) واتجاهات (الإيمان المفرط بالأمور النسبية أو ما يسمى بالشرك)، إذا أخذنا بعين الاعتبار كلّ هذه الحقائق الكبرى أدركنا أنّ المرأة الإنسان هي محور التنمية وركنها الركين، ولن تستطيع أية عملية تنموية أن تحقق صدقاً مع ذاتها ومدعياتها، إلا إذا طورت الحس الإنساني والفطري في وجود المرأة، وأعطتها مكانتها الإنسانية الطبيعية، ورفعت من البين كلّ عناصر التفريق من الجانب الإنساني بين الرجل والمرأة، ومنحتها الدور الإنساني المتساوي في هذا المضمار، ثم عادت لتستفيد من هذه الطاقة الإنسانية الخيّرة لصالح المجموع بأفضل أسلوب. ولا يفوتنا أن نشير إلى أنّ المرأة إنّ تأصل الثبات في شخصيتها، والاطمئنان في قلبها، والأمل بالمستقبل في وجودها منحت كلّ المسيرة الاجتماعية طاقة كبرى، وهيأت لها كلّ مقومات المسيرة الصالحة. وإذا عدنا وركزنا على خصائص المرأة التي تميزها عن الرجل، فسنجد أنّ خصائصها لا تغير مطلقاً من قيمتها الإنسانية بل تزيد عليها، وإنما تترك أثرها الوظيفي في البين، بمعنى أنّ هناك تقسيماً طبيعياً قدّرته الرحمة الإلهية بين وظيفة الرجل ووظيفة المرأة، في عملية التنمية الاجتماعية بل الفردية أيضاً. فالمرأة الزوجة والمرأة الأُم لهما دوران متمايزان عن دور الرجل الزوج، والرجل الأب بلا ريب، إلّا أنّ هذين الدورين متكاملان تماماً بحيث لا يمكن أن تستغني الحياة عن هذه الدورين، بمقدار عدم امكان استبدال أحدهما بالآخر تماماً. ويمكن أن نقول: إنّ للمرأة أثرها الكبير على عملية التنمية الحضارية أيضاً، فالمرأة الأُم مسؤولة عن إعداد وتهيئة وتوفير البيئة العائلية السليمة، وهي بهذا تستطيع أن تضع الحجر الأساس لمجتمع إنساني سليم ثابت الجأش قوي القلب، منشداً للمستقبل. وبدون هذا سيبقى المجتمع ممزقاً عاطفياً، ومهلهلاً معنوياً تتفشى فيه الجريمة، ويعيث فيه الكسل، ويفقد صفته الخلاقة شيئاً فشيئاً. فالزوجة الصالحة والأُم الصالحة هما قوام الحياة العائلية الصالحة، ولا ريب أنّ للمرأة أعظم الأثر في تربية العناصر الإنسانية، ووراء كلّ عظيم امرأة كما يقولون بل ما أكثر العظماء النساء في تأريخنا الطويل. والإعداد لجو وبيئة حماسيين عاطفيين من خلال الاستعداد الطبيعي للمرأة، لتسد به هذه الحاجة الضرورية للإنسان من جهة، وتوفر له الحالة الحماسية الضرورية لتخطي العقبات وصنع تنمية اجتماعية مستديمة من جهة أخرى. أما المجتمع الذي يخلو من هذه الحالة العاطفية والحماسية فهو مجتمع خامد، وبيئة جامدة ربما تتقدم في بعض المجالات المادية إلّا أّنها تفقد الصفاء الإنساني المطلوب، ومن بعد تفقد القدرة على إيجاد التنمية المتوازنة. ومن هنا يظهر جلياً أنّ المرأة لها دور كبير في توفير الجوّ العائلي النظيف، وأنّ العائلة وتشكيلاتها بما لها من مفهوم كلاسيكي معروف لدى المجتمعات والأديان كلها، هي حجر الزاوية في عملية التنمية الحضارية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق