• ١٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

دور الشخصية في التاريخ

مرتضى مطهري

دور الشخصية في التاريخ
◄ربما يقال: "إنّ التاريخ هو الصراع بين النوابغ والأناس العاديين". فالأشخاص العاديون يؤيدون دائماً الوضع الموجود الذي أنسوا به. والإنسان النابغة يحاول تغيير الوضع إلى وضع أحسن ومرحلة أعلى. وقد ادعى كارليل أنّ التاريخ يبتدئ من النوابغ والأبطال، وهذه النظرية في الواقع تبتني على فرضيتين:

1-  إنّ المجتمع فاقد لطبيعة وشخصية خاصة به، وليس تركيباً حقيقيّاً من الأفراد، بل الأفراد كلّ مستقل عن الآخر، ولا يحدث من التأثير المتقابل بينهم روح جماعية، ومركب واقعي له شخصيته وطبيعته وقوانينه الخاصة. فالمجتمع ليس إلا الأفراد ونفسيات الأفراد فقط، وعلاقة أفراد الإنسان في المجتمع من حيث الاستقلال نظير علاقة الأشجار في الغابة. والحوادث الاجتماعية ليست إلا مجموعة من الحوادث الفردية. ومن هنا فالمجتمع مسرح للاتفاقات والصدف التي هي نتائج للعلل والأسباب الجزئية دون العلل الكلية والعامة.

2-  إنّ أفراد الإنسان يختلفون اختلافاً فاحشاً من حيث الخلقة الأصلية. فمع أنّ أبناء آدم كلّهم موجودات ثقافية وحضارية، وبتعبير الفلاسفة حيوانات ناطقة. ولكن أكثر الأفراد مما يقارب المجموع يفقدون قدرة الإبداع والخلق، فهم يستفيدون من الثقافة والحضارة ولا ينتجونهما. وهذا هو الذي يميزهم عن الحيوانات التي لا تستفيد من الثقافة والحضارة. فالروح الغالبة على هؤلاء الأكثرين روح التقليد والتبعية وتكريم الأبطال. هذا ولكن النادر المعدود من البشر هم أبطال ونوابغ، وهم فوق المستوى المتوسط والعادي يستقلون في التفكير ويبدعون ويبتكرون، ولهم العزيمة القوية وبذلك يمتازون عن الأكثرين، فكأنهم من طينة وطبيعة أخرى، أو من عالم آخر، فلو لم يبرز إلى الوجود النوابغ والأبطال في العلم والفلسفة والذوق والسياسة والاجتماع والأخلاق والفن والأدب لبقيت البشرية على حالها الأوّل ولم تتقدم خطوة واحدة.

ولكن الفرضيتين كليهما مخدوشتان: أما الفرضية الأولى توضح من أنّه مستقل في شخصيته وطبيعته وقانونه وسننه، وأنّه يستمر في مسيرة طبقاً لتلك القوانين الكلية، وهذه السنن في ذاتها تقدمية وتكاملية. إذن فلابدّ من رفض هذه الفرضية، والبحث على افتراض استقلال المجتمع في شخصيته وطبيعته وسننه ومسيره طبقاً لها لنجد أنّ شخصية الفرد على هذا الفرض هل يمكن أن يكون لها دور في حركة المجتمع أم لا؟.

وأما الفرضية الثانية فلأنّه وإن لم يمكن إنكار اختلاف الأفراد من حيث الخلقة، إلا أنّ هذا الرأي القائل بأنّ الأبطال النوابغ قد استأثروا بالقدرة على الإبداع، وأنّ الأكثرية القريبة من المجموع يستفيدون من ثقافتهم وحضارتهم فقط غير صحيح. فجميع أفراد الإنسان يملكون قابلية الخلق والإبداع على اختلاف المستويات إذن فجميع الأفراد أو أكثرهم يشاركون في الخلق والإنتاج والإبداع، وإن كان دورهم أقل من دور النوابغ.

وفي قبال هذه النظرية التي تدعي أنّ الشخصيات يخلقون التاريخ نظرية أخرى تقول: إنّ التاريخ يخلق الشخصيات، بمعنى أنّ الحاجات العينية في المجتمع هي التي تصنع الشخصيات البارزة. وقد حكي عن مونتسكيو أنّه قال: "إنّ أعاظم الرجال وعظائم الحوادث آثار ونتائج لقضايا أوسع مجالاً، وأطول زماناً" وعن هيجل قوله: "إنّ الرجال الأعاظم لم يخلقوا التاريخ بل هم كالقوابل". إذن فالشخصيات البارزة علائم لا عوامل. وبموجب المنطق القائل بأصالة الجماعة – كما يقول به دور كايم – وأنّ أفراد الإنسان لا يملكون بذاتهم شخصية، وإنما يكتسبون الشخصية من مجتمعهم، فالأفراد والشخصيات ليسوا إلا مظاهر للروح الجماعية، أو كما يقول محمود الشبستري: ليسوا إلا مشابك لمشكاة الروح الجماعية.

أما ماركس ومن تبعه حيث يعتبرون أساس اجتماعية الإنسان عمله الاجتماعي، بل يعتبرونه مقدماً على شعوره الاجتماعي، بمعنى أنّ شعور الأفراد ليس إلا مظاهر للحاجات الاقتصادية في المجتمع، بمعنى أنّ شعور الأفراد ليس إلا مظاهر للحاجات الاقتصادية في المجتمع. فالشخصيات البارزة بموجب هذه النظرية مظاهر للحاجات المادية والاقتصادية في المجتمعات.

 

المصدر: كتاب المجتمع والتاريخ/ ج1

ارسال التعليق

Top