• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تعامل بود وانشره في طريقك

د. صلاح عبدالقادر العبد الجادر

تعامل بود وانشره في طريقك

مرّ أحد رجال الأعمال ذات صباح وهو في طريقه إلى العمل بالبنك؛ لاستخدام إحدى ماكينات الصرف الآلي. وبينما كان الباب يغلق خلفه، لاحظ سيدة تجري عبر الشارع نحوه، فأمسك لها الباب لبضع ثوانٍ ليسمح لها بالدخول.

فقالت له: "شكراً جزيلاً لك يا سيدي".

كانت هناك آلة واحدة تعمل، وقد أنهى هذا الرجل العملية التي كان يقوم بها في أقل من دقيقة، في هذا الوقت اصطف الكثيرون وراء المرأة.

وبينما كان هذا الرجل على وشك المغادرة، سألته المرأة "هل معك قلم يا سيدي أستطيع استخدامه؟".

قال لها: نعم، وأخذت القلم منه وبدأت في تحرير شيك، وخلال اللحظات التي استغرقتها هذه المرأة للقيام بذلك، انتظر الرجل الذي كان يقف خلفها في صبر حتى تنتهي مما تقوم به.

وكان – مثل أي رجل أعمال – في عجلة من أمره لينتهي من مهام الصباح، لكنه لم يتخط السيدة إلى الماكينة، وإنما انتظر، وعندما انتهت السيدة من تحرير الشيك، قالت له: "أشكرك يا سيدي لانتظارك إياي".

وعليه، فإنّ العملية التي وصفتها هنا لم تستغرق أكثر من دقيقة أو دقيقتين على الأكثر، ولكن خلالها تبادل أشخاص غرباء مشاعر طيبة وسامية. فلقد كانوا في الواقع مرتبطين معاً بهذه السلسلة الذهبية الرائعة من الود.

قد تبدو القصة غير ذات دلالة كبيرة عند هذا الحد، ولكن لننظر إلى القصة لو حدثت بالطريقة المعاكسة؛ أي إذا تصرفنا جميعاً بطريقة خالية من الود. فلنفرض أنّ هذا الرجل لم يمسك الباب للسيدة، أو أنها لم تشكره على ما فعل، أو أنّ هذا الرجل رفض أن يقضي لحظات إضافية يعيرها فيها قلمه، أو كان الرجل الآخر تخطاها إلى الماكينة؟

إذا حدث ذلك يكون قد بدأ ثلاثة أشخاص يومهم بالضيق والضجر. وكانوا قد فوتوا على أنفسهم بعض المشاعر السامية أثناء بدايتهم ليومهم.

وفي الواقع، لا يستطيع أي شخص إنكار أهمية الود والعلاقات الإيجابية. قد لا يمكن لمثل هذا الشعور أن يقدم الحلول لأكبر المشكلات التي نواجهها في حياتنا، ولكنه قد يفعل شيئاً أكثر أهمية من ذلك. إنّه يمنحنا سلاحاً واستعداداً أفضل، نكون من خلاله قادرين على مواجهة طريق الصعاب.

إنّ مشاعر الود تمنحنا الحرية لكي نقدم أفضل ما بداخلنا. وهي أحد أكثر المحفزات الموجودة التي تؤدي للتغيير من أنفسنا إلى الأفضل وتحسين مسارات حياتنا. فهي تجعلنا أفضل مما نحن عليه، وبالتالي تزيد من قدرتنا على التعامل بشكل مثمر مع العالم من حولنا.

فعندما يكون أمامك مثل هذا الاختيار، فمن الحكمة دائماً أن تختار أن تكون ودوداً وإيجابياً مع الآخرين، مع أسرتك وجيرانك ومع زملائك.

 

غيِّر من بيئتك:

إن أبلغ قول في حثنا على تغيير بيئتنا السلبية هو حديث النبيّ (ص) المتعلق بقاتل المائة نفس، والذي ملخصه أنّ رجلاً قتل 99 نفساً، فسأل عن أعبد أهل الأرض فدلوه على راهب فسأله: هل لي من توبة؟، قال: لا، فقتله، ثمّ سأل عن أعلم من في الأرض، فدلوه على عالم فسأله: هل لي من توبة؟ قال: ومن يمنعك من ذلك، ولكن أرضك أرض سوء، فاذهب إلى أرض كذا وكذا فإنّ فيها قوماً صالحين" حتى ذهب في قصة طويلة وختم الله له بخاتمة حسنة.

فيشير هنا النبيّ (ص) لتأثير البيئة المحيطة على سلوك البشر وتأثير البيئة في حياتنا إما سلبياً أو إيجابياً، وهو تأثير محسوس نلمسه في أنفسنا قبل الناس، كما قال النبيّ (ص): "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".

فكرة ملهمة..

"إنّ وسيلة التغيير هي أن تعيد صياغة الفرد بتغيير بيئته، كي تنشأ لديه عادات جديدة، وكلما تغيرت بيئة الفرد وعاداته، تغيرت شخصيته". (عالم النفس السلوكي جون واطسن)

لذلك أدعوك عزيزي القارئ الكريم وبشدة أن تتفحص البيئة التي تحيط بك، من هم أصدقاؤك؟ ما هو تأثيرهم عليك؟

ماذا عن منزلك؟

ما هي الأغراض التي تملأ بها غرفتك؟

ما هي الطباع التي تتسم بها أسرتك؟ وماهي أكثر الأماكن التي تؤثر على جوانب حياتك؟

وإذا لاحظت بيئتك الحالية تقلل من فرص نجاحك في الحياة وتقلل من نشر الود، فبادر إلى إحداث تغيير حقيقي وقوي وملموس مهما كانت الصعوبات والمواجهات، فلكلِّ شيء ضريبة على قدر نجاحه، فالنهاية بإذن الله سارة.

وإنّ لنا في استحباب تغيير المكان المرتبط بأمر سيئ سنة حسنة في النبيّ (ص)، فعن زيد بن أسلم أنّه قال: "عرَّس رسول الله (ص) ليلة بطريق مكة، ووكل بلالاً أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله (ص) أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال: "إنّ هذا وادٍ به شيطان" فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثمّ أمرهم رسول الله (ص) أن ينزلوا وأن يتوضؤوا، وأمر بلالاً أن ينادي بالصلاة أو يقيم".

أنت دائماً في المكان المناسب في الوقت المناسب.

ربما تفكر قائلاً: ما هذا العنوان الغريب؟ لكنه مع ذلك صحيح. فأنت دائماً في المكان المناسب في الوقت المناسب، فعندما تتضح أفكارك، وتركز تفكيرك فيما تريد، فستجد نفسك فجأة تستميل الأحداث والأشخاص في حياتك وتستقطبها وتستفيد منها؛ لجعل سلوكك الحقيقية تسير نحو التغيير.

تخيل معي لو أنك كنت في سفينة في المحيط بلا رادار أو قائد، تسوقها الرياح بلا نهاية، أملاً في أن تأتي رياح قوية تدفعها إلى الأمام، هل تتوقع أن تصل هذه السفينة إلى برّ الأمان؟!! وبمجرد أن تبدأ في معرفة الاتجاه الذي تريد أن تسلكه في الحياة مع مزيد من التركيز والاستعداد فستجد أنك ومن معك مأهلون للوصول بل إنّ كلَّ ما حولك سيساعدك في ذلك. فاستمتع بتحديات الحياة، وحدد ما تريد لتستفيد من كلِّ ما حولك لتكن نفسك قادرة على نشر الود.

"ركِّز على هدف واحد خلال وقت محدد لتحقق إنجازاً لم تكن تحلم به".

 

تعلم أن تستمتع بتحديات الحياة:

عندما واجهتني بعض المشاكل الدراسية في دراسة الدكتوراه، كان الحل الأمثل الذي اقترحه عليَّ صديقي هو أن أستمتع. وجود المشكلات شيء طبيعي في الحياة، فعندما يأتي اليوم الذي لا تجابه فيه مشكلة، تكون بذلك قد وصلت إلى طريق مسدود في حياتك، لأنّه لا يوجد ما يثير التحدي لديك والدافع الرئيس لتميزك.

فالحياة هي سلسلة من مواقف حل المشكلات، وأعتقد أنّ الكلمات التي نستخدمها لوصف التحديات يمكن أن تصنع فارقاً كبيراً في قدرتنا على تخطيها. وإنني أجد عوناً كبيراً في استبدال كلمة مشكلة بكلمة تحدي، وعندما نعتاد على ترديد "يجب أن أواجه هذا التحدي"، فإننا نكتسب القدرة على القيام بعمل جاد لإنجاز العمل الصعبوتكون النفس مؤهلة للعطاء والبذل.

فإنّ طبيعة التجربة البشرية – مع كلّ ذلك – هي تخطي العقبات. ونرى ذلك في كثير من الأماكن والمواقف التي تمر بالآخرين في حياتهم.

فإنّ تعلُّم النظر إلى اختبارات الحياة اليومية على أنها تحديات، هو أحد أضمن السبل للخروج من مشاكلك إلى حياة أكثر إشراقاً وبهجة.

واعلم أنّ التحديات لا تأتي إلا في آخر الأمر، فكلما تصديت لمشكلة أو مرحلة لا ترغب فيها، فاعلم أنك في الطريق لتضع موعداً نهائياً للخلاص منها، والوصول إلى سعادة ومتعة التغلب على الصعوبات والتحديات.

 

ضع موعداً نهائياً:

إن لم تضع موعداً محدداً لتحقيق حلم التغيير فأنت بهذه الطريقة تخادع نفسك، لأنّه وبدون موعد نهائي، ستظل الأحلام كما هي أحلاماً فقط. فلنقل – مثلاً – أنك دائماً ما كنت ترغب في زيارة سور الصين العظيم أو بلد مثل ماليزيا، ولكن إذا لم تلزم نفسك بتاريخ محدد للسفر والذهاب إليه، ستصبح جميع تقنيات التخيل والتعجب تضييع للوقت.

وتذكر، أنّ أوّل الدروس التي تعلمناها في تحديد الهدف، هو عندما نركز بوضوح عليه. فالهدف يأتي أوّلاً، ثمّ بعد ذلك تفكر في كيفية تحقيقه... فتعلم أن تضع موعداً نهائياً لتحقيق أحلامك.

 

المصدر: كتاب حرّك مياهك الراكدة

ارسال التعليق

Top