• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العطاء والنماء.. يضاعف بلا عدة ولا حساب

أ. د. دولار محمد صابر

العطاء والنماء.. يضاعف بلا عدة ولا حساب
◄ما قاله المفسرون: يقول صاحب التفسير الواضح محمد محمود حجازي في ج3/ الصفحة 13: مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وإعلاء كلمته وإسعاد الوطن وأهله كمثل حبّةٍ أنبتت سبعَ سيقان، في كلّ سنبلة، وفي كلّ سنبلة مئةُ حبّة، وذلك يكون في أخصب أرض، وأجود تربة، وأحسن بذر، ولا غرابة في ذلك فهذا القمح والأرز تنبت الحبة فيه هذا القدر. وهذا تصوير وتمثيل للمضاعفة والإضافة في الزيادة والأجر، يضاعف هذه المضاعفة أو أكثر منها لمن يشاء، إذ هو الواسع الفضل الغني الكريم العليم بكل شيء. ويقول البيضاوي في تفسيره ج1 الصفحة 60 أي: مثل نفقتهم كمثل حبة أو مثلهم كمثل باذر حبة – على حذف المضاف – أنبتت سبعَ سنابل، في كلّ سنبلةٍ مئةُ حبّة، أسند الإنبات إلى الحبة لما كانت من الأسباب كما يُسند إلى الأرض والماء، والمنبت على الحقيقة هو الله، والمعنى أنّه يخرج منها ساق يتشعب منها سبعَ شُعب، لكلٍّ منها سنبلةٌ فيها مئةُ حبّة، وهو تمثيلٌ لا يقتضي وقوعه، وقد يكون في الذرة والدخن وفي الأراضي المغلّة، والله يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء بفضله على حسب المنفق من إخلاصه ونعمه، ومن أجل ذلك تفاوتت الأعمال في مقادير الثواب، والله واسعٌ لا يضيق ما يتفضل به من الزيادة، عليمٌ بنيّة المنفق وقدر إنفاقه. ويقول سيد قطب: في (في ظلال القرآن) ج3 الصفحة 448: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 261). (إنّ المعنى الذهني للتعبير إلى عملية حسابية تضاعف الحبة الواحدة إلى سبعمائة حبة! أما المشهد الحي الذي يعرضه التعبير فهو أوسع من هذا وأجمل؛ وأكثر استجاشة للمشاعر، وتأثيراً في الضمائر.. إنّه مشهد الحياة النامية. مشهد الطبيعة الحية، مشهد الزرعة الواهبة، ثمّ مشهد العجيبة في عالم النبات: العود الذي يحمل سبع سنابل. والسنبلة التي تحوي مئة حبة! وفي موكب الحياة النامية الواهبة يتجه بالضمير البشري إلى البذل والعطاء. إنّه لا يعطي بل يأخذ؛ وإنّه لا ينقص بل يزاد.. وتمضي موجة العطاء والنماء في طريقها. تضاعف المشاعر التي استجاشها مشهد الزرع والحصيلة... إنّ الله يضاعف لمن يشاء. يضاعف بلا عدة ولا حساب. يضاعف من رزقه الذي لا يعلم أحد حدوده؛ ومن رحمته التي لا يعرف أحدٌ مداها: (.. وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 247). واسعٌ.. لا يضيق عطاؤه، ولا يكفّ ولا ينضبُ. عليمٌ.. يعلم بالنوايا ويثيب عليها، ولا تخفى عليه خافية". ولكن أيّ إنفاق هذا الذي ينمو ويربو؟ وأيّ عطاء هذا الذي يضاعفه الله في الدنيا والآخرة لمن يشاء؟. وقبل أن أبيّن رأيي في الشطر الثاني من الآية أود أن أبيّن المعنى اللغوي (للتضاعف): في قاموس المحيط 3/170 يقال لك: ضِعْفُه يريدون مِثْلَيهِ، وثلاثة أمثال، لأنّه زيادة غير محصورة. ويقول الشيخ أحمد الحملاوي في كتاب (شذا العرف في فنّ الصّرف) الصفحة 41: يأتي (فاعَلَ) بمعنى (فَعَّلَ المضعّف) للتكثير، كضاعفت الشيء وضعّفه. ويأتي (فاعل) للمعاني الآتية: 1-    المشاركة والمفاعلة. 2-    المبالغة والتكثير، على غرار ما هو موجود في صيغة (فَعَّلَ) كقولهم: ضاعفت الأجر، أي كثرت أضعافه، ويقال: ناعمه الله أي أكثر النعمة له. هذا ولم يتقصّ الحجازي والبيضاوي وسيد قطب – جزاهم الله خيراً – المعنى العلمي الدقيق للمضاعفة أي: اعتبروا الحبة الواحدة التي تنبت سبع سنابل، في كلّ سنبلة 100 حبة؛ أي أنّ (700) حبة يمكن أن تنتج من حبة واحدة، ولكن لم يبيّنوا المعنى العلمي لقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) (البقرة/ 261)، لعدم بلوغ التقدم العلمي في زمانهم إلى ما عليه الآن، كما أنّ البيضاوي جزاه الله خيراً يقول: (وهو تمثيلٌ لا يقتضي وقوعه)، لكنّه وقع بفضل الله ورحمته. أخي القارئ الكريم: سبحان الله، إنّ القرآن يتحدث عن زيادة الإنتاج الذي لا يمكن تحديده إلى يوم القيامة. إنّ وسائل الإنتاج المختلفة في يومنا هذا كتحسين الإنتاج أو اختيار أصناف جيِّدة بالاعتماد على الهندسة الوراثية أدت إلى زيادة الإنتاج. فلنفتش أخي القارئ العزيز عمّا وصل إليه العلم الحديث من زيادة الإنتاج لا سيما في الحنطة الناعمة، ونتابع ما ذكره الأستاذ عبد الحميد يونس في كتابه (محاصيل الحبوب) المؤلف سنة 1987: وهو أنّ صنف مكسيباك من الحنطة الناعمة – على سبيل المثال لا الحصر – تتصف سنابلها بأنّها طويلة وتحمل من 17-25 سنيبلة (السنبلة الواحدة تحمل سنيبلات) وفي كل سنبلة توجد خمسة أزهار خصبة، أي: تحتوي السنبلة الواحدة على 85 حبة أي: (5×17) إلى 125 حبة، أي (5×25). ومن المعروف أنّ صنف المكسيباك قد أُنتج كقفزة كمية كبيرة وذلك بتهجين سلالات مكسيكية وباكستانية، وقبل اكتشاف هذا الصنف كان عدد الحبوب أقل كثيراً في السنابل من العدد المذكور. إذاً أخي القارئ: لقد فاق الإنتاج مئة حبة، وبلغ 125 حبة على ضوء ما سلف، ولا أشكّ في أنّ عدد الحبات في القرن القادم أو القرون القادمة قد تصل إلى أضعاف مضاعفة. أخي: من يتصور قبل أكثر من 1400 سنة أن يجتاز الإنتاج إلى أكثر من مئة حبة في السنبلة الواحدة، أليس من قال هذا يعلم غيب السماوات والأرض؟ وإلا فهل كان في زمن الرسول (ص) طرق لتحسين الإنتاج، أو تطبيق الانتخاب المستمر ثمّ الحصول على محاصيل محسنة، حيث كان الإنسان قديماً يعتمد على زراعة قطعة أرض مناسبة تنتج غلّة تكفي عائلة أو تزيد عنها قليلاً، ولكنّ زيادة السكان أدت إلى ظهور مشكلة نقص المحاصيل الزراعية وعدم كفايتها للإستهلاك، وأدى ذلك إلى حدوث مجاعات عامة في الصين والهند وأفريقيا.. إلى آخره. وقد استخدمت في العصور الحديثة طرق شتى طبقت فيها مفاهيم علم الوراثة لإنتاج نباتات بكميات وافرة لسد الحاجات المتزايدة، واعجباً كيف لم يسمعوا الرسول (ص) وهو يتلو هذه الآية، ثمّ يوقنوا بأنّ هذا المثال حقّ.. ثمّ إنّ ما قاله الباري حول المضاعفة الإنتاجية مفتوح حتى لو زاد الإنتاج عن 1 إلى 1000 حبة، وإلى آخره من الأرقام، وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة التضاعف في اللغة العربية. ويبدو لي أنّه عندما يقول الباري: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)، قد يشمل هذا التضاعف فضلاً عن عدد البذور زيادة مستوى البروتين أي زيادة وزن الحبة. فانظر أخي فإنّ ما يجري الآن في الدول المتقدمة هو أمور تخدم هذه الآية حيث تنقل التغيرات الجينية إلى داخل الخلايا، حاملة للميزات الخاصة، مفصّلة على القياس، وهذه الميزات يمكن أن تكون عامة كتحسين النوعية البروتينية للبذور، وزيادة مستوى البروتين في النباتات الرعوية، ومن تلكم الميزات أيضاً عقم النبتة المذكرة وإصلاح الخصوبة، والتحول الكيميائي (كتحول النتروجين إلى الأمونيا)، ومقاومة الأمراض والحشرات والجفاف والسيول والملح والمعادن (وخاصة الرصاص والألمنيوم)، ومبيدات الأعشاب، ومبيدات الهوام، وتحسن تثبيت الكاربون بالتركيب الضوئي، والاستجابة للأسمدة وتحمل البرد وغير ذلك. كلّ هذه المميزات تفسّر قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ)، بالوسائل العلمية في عصرنا الحاضر.. وما يُدريكُ ما سيحدث بعد مئات السنين من تقدم علمي في هذا المجال، علماً بأنّ بعض هذه الميزات معقدة (متعددة الجينات)؛ أي أنّ بعض الميزات يحتاج إلى التعامل مع عدة جينات لا مع جين واحد، وتتطلب عملاً شاقاً قبل إمكان تحديد موقعها الجيني، ويُعتقد أن يتعامل بعضها الآخر نتيجة جين واحد، ويمكن تحقيقها في أمل قريب. لهذا فإنّ جهوداً كبيرة قد بذلت لعزل جين تحمل مبيدات الأعشاب وإدخاله في النباتات لتصبح هذه النباتات أقلّ تأثراً بالمبيدات العشبية غير الاصطفائية. إنّ هذه المهمة ذات النتائج الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة عقدت العزم على إنجازها مختبرات عديدة صناعية وجامعية، ويجب لإنجاحها توجيه الجهود نحو نظام جديد لنواقل التحويل النباتي. انظر أخي: فالله جعل حب العلم منذ خلق الإنسان في قلوب العلماء ليبذلوا قصارى جهودهم لإثبات ما جاء به الباري في آياته لخدمة البشرية. عزيزي القارئ: لا أدري هل كان محمد (ص) يعلم الغيب؟ هل كان يعلم عن الجينات شيئاً إن لم يكن ذلك من عند ربنا؟   المصدر: كتاب قبسات علمية من القرآن والسنّة

ارسال التعليق

Top