• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الاقتصاد الإسلامي جزء من كل

السيِّد محمّد باقر الصدر

الاقتصاد الإسلامي جزء من كل

إنّنا في وعينا للاقتصاد الإسلامي، لا يجوز أن ندرسه مجزءاً بعضه عن بعض. نظير أن ندرس حُكم الإسلام بحُرمة الربا. أو سماحه بالملكية الخاصّة، بصورة منفصلة عن سائر أجزاء المخطط العام. كما لا يجوز أيضاً أن ندرس مجموع الاقتصاد الإسلامي، بوصفه شيئاً منفصلاً وكياناً مذهبياً مستقلاً، عن سائر كيانات المذهب: الاجتماعية والسياسية الأخرى، وعن طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الكيانات، وإنّما يجب أن نعي الاقتصاد الإسلامي ضمن الصيغة الإسلامية العامّة، التي تنظم شتى نواحي الحياة في المجتمع. فكما ندرك الشيء المحسوس ضمن صيغة عامّة تتألف من مجموعة أشياء، وتختلف النظرة إلى الشيء ضمن الصيغة العامّة عن النظرة إليه خارج تلك الصيغة، أو ضمن صيغة أخرى، حتى لقد يبدو الخط قصيراً ضمن تركيب معيّن من الخطوط، ويبدو أطول من ذلك إذا تغيّر تركيب الخطوط... كذلك أيضاً تلعب الصيغ العامّة للمذاهب الاجتماعية، دوراً مهماً في تقدير مخططاتها الاقتصادية. فمن الخطأ أن لا نعير الصيغة الإسلامية العامّة أهميتها، وأن لا ندخل في الحساب طبيعة العلاقة بين الاقتصاد وسائر أجزاء المذاهب، والتأثير المتبادل بينها في كيانه العضوي العام.

كما يجب أيضاً أن لا نفصل بين المذهب الإسلامي بصيغته العامّة، وبين أرضيته الخاصّة التي أعدّت له، وهيأ فيها كلّ عناصر البقاء والقوّة للمذهب فكما ندرك الصيغ المحسوسة على أرضيات مختلفة، وينسجم كلّ شكل مع أرضية معيّنة، فقد لا تصلح أرضية لشكل آخر، ولا يصلح ذلك الشكل لأرضية أخرى، كذلك الصيغة العامّة للمذهب ـ أي مذهب كان ـ تحتاج إلى أرضية وتربة، تتفق مع طبيعتها، وتمدها بالعقيدة والمفاهيم والعواطف التي تلائمها فلابدّ لدى تقدير الصيغة العامّة للمذهب أن ندرسها على أساس التربة والأرضية المعدة لها، أي ضمن إطارها العام.

وهكذا يتضح أنّ الاقتصاد الإسلامي مترابط في خطوطه وتفاصيله، وهو بدوره جزء من صيغة عامّة للحياة، وهذه الصيغة لها أرضية خاصّة بها، ويوجد المجتمع الإسلامي الكامل حين يكتسب الصيغة والأرضية معاً، حين يحصل على النبتة والتربة كليهما، ويستقيم منهج البحث في الاقتصاد الإسلامي، حين يدرس الاقتصاد الإسلامي بما هو مخطط مترابط، وبوصفه جزءاً من الصيغة الإسلامية العامّة للحياة، التي ترتكز بدورها على التربة والأرضية التي أعدّها الإسلام للمجتمع الإسلامي الصحيح.

وتتكون التربة أو الأرضية للمجتمع الإسلامي، ومذهبه الاجتماعي من العناصر التالية:

أوّلاً: العقيدة، وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، التي تحدد نظرة المسلم الرئيسية إلى الكون بصورة عامّة.

وثانياً: المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء، على ضوء النظرة العامّة التي تبلورها العقيدة.

وثالثاً: العواطف والأحاسيس التي يتبنّى الإسلام بثها وتنميتها، إلى صف تلك المفاهيم، لأنّ المفهوم ـ بصفته فكرة إسلامية عن واقع معين ـ يفجّر في نفس المسلم شعوراً خاصاً تجاه ذلك الواقع، ويحدد اتجاهه العاطفي نحوه. فالعواطف الإسلامية وليدة المفاهيم الإسلامية، والمفاهيم الإسلامية بدورها موضوعة في ضوء العقيدة الإسلامية الأساسية. ولنأخذ لذلك مثلاً من التقوى. ففي ظل عقيدة التوحيد ينشأ المفهوم الإسلامي عن التقوى، القائل: إنّ التقوى هي ميزان الكرامة والتفاضل بين أفراد الإنسان، وتتولّد عن هذا المفهوم عاطفة إسلامية بالنسبة إلى التقوى والمتقين. وهي عاطفة الإجلال والاحترام.

فهذه هي العناصر الثلاثة: العقيدة، والمفاهيم، والعواطف، التي تشترك في تكوين التربة الصالحة للمجتمع.

ثم يأتي ـ بعد التربة ـ دور الصيغة الإسلامية العامّة للحياة، كلاً لا يتجزأ، يمتد إلى مختلف شُعب الحياة. وعندما يستكمل المجتمع الإسلامي تربته وصيغته العامّة، عندئذ فقط نستطيع أن نترقّب من الاقتصاد الإسلامي، أن يقوم برسالته الفذة في الحياة الاقتصادية، وأن يضمن للمجتمع أسباب السعادة والرفاه، وأن نقطف منه أعظم الثمار، وأما أن ننظر من الرسالة الإسلامية الكبرى، أن تحقق كلّ أهدافها من جانب معين من جوانب الحياة، إذا طبّقت في ذلك الجانب بصورة منفصلة عن سائر شُعب الحياة الأخرى... فهذا خطأ. لأنّ الارتباط القائم في التصميم الإسلامي الجبار للمجتمع، بين كلّ جانب منه وجوانبه الأخرى، يجعل شأنه شأن خريطة يضعها أبرع المهندسين لإنشاء عمارة رائعة، فليس في إمكان هذه الخريطة أن تعكس الجمال والروعة ـ كما أراد المهندس ـ إلّا إذا طُبّقت بكاملها، وأمّا إذا أخذنا بها في بناء جزء من العمارة فقط، فليس من حقّنا أن نترقّب من هذا الجزء أن يكون كما أراد المهندس، في تصميمه للخريطة كلّها. وكذلك التصميم الإسلامي، فإنّ الإسلام اشترع نهجه الخاص به، وجعل منه الأداة الكاملة لإسعاد البشرية، على أن يُطبّق هذا النهج الإسلامي العظيم في بيئة إسلامية، قد صبغت على أساس الإسلام في وجودها وأفكارها وكيانها كلّه وأن يطبّق كاملاً غير منقوص يشدّ بعضه بعضاً، فعزل كلّ جزء من النهج الإسلامي عن بيئته ـ وعن سائر الأجزاء ـ معناه عزله عن شروطه التي يُتاح في ظلها هدفه الأسمى، ولا يعتبر هذا طعناً في التوجيهات الإسلامية، أو تقليلاً من كفاءتها وجدارتها بقيادة المجتمع فإنّها في هذا بمثابة القوانين العلمية، التي تؤتي ثمارها متى توافرت الشروط التي تقضيها هذه القوانين.

ونحن لا نستطيع في عرضنا هذا، أن نبرز جميع أوجه الارتباط في الاقتصاد الإسلامي، وأوجه الارتباط والتفاعل بينه وبين سائر ما يتصل به من خصائص وعناصر إسلامية أخرى، وإنما نقتصر على نماذج من ذلك كما يلي:

1- ارتباط الاقتصاد بالعقيدة، التي هي مصدر التموين الروحي للمذهب، فإنّ العقيدة تدفع المسلم إلى التكيف وفقاً للمذهب، بوصفه نابعاً من تلك العقيدة، وتضفي على المذهب طابعاً إيمانياً وقيمة ذاتية، بقطع النظر عن نوعية النتائج الموضوعية التي يسجلها في مجال التطبيق العملي، وتخلق في نفس المسلم شعوراً بالاطمئنان النفسي في ظل المذهب، باعتباره منبثقاً عن تلك العقيدة التي يدين بها. فقوّة ضمان التنفيذ، والطابع الإيماني والروحي، والاطمئنان النفس.. كلّ تلك الخصائص يتميز بها الاقتصاد الإسلامي، عن طريق العقيدة الأساسية التي يرتكز عليها، ويتكوّن ضمن إطارها العام. وهي لذلك لا تظهر لدى البحث، إلّا إذا دُرس الاقتصاد الإسلامي على ضوء العقيدة ومدى تفاعله بها.

2- ارتباط الاقتصاد الإسلامي بمفاهيم الإسلام عن الكون والحياة، وطريقته الخاصّة في تفسير الأشياء، كالمفهوم الإسلامي عن الملكية الخاصّة وعن الربح. فالإسلام يرى أنّ الملكية حقّ رعاية يتضمن المسؤولية، وليس سلطاناً مطلقاً، كما يعطي للربح مفهوماً أرحب وأوسع مما يعنيه في الحساب المادّي الخالص، فيدخل في نطاق الربح ـ بمدلوله الإسلامي ـ كثير من النشاطات التي تعتبر خسارة بمنظار آخر غير إسلامي.

ومن الطبيعي أن يكون لمفهوم الإسلام ذاك عن الملكية أثره في كيفية الاستفادة من حقّ الملكية الخاصّة وتحددها، وفقاً لإطارها الإسلامي. كما أنّ من الطبيعي أيضاً أن يتأثر الحقل الاقتصادي بمفهوم الإسلام عن الربح أيضاً. بالدرجة التي يحددها مدى عمق المفهوم وتركزه، وبالتالي يؤثر المفهوم على مجرى الاقتصاد الإسلامي خلال تطبيقه. فلابدّ أن يُدرس من خلال ذلك، ولا يجوز أن يُعزل عن تأثير المفاهيم الإسلامية المختلفة خلال التطبيق.

3- ارتباط الاقتصاد الإسلامي بما يبثه الإسلام في البيئة الإسلامية من عواطف وأحاسيس، قائمة على أساس مفاهيمه الخاصّة، كعاطفة الأخوة العامّة، التي تُفجِّر في قلب كلّ مسلم ينبوعاً من الحبّ للآخرين، والمشاركة لهم في آلامهم وأفراحهم. ويثرى هذا الينبوع ويتدفق، تبعاً لدرجة الشعور العاطفي بالأخوة، وانصهار الكيان الروحي للإنسان بالعواطف الإسلامية، والتربية المفروضة في المجتمع الإسلامي. وهذه العواطف والمشاعر تلعب دوراً خطيراً في تكييف الحياة الاقتصادية، وتساند المذهب فيما يستهدفه من غايات.

4- الارتباط بين المذهب الاقتصادي والسياسة المالية للدولة، إلى درجة تسمح باعتبار السياسة المالية جزءاً من برنامج المذهب الاقتصادي للإسلام. لأنّها وضعت بصورة تلتقي مع السياسة الاقتصادية العامّة، وتعمل لتحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي، فالسياسة المالية في الإسلام لا تكتفي بتموين الدولة بنفقاتها اللازمة، وإنّما تستهدف المساهمة في إقرار التوازن الاجتماعي والتكافل العام، ولهذا كان من الضروري اعتبار السياسة المالية جزءاً من السياسة الاقتصادية العامّة، وإدراج الأحكام المتعلقة بالتنظيم المالي للدولة ضمن هيكل التشريع العام للحياة الاقتصادية.

5- الارتباط بين الاقتصاد الإسلامي والنظام السياسي في الإسلام، لما تؤدي عملية الفصل بينهما في البحث إلى خطأ في الدراسة. فللسلطة الحاكمة صلاحيات اقتصادية واسعة، وملكيات كبيرة تتصرّف فيها طبقاً لاجتهادها. وهذه الصلاحيات والملكيات يجب أن تُقرن في الدرس دائماً، بواقع السلطة في الإسلام، والضمانات التي وضعها الإسلام لنزاهة ولي الأمر واستقامته: من العصمة أو الشورى والعدالة، على اختلاف المذاهب الإسلامية. ففي ضوء هذه الضمانات نستطيع أن ندرس مكانة الدولة في المذهب الاقتصادي، ونؤمن بصحّة إعطائها الصلاحيات والحقوق المفروضة لها في الإسلام.

6- الارتباط بين إلغاء رأس المال الربوي، وأحكام الإسلام الأخرى في المضاربة والتكافل العام والتوازن الاجتماعي. فإنّه إذا درس تحريم الربا بصورة منفردة، كان مثاراً لمشاكل خطيرة في الحياة الاقتصادية. وأمّا إذا أخذناه بوصفه جزءاً من عملية واحدة مترابطة، فسوف نجد أنّ الإسلام وضع لتلك المشاكل حلولها الواضحة، التي تنسجم مع طبيعة التشريع الإسلامي وأهدافه وغاياته، وذلك خلال أحكام المضاربة والتوازن والتكافل والنقد.

7- الارتباط بين بعض أحكام الملكية الخاصّة في الاقتصاد الإسلامي، وأحكام الجهاد التي تنظّم علاقات المسلمين بغيرهم في حالات الحرب. فقد سمح الإسلام لولي الأمر باسترقاق الأسرى بوصفهم جزءاً من الغنيمة، وتوزيعهم على المجاهدين كما توزّع سائر عناصر الغنيمة. وقد اعتاد أعداء الإسلام الصليبيون أن يعرضوا هذا الحُكم من الشريعة الإسلامية منفصلاً عن شروطه وملابساته، ليبرهنوا على أنّ الإسلام شريعة من شرائع الرق والاستعباد، التي مُني بها الإنسان منذ ظلمات التاريخ، ولم ينقذه منها سوى الحضارات الأوروبية الحديثة، التي حررت الإنسانية لأوّل مرّة، ومسحت عنها الوحل والهوان.

ولكنّنا في دراسة ملخصة للإسلام وحُكمه في الغنيمة، يجب أن نعرف ـ قبل كلّ شيء ـ متى يعتبر الشيء غنيمة في نظر الإسلام؟. ونعرف بعد ذلك كيف وفي أي حدود سمح الإسلام لولي الأمر باسترقاق الأسير بوصفه غنيمة؟ ومَن هو هذا الحاكم الذي أبيح له استرقاق الأسير بهذا الوصف؟ فإذا استوعبنا هذه النواحي كلّها، استطعنا أن ننظر إلى حُكم الإسلام في الغنيمة نظرة صحيحة.

فالشرط الأساسي لمفهوم الغنيمة في نظر الإسلام، الحصول عليها في حرب جهادية مشروعة، ومعركة عقائدية. فما لم تكتسب الحرب طابع الجهاد لا يكون المال غنيمة. وهذا الطابع يتوقف على أمرين:

أحدهما: أن تكون الحرب بإذن من ولي الأمر في سبيل حمل الدعوة الإسلامية. فليس من الجهاد بشيء حروب السلب والنهب كالمعارك الجاهلية، أو القتال في سبيل الظفر بثروات البلاد وأسواقها كالحروب الرأسمالية.

والأمر الآخر: أن يبدأ الدُّعاة الإسلاميون قبل كلّ شيء بالإعلان عن رسالتهم الإسلامية، وإيضاح معالمها الرئيسية معززة بالحجج والبراهين، حتى إذا تمت للإسلام حجته. ولم يبقَ للآخرين مجال للنقاش المنطقي السليم، وظلوا بالرغم من ذلك مصرّين على رفض النور.. عند ذاك لا يوجد أمام الدعوة الإسلامية ـ بصفتها دعوة فكرية عالمية تتبنّى المصالح الحقيقية للإنسانية ـ إلّا أن تشق طريقها بالقوى المادّية، بالجهاد المسلح. وفي هذا الظرف فقط تعتبر مكاسب الحرب غنيمة في نظر الإسلام.

وأما حُكم الأسير في الغنيمة، فهو تطبيق أحد أمور ثلاثة عليه. فأمّا أن يُعفى عنه، وإمّا أن يطلق بفدية، وإمّا أن يسترق. فالاسترقاق هو أحد الأمور الثلاثة التي يجب على ولي الأمر معاملة الأسير على أساسها.

وإذا عرفنا بهذا الصدد أنّ ولي الأمر مسؤول عن تطبيق أصلح الحالات الثلاث على الأسير، وأوفقها بالمصلحة العامّة، كما صرّح بذلك الفاضل والشهيد الثاني وغيرهما من فقهاء الإسلام. وأضفنا إلى ذلك حقيقة إسلامية أخرى، وهي: أنّ الحرب في سبيل حمل الدعوة إلى بلاد الكفر لم يسمح بها الإسلام سماحاً عاماً، وإنّما سمح بها في ظرف وجود قائد معصوم، يتولى قيادة الغزو وتوجيه الزحف الإسلامي في معاركه الجهادية، إذا جمعنا بين هاتين الحقيقتين، نتجَ عنها أنّ الإسلام لم يأذن باسترقاق الأسير إلّا حين يكون أصلح من العفو والفداء معاً، ولم يسمح بذلك إلّا لولي الأمر المعصوم الذي لا يُخطئ في معرفة الأصلح وتمييزه عن غيره.

وليس في الحُكم شيء يؤاخذ الإسلام عليه، بل هو حُكم لا تختلف في المذاهب الاجتماعية مهما كانت مفاهيمها فإنّ الاسترقاق قد يكون أحياناً أصلح من العفو والفداء معاً، وذلك فيما إذا كان العدو يتبع مع أسراه طريقة الاسترقاق، ففي مثل هذه الحالة يُصبح من الضروري أن يعامل العدو بالمثل، وتتبع معه نفس الطريقة. فإذا كانت توجد حالات يصبح فيها الاسترقاق أصلح من العفو والفداء، فلماذا لا يسمح به الإسلام حين يكون أصلح الحالات الثلاث؟ صحيح أنّ الإسلام لم يبيّن تلك الحالات التي يكون الاسترقاق فيها أصلح من غيره، ولكنّه استغنى عن ذلك بإيكال الأمر إلى الحاكم المعصوم من الخطأ والهوى، الذي يقود معركة الجهاد سياسياً، فهو المسؤول عن تمييز تلك الحالات والعمل وفقاً لرأيه.

ونحن إذا لاحظنا حُكم الإسلام بشأن الأسير، خلال التطبيق في الحياة السياسية للدولة الإسلامية، وجدنا أنّ الاسترقاق لم يحدث إلّا في تلك الحالات، التي كان الاسترقاق فيها أصلح الحالات الثلاث، لأنّ العدو الذي اشتبكت معه الدولة الإسلامية في معاركها كان يتّبع نفس الطريقة مع أسراه.

فلا موضع لنقد أو اعتراض: لا موضع للنقد أو الاعتراض على الحُكم العام بجواز الاسترقاق، لأنّ الإسلام سمح باسترقاق الأسير حين يكون ذلك أوفق بالمصلحة العامّة في رأي الحاكم المعصوم. ولا موضع للنقد أو الاعتراض على تطبيقه، لأنّ تطبيقه كان دائماً في تلك الحدود التي يكون الاسترقاق فيها أصلح الاجراءات الثلاثة.

8- الارتباط بين الاقتصاد والتشريع الجنائي في الإسلام. فالتكافل العام والضمان الاجتماعي في الاقتصاد الإسلامي، يلقيان ضوءاً على طبيعة العقوبة التي فرضت في بعض الجنايات، فقد تكون عقوبة السارق بقطع يده قاسية إلى حد ما في بيئة رأسمالية، تركت فيها الكثرة الهائلة من أفراد المجتمع لرحمة القدر وزحمة الصراع، وأمّا حيث تكون البيئة إسلامية، وتوجد التربة الصالحة للاقتصاد الإسلامي، ويعيش المجتمع في كنف الإسلام، فليس من القسوة في شيء أن يعامل السارق بصرامة، بعد أن وفّر له الاقتصاد الإسلامي أسباب الحياة الحرة الكريمة، ومحا من حياته كلّ الدوافع التي تضطره إلى السرقة.

 

المصدر: كتاب اقتصادنا

ارسال التعليق

Top