• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أصل الكون في القرآن الكريم

لبيب بيضون

أصل الكون في القرآن الكريم

   يعتقد العلماء بأنّ الكون كان في بدايته على شكل كتلة واحدة انفجرت، ثمّ تبعثرت منها الالكترونات والنيتورنات والبروتونات، ثمّ تشكّلت بعض العناصر الغازية كالهيدروجين والهليوم.

وبعد 285.000 مليون سنة من الانفجار – كما يذكر هؤلاء العلماء – كان الكون عبارة عن فضاء مملوء بكتلة غازية منتضمة التوزيع مع تموّجات بسيطة. وبوجود هذه التموّجات – أو بتعبير آخر الاختلاف القليل جدّاً في الكثافة بين جزء وآخر من مادة الكون – وبتأثير قوى الجاذبية، أدّى ذلك إلى نشوء مليارات الكواكب والمجرّات في الكون. ثمّ بدأت تتشكل العناصر البسيطة كالليثيوم والدوتيريوم، وذلك قبل اليوم بـ15.000 مليون سنة – حسب استنتاجاتهم – وأصبح الكون يتجه باتجاه الترتيب والتنظيم الهائل لمكوّنات الغازية، إلى أن تكوّنت الذرات (Moleculs). وقد طالعتنا الصحف العالمية في 23 نيسان 1992م من القرن المنصرم بأحد أعظم اكتشافات القرن العشرين الفلكية. حيث حاول الاكتشاف تحليل كيفية نشوء الكون والمجرّات، وتضمن إضافة للمعلومات السابقة، القول بأنّه واكب الانفجار الأوّل تشكّل ذرات ثقيلة ذات قوى جاذبية عالية تدعى "المادة المظلمة" ساهمت في تشكيل النجوم والكواكب، وذلك بتجمّعها في مناطق معينة من الفراغ، ثمّ جذبها المركبات الغازية الخفية التي تملأ الكون.   - تشكّل الكون والقرآن: إذا ربطنا بين نظرية انفجار الكون وتشكّل السماوات والأرض، وبين ما ورد في القرآن الكريم، نجد أنّ القرآن هو أول من قال بانشطار السماوات بعد أن كانت كتلة واحدة، كما تقول نظرية الانفجار الأعظم، وذلك في قوله جلّ من قائل: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء/ 30). وفي قوله: (أفلا يؤمنون) تحدٍ للأُمم القادمة التي ستكتشف هذه الحقيقة وتراها بمنظار العلم والعقل، فلا يحجبها عن الإيمان بالقرآن وآياته شيء، ولا يحجزها عن السجود لعظمة الله حاجز
وقد أجمعت كتب التفسير لهذه الآية على أنّ الكون كان كتلة واحدة ملتحمة (الرتق) ثمّ فصلها الله سبحانه عن بعضها (الفتق) وفق تدبير منظّم وتقدير محكم، بحيث أخذ كل جزء من هذه الأجرام دوره وفاعليته في التكامل الكوني. إنّ نظرية الكتلة الواحدة للكون وضعت سنة 1929 واعتُمدت سنة 1945، وقد جاء بها القرآن قبل ما يزيد على الألف واربعمائة عام، حين كان الناس في ظلمات الجهالة غارقين. أما نظرية تشكّل الغازات بعد الانفجار الأعظم ومثلها الكون قبل تشكّل الأجرام، فقد سبق إليها القرآن بشكل صريح واضح لا يحتمل التأويل – حسب ما استفدناه – وذلك في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت/ 11). وقد عامل سبحانه هذه الأجرام التي لا نعقل معاملة العاقل في خطابه لها، وفي قوله (طائعين)، تعظيماً لشأنها ولبيان أنها امتثلت أمر الله تعالى في تسييرها في مداراتها وأفلاكها لا تحيد عنها، فكأنها تعقل الأوامر المنوطة بها، وتقوم بالوظائف الملقاة على عاتقها.   - تشكّل الكون في نهج البلاغة: في حين تكلم القرآن عن خلق الكون بشكل رموز وجيزة، جاء باب مدينة علم الرسول (ص) ليشرح لنا تلك الرموز ببيان موسّع لم نشهد له مثيلا. حسبنا من ذلك ما ورد في الخطبة الأولى من النهج، وفي الخطبة 89 وهي المسمّاة بالقاصعة، والنص التالي من القاصعة، يقول (ع) في وصفه لتشكّل السماء: "ونظم بلا تعليق رَهَوات فُرَجها، ولاحمَ صُدوع انفراجها، ووشّج بينها وبين أزواجها.. وناداها بعد إذ هي دخان، فالتحمت عرى أشراجها، وفَتَق بعد الارتتاق صوامتَ أبوابها". يشير الإمام علي (ع) في هذا الكلام – كما يتبين – إلى أول نشوء المجرات، فقد كان يسود الكون دخان لعله غاز الهيدروجين، ثمّ حرّكه سبحانه في دوائره، فتجمعت دقائقه في مجموعات كالعرى، هي النوى الأولى لتشكّل مجموعات المجرة، كانت السماء – أول ما خلِقت – غير منتظمة الأجزاء، فنظمها سبحانه بقدرته، وجعلها في مستوى واحد، بعد أن كان بعضها عالياً وبعضها سافلاً، وأزال بذلك الفراغات التي بينها. يقول (ع): "ونظم بلا تعليق رهوات فرجها" فجعلها كالبساط الواحد من غير حاجة إلى وسائل تعليق. ثمّ ألّف بينها وأزال ما بينها من شقوق "ولاحم صدوع انفراجها" فجعلها جسماً متصلاً وسطحاً أملس. بل جعل كل جزء منها ملتصقاً بمثله "ووشّج بينها وبين أزواجها". وفي هذا وصف دقيق لنظرية الكتلة الغازية منتظمة التوزيع التي ذكرناها سابقاً. ثمّ يقول (ع): "وناداها بعد إذ هي دخان" فالكون كان مليئاً بالغاز، قبل تشكل الكواكب والمجرات. ثمّ يقول (ع): "فالتحمت عُرى أشراجها" وفي هذا تشبيه لكواكب كل مجموعة من مجموعات المجرّة بالعرى الدائرية التي التحمت مع بعضها برباط الجاذبية حين دارت حول مركز واحد. ثمّ يقول (ع): "وفتق بعد الارتقاق صوامتَ أبوابها" وفي هذا الإشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم من نظرية الفتق بعد الرتق، فقد كانت هذه المجرات كتلة واحدة لا منفذ فيها، وتشغل حيّزاً بسيطاً من الكون، ثمّ أصبحت بعد ذلك منظومات معلّقة في الفضاء، تفصل بينها فراغات هي كالأبواب التي يمكن أن نعبر منها إلى الأقطار الأبعد من الكون.. والله تعالى أعلم.   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 57 و58 لسنة 1995 م

ارسال التعليق

Top