يعيش العالم تطورات وتحولات كبيرة بسبب التقدم في مجال تقنيات الإنتاج والتوزيع والمعلومات والاتصالات، وتتزامن هذه التطورات مع مزيد من التوجه الدولي نحو الانفتاح والتحرير والعولمة وتكامل عمليات الإنتاج عبر الدول وترابط الأسواق المالية من جهة والاندماج في تجمعات اقتصادية عملاقة من جهة أخرى، والبلاد العربية وإن حققت انجازات انمائية اقتصادية واجتماعية كبيرة خلال العقود الماضية، إلا أنّها تواجه في مطلع القرن الحادي والعشرين مشاكل اقتصادية واجتماعية عميقة تمس حاضرها ومستقبلها، إضافة لمجموعة من التحديات لتحقيق السلام والتنمية، حيث يمثل الاحتلال الاسرائيلي أكبر العقبات لمسيرة السلام والأمن في المنطقة ويؤثر على جميع جوانب التنمية الإنسانية، كما أنّ الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية والعقوبات والحصار وسيف الحرب المسلط على الشعب العراقي والمنطقة ككلّ أضروا باقتصادها مما أدى إلى انخفاض الانتاجية وعدم استقرار الأسواق العربية.
وبينما تنص الدساتير والقوانين العربية على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنّ المشاركة السياسية تبقى مهملة أو يجري إغفالها عمداً، ويشكل هذا القصور في الحرية أحد مظاهر تخلف التنمية الإنسانية إيلاماً، ويضاف إلى ذلك كما أشار تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الصادر عن الأُمم المتحدة: "أنّ التنمية التي لا تشارك المرأة فيها تنمية معرضة للخطر وعدم المساواة بين الجنسين في المواطنة والحقوق القانونية يشكل أكثر مظاهر الإجحاف تفشياً في أي مجتمع لأنها تؤثر عملياً على نصف عدد السكان"، ويظهر الفحص المتمعن للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية العربية بأنّ ثلاث نواقص تفت في عضد التنمية الإنسانية في البلاد العربية يمكن إجمالها في:
1- نقص الحريِّة.
2- نقص تمكين المرأة.
3- نقص القدرات الإنسانية قياساً إلى الدخل خاصة القدرة المعرفية.
أوّلاً: تعريف التنمية:
التنمية تعني توفير الآليات والوسائل والأساليب لكلّ فرد للحصول على فرص متساوية ومتكافئة لتحقيق مجتمع أفضل مع التوزيع العادل للموارد والثروات بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتشمل أربعة عناصر:
- الانتاجية: وهي توفير الظروف المناسبة للأفراد لرفع انتاجيتهم.
- العدالة الاجتماعية: وهي تساوي الأفراد في الحصول على نفس الفرص.
- الاستدامة: وهي ضمان حصول الأفراد على تنمية مستدامة ومستقرة.
- التمكين: وهي توفير الوسائل الثقافية والمادية والتعليمية حتى يتمكن الأفراد من المشاركة في اتخاذ القرار والتحكم في الموارد.
أ- أهداف التنمية:
تهدف التنمية إلى رفع قدرة الفرد على المشاركة في القرارات التي تؤثر على خياراته في الحياة بغض النظر عن جنسه أو طبقته الاجتماعية ومن هنا ينظر إلى التنمية من خلال مساهمتها في لقاء الأهداف العامة في البقاء والأمن والكرامة، وهذا يعني أنّ مفهوم الانتاج هنا لا يعنى فقط بإنتاج السوق وإنما يتعداه إلى الأنشطة والأدوار التي تسهم في رفاهية الفرد.
ب- الرؤية الشائعة للتنمية:
تنظر هذه الرؤية إلى التنمية على أنّها التخطيط للموارد والتقنيات والمهارات لتحسين معدلات النمو الاقتصادي حيث يستحيل تحقيق التنمية دون تحقيق نمو اقتصادي، وهذا لا يعني أن تحقيق النمو الاقتصادي سوف ينعكس على المجتمع ككلّ، فهناك دوماً فروقات في القوة والسلطة محددة حسب الطبقة أو النوع الاجتماعي أو العرق أو جملة هذه العناصر مجتمعة، وإنّ الحالات المتعلقة بسوء توزيع الثروة أو الفوارق الطبقية أو عدم المساواة بين الجنسين، هي من الأمور التي يجب التصدي لها ضمن المشاريع التنموية، فالتنمية عملية يجب أن تشمل جميع أفراد المجتمع على نفس الدرجة وتبعاً لحاجاتهم الفردية.
ثانياً: مؤشرات التنمية:
حددت المنظمات الدولية وبرنامج الأُمم المتحدة الإنمائي مؤشرات تساعد على قياس وتقييم مستوى التنمية بمعناها الشامل وأهم هذه المؤشرات:
أ- مؤشر التنمية البشرية:
ويتضمن:
- مدة الحياة.
- مستوى التعليم.
- مستوى المعيشة باعتماد الناتج القومي لكل فرد.
ب- المؤشر المرتبط بالنوع الاجتماعي:
وهذا المؤشر يرتبط باتساع فجوة التنمية بين النساء والرجال مما ينجم عنه انعكاسات سلبية على مستوى البلد.
ج- مؤشرات المشاركة الشاملة:
وتهتم بما إذا كان الرجال والنساء قادرين بالتساوي على المساهمة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والمشاركة في عملية اتخاذ القرار.
ثالثاً: المناهج التنموية:
تطورت المفاهيم والسياسات والمناهج فيما يخص مسألة التنمية والقضايا المرتبطة بها والمتعلقة بالمرأة والأسرة والمجتمع، ابتداء من مفهوم الرعاية الاجتماعية وانتهاء بمفهوم التمكين وتطورت تبعاً لذلك مفاهيم تنمية المرأة وأدوارها الثلاثة، الانجابية والانتاجية والاجتماعية، ومنذ فترة السبعينات بدأت النظريات الخاصة بالتنمية تتطور وتتمحور حول ما يلي:
1- حول العنصر البشري الإنسان بوصفه هدف التنمية وغايتها.
2- التفاوت بين مناطق العالم الشمال والجنوب، والأغنياء والفقراء.
3- التفاوت بين الجنسين.
وعند التطرق إلى مسائل المرأة والتنمية هناك ثلاثة مصطلحات أساسية وهي:
- المرأة في التنمية Women in Development (WID)
- المرأة والتنمية Women and Development (WAD)
- النوع الاجتماعي والتنمية Gender and Development (GAD)
· المرأة في التنمية (WID): مشاركة بدون تمكين: ينطلق هذا المنهج من أنّ المرأة غائبة ومبعدة عن عملية التنمية وإبعادها لا يؤثر عليها سلباً فقط وإنما ينجم عنه فشل المشاريع التنموية، وهو يركز على أدوار المرأة الانتاجية ويوجه إلى النساء مشاريع خاصة تحاول أن تجهلهن في نفس مستوى الرجال وتساعدهنّ على ذلك، ويتمثل هدف إدماج المرأة في التنمية في الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
· المرأة والتنمية (WAD): وهو منهج منتشر في بلدان العالم الثالث فقط ويعترف بأدوار المرأة الثلاثة ويعتبر أنّ دونية المرأة لا ترتبط بالرجال فقط وإنما بالاستعمار أيضاً، ويعتمد على رسم برامج تخطيط أكثر عدالة لزيادة انتاجية المرأة وزيادة قدرتها على رعاية المنزل والأسرة.
ويرى أنّ المرأة الفقيرة المهمشة أقرب إلى الرجل الذي ينتمي إلى نفس الطبقة منها إلى المرأة المنتمية إلى طبقة أخرى ويرى أنّ عمليات التنمية ستسير بصورة أفضل إذا قدرت مجهودات المرأة داخل البيت وخارجه.
رابعاً: إدماج المرأة في التنمية:
منذ عام 1975 بدأ الاهتمام بمعالجة موضوع تهميش دور المرأة ومشاركتها في التنمية تحت شعارات المساواة والمشاركة، وكنتيجة لعدم تحقيق مشاريع التنمية لأهدافها الرامية إلى تحسين أوضاع المرأة إضافة إلى إهمال هذه المشاريع لمخاطبة النوع الاجتماعي كانت المناداة بقضايا النوع ثمّ تطورت هذه المفاهيم من النظر إلى دور المرأة في التضحية إلى النظر إليها كقوة أساسية فيها وهي تجعلنا نحلل العوامل التي تؤدي إلى عدم المساواة بين الجنسين كما تمكننا من التعرف على الأساليب التي ينبغي اتباعها لتحقيق تلك المساواة والعدالة، ومن هنا سنتعرض إلى مداخل ومفاهيم إدماج المرأة في التنمية لضمان اشراكها بصورة فعّالة مع الرجل للوصول والاستفادة من الموارد المتاحة.
مفهوم الرعاية الاجتماعية:
وهو متبع في سياسة الخدمات الاجتماعية وقد شاع بين الفترة (1950-1970) ويعترف بالدور الإنجابي للمرأة ويهدف إلى جعله أمّاً أفضل من خلال إدماجها في التنمية مما يجعلها منتفعة سلبية، وهو مفهوم تكريس الدور التقليدي للمرأة متمثلاً بتوفير الغذاء ومقاومة سوء التغذية وتنظيم الأسرة.
مفهوم العدالة:
ظهر هذا المفهوم في عقد الأُمم المتحدة الخاص بالمرأة للفترة (1975-1985) واستخدم في برامج المرأة في التنمية ويهدف إلى إعطاء المرأة نفس فرص المشاركة لتؤدي أدوارها الثلاثة، ويركز على المشاريع الصغيرة المدرة للدخل والاحتياجات الأساسية ويعمل على تقليص الفوارق بين المرأة والرجل بإعطاء المرأة صلاحيات اقتصادية وسياسية.
مفهوم مكافحة الفقر:
ظهر هذا المفهوم منذ السبعينات ويرتبط بإعادة توزيع الدخل والاحتياجات الأساسية، ويهدف إلى إدماج المرأة في التنمية من خلال زيادة انتاجيتها وذلك بغية القضاء على الفقر عن طريق مشاريع صغيرة وهو المفهوم الثاني المستخدم في منهج المرأة في التنمية.
مفهوم الكفاءة:
ظهر هذا المفهوم في الثمانينات وشاع في التسعينات بسبب ظهور الأزمة الاقتصادية وتدهور الاقتصاد الدولي وهو المفهوم المستخدم حالياً في منهج وبرامج المرأة والتنمية لأنّ برامج الاستقرار والتكييف الهيكلي تعتمد على مساهمة المرأة في التنمية وربط هذه المساهمات بنجاح المشاريع والخدمات ويأخذ هذا المفهوم بالاعتبار قدرة المرأة على تقديم الخدمات والوقت الذي تخصصه لنشاطها دون الاعتراف بالواجبات المنزلية.
مفهوم التمكين:
ويهدف إلى تمكين المرأة من خلال الاعتماد على النفس عن طريق الثقافة والتعليم والعمل، وقد ظهر في نهاية الثمانينات ويعترف بالمرأة كعنصر فاعل ويسعى إلى القضاء على مظاهر التمييز ضدها، وقد حاز على تأييد كبير خلال مؤتمر بكين عام 1995 من خلال استراتيجيته التي تعالج التفاوت بين الجنسين، وهو يعمل على تحريك الجماعات النسائية حول البرامج التنموية للحصول على معاملة متساوية كمشاركات ومستفيدات، وهو يغلب على برامج منظمات الأُمم المتحدة مثل اليونيسف وبرنامج المرأة الإنمائي.
مفهوم التحرير:
ارتبط هذا المفهوم منذ أربعينات القرن الماضي بالتنمية الاشتراكية التي هدفها زيادة مشاركة المرأة السياسية وزيادة عملها، كما يعترف بدور المرأة الانتاجي ودورها في سياسة المجتمع ويلبي احتياجات النوع من خلال تحسين وضعها الاجتماعي القانوني وتتم تلبية احتياجات الرجل والمرأة على حد سواء من خلال توفير الدولة للسلع والخدمات الأساسية وهو يعتبر القضايا النسائية هامة لكنها تحتل مرتبة أدنى بالمقارنة مع القضايا التنموية والسياسية.
منهج ومفهوم النوع الاجتماعي والتنمية:
وهو التحول من تنمية المرأة إلى تنمية النوع الاجتماعي وتوحيد الجنسين ليشكلا قوة واحدة لتحقيق التنمية المطلوبة، ويسعى إلى فهم إخضاع المرأة عن طريق تحليل العلاقة بينها وبين الرجل في إطار عوامل هامة مثل الطبقات الاجتماعية والأنظمة والعرق والدين والسن، ويركز على الكفاءة والفرص من أجل تحسين توزيع الموارد والخدمات وتحقيق العدالة بين النوعين، كما يؤكد على إشراك الرجال والنساء معاً في إحداث التغيير في المواقف والممارسات وإزالة التمييز فيما يتعلق ببرامج وسياسات التنمية مع تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين في المشاركة والسيطرة على الموارد، ويعتمد لذلك استراتيجية تلبية احتياجات الرجل والمرأة معاً والاهتمامات الأساسية للفقراء كمجموعات رئيسية في التنمية.
خامساً: أثر النوع الاجتماعي على برامج التنمية:
إنّ البرامج التنموية لم تدرك أهمية النوع الاجتماعي لم تفشل فقط في تقديم العون والدعم والفائدة للنساء لكنها في بعض الأحيان ألحقت بهنّ مزيداً من الأضرار والخسائر حيث راكمت من أعباء العمل الملقى على عاتقهنّ ولم تعترف بدورهنّ الانجابي في حياة المجتمع المحلي.
ويكشف التحليل لأدوار وعلاقات الرجال والنساء في المجتمع مظاهر عدم المساواة في تلك العلاقات وإحصائيات الأُمم المتحدة تثبت ذلك حيث ما زالت حتى الآن على نفس القدر من الصحة، فمثلاً:
- تؤدي النساء ثلثي حجم العمل العالمي.
- يكسبن عشر الدخل العالمي.
- يشكلن ثلثي عدد الأميين في العالم.
- يملكن أقل من 1% من ممتلكاته.
يتضح مما سبق أنّ المنظور المبني على النوع الاجتماعي عامل أساسي في جعل الصحة والتعليم والمشاركة الاقتصادية والسياسية وغيرها محاور للتنمية الأساسية، وبناء على ذلك فإنّ ضمان المساواة بين الجنسين فيما يتعلق بتوفير فرص التعليم وإمكانية أخذ القرارات يلعب دوراً هاماً في تقليص الفقر، إنّ المساواة تمكّن جميع أفراد المجتمع من المساهمة في تنميته حيث أكّدت الدراسات والبحوث أنّ تعليم النساء والفتيات يؤدي إلى تخفيض نسبة وفيات الحمل والولادة ووفيات الرضع، كما أنّ تطبيق منظور النوع الاجتماعي يؤدي إلى تفهم أفضل لأدوار النساء والرجال فيما يتعلق بالصحة للفرد والمجتمع مما يساهم في تحسين الصحة ككلّ.
إنّ إدماج المرأة في التنمية يعني وضع خطط واعية بأوضاع النساء المختلفة ومنحهنّ ما تتطلبه اهتماماتهن، ويبغي هذا المفهوم إلى:
1- أن تصبح النساء جزءاً من مجهودات التنمية الأساسية.
2- وضع استراتيجيات لاعتبار النساء مشاركات ومستفيدات من خطط التنمية.
3- تحسين أوضاع النساء بإتاحة الفرص أمامهنّ للمشاركة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هذه العملية تقود إلى إحداث تغيير جذري في أوضاع المرأة.
سادساً: معايير تمكين المرأة:
إنّ مدى تمكين المرأة وتحسين أوضاعها يقاس بالمعايير الآتية:
1- مدى مشاركة المرأة في اللجان العامة وغير لجان النساء.
2- مشاركة النساء في المواقع القيادية.
3- مشاركة النساء في اتخاذ القرارات الخاصة بعضويتهنّ في اللجان.
4- إتاحة فرص التدريب غير التقليدية للنساء.
5- تغيير مفاهيم النساء حول إمكانية مشاركتهنّ الفعّالة في الأعمال خارج المنزل.
6- ثقة النساء في إمكان مشاركتهنّ للرجال في الأعمال العامة.
7- تغيير مفاهيم الرجال حول مقدرة النساء في تقلد المناصب العامة
8- تقلد النساء لمناصب ومواقع ليست خاصة بمشاريع نسائية.
9- مساهمة النساء المتعلمات في نشرالتعليم بين الآخرين.
10- اكتساب النساء لمهارة إنشاء شبكات لتوعية النساء وتقوية مواقفهنّ في نشرها وقدراتهنّ التنظيمية لإقامة مجموعات للمطالبة بحقوقهنّ.
واقع المرأة والتنمية:
دائماً ما يكون الإنسان أسيراً لنظرة المجتمع له وتقويمه لموقعه، وفي المجتمع المحافظ نجد أنّ نظرة المجتمع لها الوقع الأكبر على المرأة لحساسية وضعها الذي تحكمه العادات والتقاليد بشكل قد يتجاوز حدود الدين والأحكام الشرعية.
فقد شهدت المملكة العربية السعودية – على سبيل المثال – خلال الخمس عشرة سنة الماضية نهضة تنموية كبيرة شملت جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية، كما عمت معظم أرجاء البلاد المترامية الأطراف، لكن إذا ما نظرنا إلى مساهمة المرأة في هذه النهضة لوجدنا أنها أوّلاً وأخيراً بدأت تحتل مكاناً لا يستهان به بالرغم من بساطته مقارنة بمساهمة الرجل والسبب بالطبع يكمن بعادات وتقاليد المجتمع.
ولما كانت التنمية بكافة أبعادها تعتمد بالدرجة الأولى على العنصر البشري كمشارك فيها وكهدف أساسي لها، فإنّ المملكة العربية السعودية وجدت نفسها في موقف حرج في تلبية احتياجات التنمية من العنصر البشري المؤهل تأهيلاً كافياً، ولم يكن أمام هذا التحدي إلا اللجوء إلى الاستفادة من العمالة الوافدة للمشاركة في عملية التنمية، وكان من نتيجة ذلك أن شهدت البلاد أفواجاً عديدة من جنسيات مختلفة ومن ثقافات وخلفيات اجتماعية متباينة انصهروا جميعاً في مجتمع نامٍ ومحافظ، إنّ وجود هذه الأعداد الكبيرة وبهذه الخلفيات المتباينة سيحدث بلا شك بعض التغيرات على عادات وقيم المجتمع، وفي غياب المساهمة الفعّالة من المرأة بجانب الرجل في هذه التنمية جعل الاعتماد على العمالة الوافدة يزداد يوماً بعد يوم.
ولكن يبقى السؤال الأهم في ظل هذا الازدياد النابع من انحسار مشاركة المرأة في التنمية ضمن نظرة المجتمع ووضع المرأة.
هل علاج التحدي المذكور يكمن في المساهمة وبشكل فعّال في تغيير الكثير من العادات والقيم مهما بلغ بطء هذا التغيير؟!
فاليوم لم يعد عمل المرأة مجرّد مساهمة أو ترفيه أو كسر أوقات الفراغ بل أصبح حاجة ملحة لكي تستمر الحياة، فمرتب الرجل لم يعد يكفي لسد احتياجات الأسرة حيث تعتمد أسر كثيرة على مرتب الرجل والمرأة معاً... فلدى الكثيرين قناعة تامة بأنّ المرأة السعودية تحبّ عملها جدّاً ويمكنها حتى أن تتفوق على الرجل حالما تتوفر لها الفرصة التي تثبت فيها قدراتها، الأمر لا يحتاج سوى الابتكار في مجالات العمل بحيث تتوفر لهنّ فرص العمل دون المساس بخط المجتمع العام، فلابدّ أن يطرأ شيء من التغيير على العادات والقيم التي لا تمس بمبادئ ديننا الإسلامي، بحيث تُعطى المرأة مجالاً أكبر للعمل عوضاً عن السماح للأجانب بدمج أنماطهم الحياتية المختلفة مع قيمنا الإسلامية والذي بالتأكيد سيكون له التأثير السلبي على شريحة كبيرة من أفراد المجتمع.
ما المانع من تغيير بعض عادات وتقاليد الجاهلية الأولى والتي يبعد الإسلام الحقيقي عنها كل البعد والسماح للمرأة بالعمل والمشاركة الفعّالة في مسيرة التنمية مع إعطائها حريتها بشرط أن تكون تلك الحرِّية تحت قالب ديني وليس أيّ شيء آخر، بهذا فقط سنحمي صف عاداتنا وتقاليدنا من أي تدخل وبنفس الوقت سنحافظ على أموالنا وننمي اقتصادنا.
وها نحن الآن نجد أنّ المرأة السعودية تجوب البقاع بحثاً عن العلم وتغزو كلّ الميادين، فإذا ما ألقينا نفس الضوء على موضوع عمل المرأة لوجدنا أنّه لابدّ من إعطائها الفرصة والخيار.
لا يخفى على أحد مدى أهمية عمل المرأة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مع ذلك يذكر لنا تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار "لعام 2006 أنّ نسبة بطالة المرأة في السعودية تبلغ ثلاثة ملايين عاطلة..، وأنّ 55% هنّ من حملة الشهادات الجامعية.." مما يعني أنّ تعليم المرأة "لم يفتح أمامها فرصاً وظيفية واسعةً"..!!
هذه الحقائق المروعة تستدعي منا التوقف قليلاً، ومراجعة ما نحن عليه، وتقييم نتائج تطبيقات الطرق والنظم التي تعاطت مع شؤون المرأة، والعمل على المعالجة بالسن السريع للأنظمة والتشريعات الخاصة بعمل المرأة، والتأكيد على تفعيل العديد مما كتب كتشريع على الورق يصب في صالح المرأة، لكنه نام في الأدراج.. كقانون "تأنيث العمل في محلات المستلزمات النسائية".
وعندما يقول لنا التقرير بأن "السماح للنساء بالعمل وفتح الأبواب أمامهنّ، سيعمل على إحلالهنّ في مكان العمالة الأجنبية، والتي تقدر بنحو سبعة ملايين" ما يعمل على "خفض التحويلات المالية بنحو 12 بليون ريال، إضافة إلى زيادة الناتج الإجمالي بنسبة 6%، "وذلك بحسب دراسة أجراها مصرف تجاري محلي، ألا يدفعنا هذا إلى التعجيل في تصحيح الوضع القائم..؟
بما أنّ الهدف الأوّل من وضع أي نظام هو فائدة الناس، فكيف نعرف أننا حققنا هذا الهدف إلا بدراسة نتائج تطبيق ذلك النظام وما يتضمنه من تشريعات؟ هذا يتطلب الحرص على عملية ما يسمى Feed Back، وهي دراسة وتقييم النتائج الفعلية لأيّ قرار، وقياس درجة فاعليته، ومدى نجاحه أو فشله، وإدراك الجوانب الإيجابية وتعزيزها، ومعرفة السلبي فيه لتصحيحه أو إلغائه، والعمل على تعديله وتحديثه بما يتوافق مع مصالح الناس ورؤاهم الحديثة، وبما يحقق الانسجام مع مقتضيات العصر.
لكن هذا المبدأ الذي يشكل أبسط مبادئ الإدارة، لم يتم العمل به، لذا فأنّ السبب وراء معظم الإشكاليات، التي نواجهها في المجتمع، وعلى الأخص فيما يتعلق بالمرأة، يكمن في أنّ الكثير من التشريعات المعمول بها تبدو أبدية، فليس هناك عملية مراجعة وتقييم، ومن ثمّ تحديث للتشريع بما يتوافق مع متطلبات ما استجد من أمور على الساحة الاجتماعية والاقتصادية، لمواكبة ركب التطور والحضارة.. لذا نأمل أن لا يطول وقوفنا في محطة الانتظار، مما يعني مزيداً من الخسائر بسبب العثرات التي تعيق حركة نصف المجتمع متمثلاً بالمرأة.
عمل المرأة والتنمية:
لقد جاء الإسلام منهجاً شاملاً للحياة بامتدادها الدنيوي والآخروي، واهتم بالعمل اهتماماً كبيراً واعتبره شرطاً وعبادة فكتب له الأجر والثواب، وحثّ المجتمع على ضرورة توفير فرص العمل لكلِّ أفراده حسب إمكانياتهم، والعمل ضرورة لابدّ من قيام كلّ مسلم به لأنّه الوسيلة التي تساعده على تأدية واجبات اجتماعية كثيرة مثل الإنفاق على الأقارب ودفع الزكاة والصدقات والإنفاق في سبيل الله، والأنبياء – عليهم السلام – والعلماء الذين هم قدوة لنا زاولوا أنواعاً من الأعمال، والإسلام لم يمنع المرأة من العمل خارج البيت وفق تعاليمه وأحكامه فالنساء شقائق الرجال والعمل مسؤولية الرجل والمرأة، وقد وضع الإسلام مجموعة من المبادئ التربوية التي يرتكز عليها العمل مثل الحرية والمسؤولية والإتقان والعدل والأمانة.
ونظراً لحاجة المجتمع التنموية التي تؤكد أهمية زيادة مساهمة المرأة في العمل ومشاركتها بكل ما تستطيع وبما يتفق مع تعاليم ديننا الحنيف لدفع عملية التنمية إلى الأمام واللحاق بركب التطور فالأمّة الإسلامية بحاجة إلى العلم والعمل بما يحقق ارتقائها مصداقاً لقول الحقّ تبارك وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105)، ولكون دور المرأة من الأدوار الرئيسة التي تؤثر في نمو المجتمع وتطوره من خلال عملها في البيت وخارجه، وتساهم في تنمية المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، وفي ضوء ذلك تظهر مؤشرات وسائل إدماج المرأة ومشاركتها في التنمية التي ترتكز في ملامحها على أهمية التوجه المهني والذي يتطلب أن تتحرك مشاركتها الفعّالة بدرجات متزايدة في ثلاثة اتجاهات هي:
1- توسيع فرص العمل المهني للمرأة.
2- الاستفادة من العمل المهني للمرأة.
3- مساندة المرأة العاملة.
هذا إلى جانب شمول التربية وتعدد طرائقها بين محو أمية وتعليم كبيرات وتدريب عام ومهني وبرامج خاصة للإناث، وهذا يؤكد أهمية التفكير بعمق نحو مشاركة المرأة في ميادين العمل لبناء الحياة العصرية بما يتناسب وفطرتها ويتفق وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء ووفق برنامج متوازن وفعّال يسهم بتحقيق الأهداف المنشودة.
المصدر: كتاب الإعلام وقضايا المرأة
ارسال التعليق