• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إرادة التغيير

أسرة البلاغ

إرادة التغيير
    لكي يمضي الإنسان بمشروعه وأهدافه في الحياة، يجب أن يكون ذا إرادة وتصميم وعزيمة لا تلين. ويتجسّد دور الإرادة وأهميّتها في الموقف البشري في عمليّة الصِّراع، وعمليّة التحدِّي ومواجهة الصِّعاب والإخفاقات، والإنسان الذي يحمل الإرادة القوية الصادقة يحقِّق أهدافه، ويكرِّس جهده وإهتمامه وطاقاته من أجل تحقيق الأهداف.

إنّ مهمّة التغيير في الأُمّة لهي مهمّة صعبة، وتحتاج إلى إرادة وعزيمة، فالأُمّة التي لا تحمل إرادة التغيير، ولا تحمل روح الرفض للواقع المتخلِّف، وترضى بالعيش تحت الظروف التي ألفتها من الظلم والفساد والفقر، ولا تنزع إلى وضع أفضل، ومستقبل زاهر، لهي أُمّة فقدت إرادة التغيير، ولا يمكن أن تحقِّق النهوض والتحرّر من التخلّف والظلم والفساد السياسي والاجتماعي، ولن تحقق التنمية الاقتصادية والتقدّم العلمي.

إنّ التغيير الذي ينشده الإسلام، هو التغيير الجذري الشامل الذي يبدأ من أعماق النفس البشرية، منطلقاً من تغيير المحتوى الذاتي للإنسان، فتغير الوضع الفكري والروحي والسلوكي للإنسان، هو منطلق التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقانوني:

(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).

فبإرادة التغيير والعزم عليها يحدث التغيير، وإيجاد هذه الإرادة يحتاج إلى عمل متواصل من قِبَل الطليعة ذات الإرادة والعزيمة.

وقد وصف الله سبحانه إرادة المصلحين والمغيِّرين بالعزيمة، وبذا وصف صفوة الأنبياء بأنّهم اُلوا العزم، لأنّهم اُلوا إرادة قويّة لا تلين ولا تتراجع. حملوا الرسالات بقوةّ. وتحمّلوا مشاق التغيير والصراع بأشدّ صورها. وبذا خاطب سيد المرسلين محمّداً (ص) فقال:

(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (الأحقاف/ 35).

ومن هذا المنطلق خاطب الله نبيّه يحيى بقوله:

(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) (مريم/ 12).

احمل رسالة التغيير بقوّة وعزيمة وإرادة لا تلين.

والقرآن يصف السير في طريق التغيير بالطريق ذات الشوكة، لذلك أوضح هذا المفهوم بقوله:

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال/ 7-8).

ولكي يعمِّق القرآن في نفس الإنسان المسلم إرادة التغيير، وقوّة العزيمة والثبات، يعرض صوراً من الطلائع ذات الإرادة الصلبة، كمثالٍ يُقتدى به، وتجربة إنسانية شاخصة، يعرض قدوة من النبيِّين والذين ساروا معهم في الطريق ذات الشوكة، يعرض ذلك بقوله:

(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/ 146-147).

وفي مورد آخر يوجِّه خطابه إلى متلقِّي كلمة الله سبحانه، ويدعوهم إلى الثبات وقوّة الإرادة ويرفض أن تستولي عليهم الهزيمة. فالإنسان المهزوم في أعماق نفسه لا يقود عملية التغيير؛ ولن يكون إلّا كمّاً مُهملاً تجرفه حركة التأريخ. إنّه يخاطب الأجيال المسلمة بقوله:

(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 139).

ارسال التعليق

Top