ألكسندرا ستودارد/ ترجمة: حسّان بستاني
"لم أفعل شيئاً اليوم". ماذا؟ ألم تحيا حياتك؟ فأن تحيا ليس فقط الانشغال الأكثر أهمية بين انشغالاتك بل الأكثر شهرة. مونتيني
خذ نفساً عميقاً. ما قد يكون شعورك حيال يوم بلا عمل؟ متى كان آخر يوم لك بلا عمل؟ هناك العديد من الاكتشافات السعيدة التي تحدث مصادَفةً ونقع عليها بشكل عفوي عندما يكون لدينا يوم فراغ. وقد أنعم علينا بفترات شاغرة في روزنامتنا متحرّرة من أي قيود: نستيقظ من دون أن يكون لنا أي مواعيد؛ نكون أحراراً غير مُلزَمين بأي واجبات أو بمشيئة الآخرين؛ نملك حرية الذهاب والمجيء، وحب الحياة وفقاً لشروطنا الخاصة، وعدم الانشغال بأي عمل؛ لدينا وقت نملأه وفقاً لتقديرنا الشخصي؛ لا أعباء ثقيلة ملقاة على كاهلنا أو أن أمراً ما يُعيقنا؛ باستطاعتنا ممارسة حكمنا على الأمور. فيعود لنا اتخاذ قرار بكيفية ملء أيامنا باستمتاع وحكمة.
في يوم بلا عمل، دع خبرتك تتطور. ليكن قلبك منفتحاً على كل الاحتمالات، فيمكنك اختيار القيام بأمر ما وتنتقل من ثمّ للقيام بأمر آخر. وهذا الشعور بحرية الخيار هو أمر سليم إلى أبعد حد. وكلما منحنا الحرية للروح فإننا نُدفَع للقيام بكل ما يبدو أنّه يروق لنا أكثر من غيره. لا مواعيد، لا التزامات، لا بريد إلكتروني، لا آلات فاكس؛ لا شيء مفروض عليك القيام به. أنت في فترة استراحة قصيرة لتستعيد شبابك وحيويّتك، وتتنشط، وتتجدد. ومن المدهش بالنسبة إلينا أن نُخرج أنفسنا من العمل العادي ومن كوننا مسؤولين عن الاعتناء بالأولاد.
تخيّل أنّه باستطاعتك أخذ يوم عُطلة من كل شيء وكل الناس. ما الذي قد تميل إلى القيام به باعتقادك؟ تنام في وقت متأخر؟ تستيقظ باكراً؟ إلى أين قد تذهب؟ هل تبقى في المنزل وتطلي أوتاد السياج؟ هل تذهب إلى صيد السمك بمفردك أم أنك تختار اصطحاب ابنك أو ابنتك معك؟ هل تذهب للإبحار على متن مركب شراعي؟ بمفردك؟ هل تمارس لعبة الغولف؟ هل تعمل في الحديقة وتتناول من ثمّ كوباً بارداً ومنعشاً من الشاي المثلّج وتقرأ كتاباً جيِّداً في الأرجوحة الشبكية إلى أن تستغرق في النوم على أصوات العصافير؟
وبإدارة ظهورنا للأهداف والمقاصد ولنشاطاتنا الدائمة، ننفتح على تدفق عقلنا الصامت القائم في داخلنا. ما الذي اغفلناه في حياتنا، حياة الضغوطات وجداول الأعمال والحدود الزمنية القصوى المليئة بالأعمال والتي تتقدم بسرعة؟ كلنا بحاجة إلى فترة استراحة قصيرة لإعادة شحن أنفسنا.
إمنح نفسك هدية يوم بلا عمل. طالب بيوم شخصي لك، يوم لا تكون فيه متوفراً عند الطلب. لا لقاءات، لا اجتماعات عبر الهاتف، لا توقّعات أو تمنيات. فأنت حرّ الآن بالبدء بكل الأمور التي كنت ترغب في القيام بها من دون أن تتمكن من ذلك. افتح النوافذ والأبواب على روحك ودَع النور يتدفق. وإذا لم يكن باستطاعتك قضاء حياتك بالطريقة التي تختار بالتحديد، ولأي سبب، يمكنك اختيار الحصول على يوم بلا عمل تطالب بأن يكون خاصاً بك. أفلع عن تفاصيلك وروتيناتك اليومية، إسترخِ في هذه الخبرة الفسيحة. قد تفضّل تحسين ذاكرتك من خلال القراءة والاستماع إلى شرائط عن التاريخ والفلسفة. فالعديد من المهنيين يشكون من أنهم لا يملكون الوقت إلا للقراءة عن حقل عملهم الخاص من دون أن يشعروا بأنّهم اطّلعوا على كافة الأمور. وقد يكون تخصيص يوك كامل للتأمل بالأدب الرفيع منشّطاً حقيقياً لاعتماد هذا الأمر سلوكاً يومياً في المستقبل.
وعندما نتقبّل كلياً تخصيص يوم بلا عمل، فإننا نعيد الاتصال مجدّداً بكافة عواطفنا ونحمل هذه الرحابة معنا عندما نعود إلى النمط العادي لحياتنا. ولا يمكن لبعض الناس تخيّل نوعية المشاعر التي ستنتابهم لدى اختبار هذا الشعور بالحرية لأنّهم يحملون أعباءً عديدة في حياتهم. ولكنني أؤمن جدّاً بضرورة اتخاذ أي خطوات ممكنة لعيش حياة سليمة وممتعة. وقد يكون يوم بلا عمل ضرورة حقيقية لك كي لا تشيح بنظرك عن جوهرك، الـ"أنا" الخاصة بك. وعندما تكون مسؤولاً بالكامل عن خياراتك، حتى وإن ليوم واحد فقط، فإنك سوف تكتشف المزيد عن متطلباتك الخاصة التي يجب تلبيتها. وكلما اهتممت بحاجات الآخرين كا عليك منح نفسك الوقت لتحقيق تطور شخصي. إمنح نفسك هذا اليوم لوضع حياتك في نصاب أفضل، واكتشف كيف أن كل شيء يبدو أقل تسبّباً للإرباك والضيق.
بعد أن تكون قد عشت بالكامل يوماً بلا عمل خاصاً بك، استعرض ما تعلّمته عن ذاتك لا انطلاقاً من علاقاتك بالآخرين بل على ضوء هويّتك في الجوهر. ما الذي اخترت القيام به؟ من اخترت لتكون برفقته؟ من اخترت كي لا تكون برفقته؟ ما كانت اكتشافاتك الأكثر روعة عن ذاتك؟
ولعلك تختار تناول وجبة الغداء مع صديق لك عند الساعة الثالثة في مطعم، والذهاب من ثمّ إلى متحف لأن بقاءك في المنزل في هذا الوقت قد يحثّك على القيام بأعمال روتينية. أو لعلك اخترت ممارسة السباحة ورياضة كرة المضرب وحضور حفلة موسيقية مع زوجتك التي تدعوها للانضمام إليك في يومك الخالي من أي عمل. ولابدّ أنك أدركت كم مضى من الوقت على كونكما أحراراً من أي التزام حيال الأولاد وتقضيان الوقت معاً، وأردت أن تكون خالي البال من المسؤوليات ثانيةً، وذلك كما كانت حالك قبل أن تصبح ربّ أسرة.
أياً كان خيارك، ليكن يومك غنيّاً ورائعاً. فالأمر يعود لك لوحدك لاختيار ما تقوم به، وأين تقوم به، ومع من تقوم به. وستكتشف في ما بعد سبب قضائك يومك الخالي من أي عمل بالطريقة التي اخترت. وقد يحمل لك هذا اليوم سعادة مَحضة، وهذا ما أتمناه لك.
أعطني كتباً، وفاكهة، وطقساً جميلاً، إضافةً إلى بعض الموسيقى في الهواء الطلق لعازف لا أعرفه. جون كيتس
المصدر: كتاب خياراتك بين يديك
تعليقات
عبد اللطيف
بارك الله فيكم ......عبد اللطيف من الجزائــر