جلست هنا، على حافة الذكريات. أشعلت نار المدفأة، أحضرت كتابها وبدأت تقرأ مذكراتها التي كتبتها مؤخراً، أعني في أيّام الفرح. فرأت بهدوء وتأنٍّ والدموع تكاد تنهار من عينيها. وبينما هي تقرأ، لاحظت أن هناك أشياء كثيرة قد تغيرت، لا بل كأنها لم تكن هي من تكتب على هذا الدفتر الجميل. فكل ما كتب فيه قد محاه الزمن واستحوذ عليه الغبار.. كان صعباً جدّاً عليها أن تقرأ أشياء لم تعد موجودة.. نبضات قلبها تسارعت، فضمت رجليها وأدخلت رأسها بينهما.. تذكرت كلّ تلك الأشياء التي حملها قلبها قبل دفترها الجميل. ذرفت دموعها، تسارعت نبضات قلبها، وقالت محدثة نفسها المكسورة: "إنّ الحب من الصعب جدّاً أن نصدقه بسهولة وبغباء تام.. فكيف للحب أن يتغير ولماذا سموه حباً؟". أضافت: "هم من تغيروا كثيراً. ولست أنا ولا قلبي ولا دفتري الجميل".. أخذت نفساً عميقاً ورفعت رأسها. كانت عيناها تذرفان ندماً ودماً على ذكريات ضاعت بين الأشواك.. صرخت بأعلى صوت، وقالت وهي ترمي الدفتر إلى نار المدفأة: "اللعنة على تلك الأيام وعلى هذا الدفتر الجميل". احترق الدفتر واشتعلت نيران المدفأة وهي تحرق ذاك الدفتر.. لكي يطفئ القليل من نيرانها المشتعلة فيها. ظلت تراقب الدفتر وهو يحترق والدموع تنسال على وجهها من دون توقف إلى أن احترق كل الدفتر ولم يبقَ منه سوى الرماد. أخذت نفساً عميقاً وحدثت نفسها قائلة: "يا لها من حماقة أن نحتفظ بكل ما مررنا به. فذلك يفرحنا ذات يوم ليحزننا أياماً وأسابيع بل وربما مدى حياتنا.. آااه لقد أحرقتموني وجرحتموني بقوة، وذنبي الوحيد أنني كنت محتفظة بكم في قلبي قبل ذاك الدفتر الجميل.. فجزيل الشكر لرد الجميل. أطفأت نار المدخنة وحاولت أن تلم الرماد الذي خلفه ذلك الدفتر الذي كان ينسال بين أصابعها مرة تلو الأخرى. خفضت رأسها وبدأت البكاء.. ثمّ نامت عيناها بجانب الرماد.
أشرقت الشمس معلنة انتهاء ذاك الرماد وبدء يوم جديد. دق الباب، لكنها لم تسمع، فتلك الليلة كانت مؤلمة جدّاً وأتعبتها بشدة. فتح الطارقون الباب، لأنّها تركته مفتوحاً، دخلوا ليجدوها ملقاة على الأرض، وقد سود رماد الدفتر وجهها، فقالوا إنها جنت. تعالت ضحكاتهم وخرجوا. نعم، ذهبوا كما ذهبت تلك الذكريات. دخلت رياح خفيفة منعشة من نافذة غرفتها، فتطايرت خصلات شعرها. فتحت عينيها بصعوبة وألم. رأت الباب مفتوحاً، فنهضت مسرعة لتغلقه، وقالت محدثة نفسها: هذه نهاية من يجعل قلبه مفتوحاً لأي شخص.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق