• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نمنع تدهور العلاقة الزوجية؟

تحقيق: سلام ناصرالدين

كيف نمنع تدهور العلاقة الزوجية؟
 "خارطة طريق" نحو السعادة عادة ما يسأل الزوج أو الزوجة عن حل حاسم لمشكلاتهما ويبحثان عن "خارطة طريق" تقودهما إلى حلول سليمة بعيداً عن العنف أو الطلاق. كثيرون يفندون أسباب الخلاف لإيجاد الحل وكثيرون يعمدون إلى وضع "تكتيكات" لتفادي تفاقم الخلاف قبل وقوعه. بيد أنّ العلاجات لهذا الواقع قد تكون غير فعالة في ظل خصوصية كل حالة على حدة، إلا أن معهداً اجتماعياً معروفاً باسم "فييست" في مدينة ساو باولو وضع دليلاً عاماً يهدف إلى مساعدة الأزواج على إبقاء علاقتهم متينة وغير قابلة للانهيار التام. ومن بين تكتيكات الحفاظ على العلاقة خالية من "شوائب" الخلافات و"نار" الغضب الحارق، يدعو الدليل إلى تجنب الطرفين الاحتفاظ بآرائهما أو عدم البوح بها وكذلك الاحتفاظ بمشاعر المرارة لوقت طويل، كما يدعو إلى التحكم في الغيرة وتجنب التوقعات غير الواقعية حول الحب. ويعتبر الدليل أن غياب الحوار عقدة، مشدداً على ضرورة الاعتراف بمقدرات الآخر والابتعاد عن التعنت. فما مدى تطبيق هذه الخطوات في حياتنا الزوجية؟ وما الأساليب التي يعتمدها الزوجان للحؤول دون وقوع مشكلات أو دون تفاقمها؟ الإجابات أظهرت خطين متنافرين، فمنهم من يتشارك الأفكار نفسها ويجد أنّ الحوار هو الصيغة المثلى للوصول إلى حل، في وقت نجد أن معظم الأزواج المسالمين يعمد إلى الهروب المؤقت من المنزل، تفادياً لاشعال فتيل الخلاف وتأجيجه. تجد سارة بن كرم، مديرة جمعية الاتحاد النسائية، التي تنظم ورش عمل ومحاضرات تتصل بالعلاقات الزوجية وكيفية حل المشكلات وطرق تفادي تفاقمها، أن ثمة أساليب كثيرة و"تكتيكات" لمنع تدهور العلاقة الزوجية. توجز "التكتيكات" بأسلوب معاملة يقوم على الود والاحترام: "فلابدّ لأحد الطرفين أن يرخي عندما يرى أنّ الطرف الآخر يتعمد الشدة في سلوكه وبالعكس منعاً لتفاقم الأمور". تجد أن التقارب الفكري بين الأزواج عامل مهم لإرساء التوافق. كما دخل الإعلام على الخط كعنصر "مشاغب". توضح: "الإعلام كان له دور كبير في تغيير المفاهيم وتسويق الانفتاح بشكل كبير، مما أثر على الكثير من هدوء العلاقات الزوجية". قد يشوب الخلاف في بداية الزواج بشكل أكبر وأشد حدة: "في البداية، يتجلى الانفعال بشكل ظاهر ومع مرور الأيام، يتبدى شيئاً فشيئاً نوع من الصبر بعد أن يكون كل طرف قد ألم بشخصية الآخر وفهم طبيعته". لا تنفي بن كرم أن التنازل اليوم بات محكوماً بقيود في ظل استسهال المرأة للطلاق. على الرغم من ذلك، لا تنفي أن يكون هروب الرجل "أسلوباً مجدياً لمنع اشتعال فتيل الأزمة شرط أن يكون هروباً مؤقتاً يعود بعده إلى المنزل حاملاً هدية ولو متواضعة". بدورها، عايشت هدى الشيبة الكثير من الحالات الزوجية التي آلت إلى الخلافات والطلاق لغياب عنصر التفاهم. لدى الشيبة طريق واحد يحدد معالم التوافق والاستقرار في الحياة الزوجية وهي معالم رهن شخصية كل زوج وزوجة. تشرح الشيبة أبعاد العلاقة الزوجية المستقرة: "هناك شخصيات تنشأ على التنازل والعطاء وأخرى تنشأ على الأخذ ولكن مرتكز نجاح العلاقة الزوجية يقوم على المشاركة والكلمة الطيبة وإحساس كل طرف بالطرف الآخر حتى في لحظات الغضب". تعمم الشيبة مبدأ الشراكة على كل تفاصيل الحياة بين الشريكين: "في لحظات الغضب، على الطرفين الاستعاذة من الشيطان والتوضؤ لتصفية القلوب لأنه في حال أشعل أحد الطرفين نار الخلاف وزاده عمقاً. فهذا من شأنه أن يفاقم الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباها وتصل آثارها إلى الأبناء، بدل أن تطفئها كلمة طيبة: "مثل الله يهديك، سامحني وغيرها". تغيب الكلمة الطيبة عند الغضب ويحضر التعنت بكل ثقله في الخلافات الزوجية، ليرسي "حوار طرشان" بامتياز لا يصغي فيه أي طرف للطرف الآخر، إلا في حال رغب أحد الطرفين في تدعيم لغة التفاهم وعدم الوصول إلى الطلاق. محمد سالم، أي لسبعة أبناء وبنات. بعد أكثر من 18 عاماً من الزواج، يؤكد أن منع تدهور العلاقة الزوجية هي رهن الرجل "الذي يتنازل أكثر وعقله أكبر من عقل الحرمة"، وفق تعبيره، لافتاً إلى أنه يعمد إلى الخروج من المنزل عند أي انفجار قد يحصل. لا يعد هذا الخروج هروبا بقدر ما هو تفادي تفاقم الخلاف. يوضح سالم وجهة نظرة: "تعمد الزوجة أحياناً إلى تهدئه الأوضاع والتطنيش وأجد أن كل طرف يجب أن يتغاضى عن أخطاء الآخر ولا يعمد إلى تضخيمها"، ويعترف أن "كثيراً، ما يكون الرجل سبباً في تدهور العلاقة ولكن الاحترام هو السبيل الأوحد لوقف حدة الخلاف".   - "سلمية.. سلمية"! ثمة اختلاف في وجهات النظر بين الزوجين حصة علي وخالد محمد النعيمي المتزوجين منذ 4 سنوات، ولكنه اختلاف لا يفسد للود قضية. من جهتها، تعتمد حصة كل الأساليب التي توقف تفاقم أي خلاف: "لا أشد وياه في الكلام وأعمل الكثير من أجل ألا يستمر الخلاف". بعد سنوات أربع، خلصت حصة إلى نتيجة مفادها أن التفاهم هو سيد الموقف ولكنه يأتي جراء تنازلات يقدمها الطرفان مع اعتراف بـ "أن المرأة أكثر إقداماً على التنازل لأن دماغ الرجل يابس كالحجر". من جهته، تبدو وجهة نظر خالد النعيمي أكثر موضوعية وحياداً. فهو يعمد فعلاً إلى منع تدهور الأوضاع مع زوجته بالهروب من الموقف منعاً لتفاقم المشكلة: "كثيراً ما أعمد إلى الخروج من المنزل لتهدأ الأمور ولفترة محددة". هذا الإجراء لا يجد قبولاً لدى حصة التي تقول ضاحكة: "وايد أعصب عندما يخرج". ولكن خالد الأكثر عقلانية لا يجد بداً من الخروج ولكنه يعترف: "في حال صدر الخطأ مني، أحاول تهدئة الأمور ومراضاتها". إذاً، هو الحب يرسم المشهد السلمي للحياة الزوجية في ظل تفاهم يرسيه الحوار بين الأزواج حول شؤون وشجون الحياة كافة. يطل حسن سعيد على الموضوع من باب الخطوة الأولى وهي الإقدام على الزواج. يرى أن دراسة هذه الخطوة هي المنفذ الحقيقي نحو حياة خالية من التعقيدات: "بعض شباب جيل اليوم يعمد إلى الزواج لإرضاء والديه دون الإلمام بمسؤوليات الزواج من قبل الطرفين". حسن لم يزل عازباً ولكنه على قناعة بأن المرأة أكثر قدرة على التنازل من باب "ضعفها ومحبتها للزوج": "الأهم عدم تدخل الأهل في خلافات الأزواج وإلا سيكون الندم من نصيبها". معيداً الأمور إلى أساسها في "ضرورة الاختيار السليم واستيفاء متطلبات الزواج" وواصفاً هروب بعض الأزواج من المنزل بالخيار الصحيح شرط "إلى وقت معين لعدم إثارة شك وغيرة زوجته". عشر سنوات مضت على زواج عبدالقادر هاشم. ينظر بموضوعية إلى القضية: "كلا الطرفين يمنعان تدهور علاقتهما وهذا رهن تفكيرهما وسعيهما لتحقيق الاستقرار في حياتهما"، يقول معرباً عن صعوبة تحديد المساهم الأكبر في تدهور العلاقة والوصول بها إلى بر اللاأمان. شاكر الشريف متزوج منذ 13 عاماً. هي عشرة عمر تكفي ليؤكد أن "الرجل يتنازل أكثر من 20%". على الصعيد الشخصي، ثمة "تكتيك" لوجستي يلجأ إليه شاكر الشريف في سعيه لتفادي تأجج الخلاف: "في غالب الأحيان، أدخل إلى مكتبي و"أقفل على نفسي" وهذا ما يستفز زوجتي أكثر". يتوافق الشريف مع رأي حسن سعيد في الإصرار على الاختيار السليم للزوجة، نسأله: هل تعمد زوجتك إلى تهدئة الأمور أو الصمت؟ يضحك: "لا صمت عند النساء" يقول ضاحكاً ومصراً على إيراد عبارة أن "غيرتي رفعتني إلى النجوم" في إشارة واضحة إلى أن غيرة الرجل على زوجته تنم عن قلب صاف وحبه لزوجته.   - الزوج المديون.. و"فتيل" الخلافات! ثمّة "ارتباك" يرافق العلاقة الزوجية في بداياتها كون الزوجان لا يتمتعان بالنضج أو لغياب الإلمام المعرفي، بما يؤدي إلى تدهور العلاقة، كما يدخل على الخط فعل المقارنة التي تقيمه الزوجة في الاطلاع على واقع نساء أخريات من جنسيات أخرى، من دون إلمامها بما وراء الأكمة. لا تغفل أقسام الإصلاح والتوجيه الأسري في محاكم الدول مهمتها في إرساء قواعد الحوار بين الزوجين وإزالة معالم الخلافات. جاسم المكي رئيس قيم الإصلاح والتوجيه الأسري يؤكد على هذا الدور: "مهمتنا إصلاح ذات البين وخفض نسب الطلاق ونشر الثقافة الأسرية وتوعية أفراد المجتمع حول أهمية تماسك الأسرة والحقوق الزوجية، وكيفية حل المشكلات عبر وسائل مختلفة". منذ بداية 2012 وحتى شهر مايو 2012، بلغ مجموع الحالات التي قصدت التوجيه الأسري 318 حالة وتم الصلح والتوافق في 52 حالة و122 حالة تم حفظها (نتيجة توافق الأزواج) و78 من الحالات ما زالت قيد التداول أمام قسم التوجيه وأحيل إلى القضاء 66 حالة من مجموع الحالات الـ(318). تتصدر النفقة أحد أهم الأسباب المؤدية إلى تدهور العلاقة الزوجية وتتركز شكاوى المرأة على "طلب زيادة النفقة وتوفير احتياجات المنزل، في وقت يعاني الزوج من تراكم الديون". غير أنّ المكي يرى وجهاً آخر لتدهور العلاقة يتحمل مسؤوليته الأزواج الهارعون وراء شهواتهم إذ "بعض الأزواج يبذر أمواله خارج المنزل، في حين أن بعض الزوجات يعمدن إلى التبذير والرغبة في الاقتداء بصديقاتها أو جاراتها وغيرهن". يدخل على الخط تدخل الأهل كعنصر سلبي يشعل فتيل الأزمة ويوقد نارها. يوضح المكي: "غالباً ما يكون تدخل الأهل سواء من قبل الزوج أو الزوجة عائقاً يحول دون تحقيق التوافق وبالأخص في ظل انحياز كل طرف للطرف الآخر".   - خطوات لمنع تدهور العلاقة: يزودنا المكي بأهم الخطوات لمنع تدهور العلاقة الزوجية ومنها: -           تقوية الوازع الديني ومراعاة الزوج لله في النفقة وفي تعامله مع الطرف الآخر واتخاذ خطوات إيجابية في هذا الجانب. -                           التوعية وتكثيف المحاضرات حول الاستقرار الزوجي. -                           تكثيف خطب الجمعة في سياق التوعية بالمواضيع الخاصة بالأسرة والتماسك العائلي. -                           تعزيز دور الإعلام وإيجاد برامج أسرية هادفة. -           ضرورة أن يتنازل كل طرف للآخر و"لا يتعنتر" على الآخر كون الحياة الزوجية مبنية على التعاون والألفة والمودة. -                           الحوار وتعلم فنياته والإلمام بآلياته.   - مريم مندكار: التغافل عن الإساءة مرتكز الاستقرار الأسري! تستعين الداعية الكويتية مريم مندكار، بحديث الرسول (ص): "إنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج" لتؤكد دور الرجل الرئيسي في الصبر والتغاضي عن بعض الاعوجاج، مع توجيه النصح والإرشاد. تقول: "هذا الحديث يحث الرجال على حسن معاملة النساء بلين ولطف ورحمة وعدم اعتماد الشدة معه ولكن السائد اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية هو ظلم وشدة الرجال وهو أمر يتعب النساء ولا يتحملنه". وتضيف: "قال رجل للإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – إن أحد الأئمة يقول: الخير تسعة أعشاره في التغافل. فرد الإمام أحمد: أخطأ، الخير كله في التغافل". من هذا المنطلق، تلفت الداعية منكار إلى ضرورة تغافل الزوجين عن الإساءة وعن الكلام فيما لا تحمد عواقبه ويجب التغافل عن الكثير، فلا يعمد أي طرف إلى محاسبة الطرف الآخر على أقل وأبسط الأشياء". ولكن لمن أوكل الشرع مهمة عدم تدهور العلاقة الزوجية؟ تؤكد أن "وضع حد للخصام هو بيد الزوج الذي أوكل له الله سبحانه وتعالى مسألة الطلاق وزوده القرآن الكريم بتدرجات في طريقة معاملة المرأة بدءاً بنصحها وهجرها وضربها ضرباً غير مبرح منعاً لشعورها بالإهانة". وفي المقابل، تجد مندكار أن شدة الحساسية، والغيرة، وسوء الظن بالزوج عوامل قد تشكل ملامح الخلاف الرئيسية من قبل المرأة التي تصطدم بمشكلة "نظر الزوج إلى غيرها من النساء في غالب الأحيان"، داعية إلى غض البصر من قبل الرجال وعدم استسهال النساء للطلاق والإلمام بكيفية معاملة الأزواج بما شرعه الله سبحانه وتعالى.   - طارق الشميري: احترام الخصوصية والحوار.. نحو علاقة سليمة! يتوقف طارق الشميري، خبير إتيكيت في العلاقات الزوجية، عند ثلاث خطوات أساسية في بناء مدماك قوي للعلاقة الزوجية لمنع تدهورها وهي: -           فهم طبيعة كل طرف، بحيث يركز كل منهما على فهم تفكير الآخر والفروقات الفكرية والجسدية وتوظيف هذه الفروقات بشكل إيجابي لتعزيز أواصر العلاقة بينهما. -           احترام خصوصية كل طرف واهتماماته وثقافته وفكره وعدم الانتقاص من حقوق الطرف الآخر بحجة أنّ الطرف أكبر سناً من الآخر أو قصور الطرف الآخر عن الفهم وابتعاد المرأة بالأخص عن مقارنة واقعها بواقع الأخريات كونها مقارنة منبوذة. -           إرساء لغة الحوار بين الطرفين للوصول إلى حل وتفاهم وليس بهدف إثبات خطأ الآخر أو لإعلان انتصار طرف على الآخر. يخلص الشميري إلى أن بعض الأزواج يتبع تلك الخطوات، في وقت يغفلها آخرون، ولكن ثمة "توازناً" في تحميل الطرفين مسؤولية تدهور العلاقة الزوجية: "في السابق، كانت الزوجة تتنازل ولكن اليوم بات الطرفان يؤججان نار الخلاف في ظل استسهال الطلاق وبالأخص من قبل المرأة التي لا تدرك آثار ما بعد الطلاق".

ارسال التعليق

Top