• ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في العمل.. العلاقات أولاً

عبد الكريم راضي الجبوري

في العمل.. العلاقات أولاً
◄مما لا شكّ فيه، إنّ أي عمل إداري، أو أي مؤسسة صغيرة كانت أم كبيرة، لابدّ لها أن تضع العلاقات البشرية الإنسانية قبل أي اعتبار آخر، إذا كانت تطلب النجاح والاستمرار.

إنّ العلاقات العامة هي جذر كلّ عمل، سواء كان فردياً أم جماعياً. والعلاقات مع مَن هم أعلى السلم أو النظر أو بنفس المستوى أو دونه من الاتباع حتى المرؤوسين، إذا كانت ممتازة وإيجابية، فأنّ العمل في المؤسسة سيكون مدهشاً ورائعاً.

فكلّ العلاقات الإنسانية المخلصة والهادفة المؤسسة وفق مبادئ رئيسية راسخة وحقيقية، لابدّ لها أن تعطي نتائج مثمرة. إنّ العلاقات الوطيدة المبنية على الاستقامة والأسس الأخلاقية الواضحة والوعود التي قطعت لأسباب مبرّرة، أينما ومهما كانت لابد أن يتم احترامها، وهي إن تمت بهذا الشكل فإنّها تؤدي إلى النجاح لأنّها تؤكد أنّ تلك المؤسسة وإدارتها تسير بالاتجاه الصحيح.

ولا يمكن أن يكون هناك نشاطاً إنسانياً ناجحاً لفرد أو مؤسسة إلّا إذا كان ذلك النشاط مبني على أسس خلقية صحيحة.

وعليه فإنّ على الإدارة العليا وقادتها من المدراء أن يلتزموا بالممارسات الأخلاقية في كلّ نشاط إداري لهم، سواء كان نشاطاً ترويجياً خارجياً، أو نشاطاً إدارياً داخلياً يتعلق بالموظفين ونظام العلاقات أو المكافآت، أو توزيع الأعمال.

وبناء العلاقات على هذه الأسس يقود جميع منتسبي المؤسسة بشكل فعّال إلى التأثر بخط الإدارة الأخلاقية ومن ثم الالتزام به كدليل عمل مهم لهم في كلّ خطواتهم.. مما يدفع بالمؤسسة نحو التقدم الأكيد والنجاح.

وباستمرار علينا أن نتذكر دائماً بأنّنا نتعامل مع كائنات بشرية، وليس مجرد أرقام أو قصاصات ورقية! وأن لا نقتصر علاقاتنا على كوب من الشاي أو فنجان قهوة! أو مجرد كلمة "أهلاً" الترحيبية..

إنّها أوسع وأشمل عمقاً من ذلك بكثير.. إنما هي تقييم معنوي للإنسان وللعمل وقيم البيئة.. وعطاء قبل الأخذ يدلَّل على روح التضحية.

صحيح إنّ العالم يسير نحو السرعة والمصالح المعقدة المتشابكة التي تجنح نحو الماديات والربح ولكن ستبقى المبادئ في العلاقات البشرية أقوى جذراً، وأبقى وأعمق أثراً وتأثيراً..

وكلما زدنا في العطاء كلما كوفئنا أكثر من الجزاء!

ولبناء علاقات إنسانية متينة للمؤسسة.. على الإدارة الناجحة أو المدير الفعّال أن يضع نصب عينيه عدة متطلبات أساسية، أهمُّها:

·      التصرف الإيجابي الخلّاق المبني على المبادئ السابقة بحيث تكون شخصية وملامح الإدارة وأخلاقياتها نصب عينيه. وأن يكون حضورها واضحاً ودائمياً.. لأنّ فقدانها يعني فقدان كلّ شيء وهنا لابدّ لنا أن نضع هذه المقولة أمامنا:

"عندما نفقد الثروة.. فإنّنا لم نفقد شيئاً.. وعندما نفقد الصحّة فإنّ شيئاً ما قد فقد ولكن عندما نفتقد الأخلاق، فإنّ كلّ شيء قد ضاع!".

وهذا صحيح إلى حد بعيد للإدارة أو المدير الذي تهمه مؤسسته الناجحة.. كما أنّ الحفاظ على الأخلاق أسهل من استعادتها!

وكما يقال: "إذا أردت أن تجرّب أخلاقية الرجل امنحهُ السلطة لأنّ السلطة إغراء.. بالقوة.. والسيطرة.. وعندها تظهر الشخصيات على حقيقتها.." وهنا تظهر الحكمة المبنية على التجربة وعلى التربية الأولى.. وعندما لا يكون هناك حارساً على النفس أو الضمير.. يبدأ الخطأ.. الذي يقود إلى سلسلة من الأخطاء وكما يقال: علينا أن نعرف شيئين عن الرجل؟ كيف يكسب نقوده، وكيف ينفقها.. وعليك أن تحرز شخصيته.

وهناك آراء متعدِّدة، في ما يتعلق ببناء العلاقات الناجحة والراسخة في محيط العمل ومجالاته. ومهما كانت أساليبك السابقة والحالية التي تؤمن بها في هذا المجال فلابدّ أن تطبّق ما هو ملائم وناجح منها.. إذ أنّها ليست موضوع أفكار وقناعات.. وإنما هو موضوع قوانين حياة وعمل مؤسسة على أرضية واقع لا يقبل الاجتهاد.. فالقيم الأخلاقية من حيث جوهرها الإنساني واحدة.. فالصدق مثلاً هو الصدق.. لا يوجد صدق آسيوي وآخر أوروبي.. كذلك الحب.. والوفاء.. والتعاون.. إلخ.

ومما لا شكّ فيه، أنّ العلاقات الجيدة، تولِّد علاقات جيدة جديدة!

إذ سيتحول الزبائن والأصدقاء إلى دعاة متجولين ومتبرعين وإلى مؤسسة إعلامية مجانية لصالح مؤسستك!.

ومن الوسائل المؤثرة والفاعلة في بناء علاقات إنسانية ناجحة على مستوى المؤسسة هو إقامة الندوات، واللقاءات مع الموظفين أثناء الاجتماعات والدورات التأهيلية والتطويرية، والجلسات الخاصة بتطوير الأفكار الخلّاقة BRAIN-STORMING، وحتى في المناسبات الاجتماعية، والأعياد القومية.

كلّ ذلك وغيره، يعطي الفرص المناسبة للموظفين لتطوير قابلياتهم الخلّاقة وقدراتهم الفعّالة مما يزيد في ارتباطهم بإداراتهم ومؤسستهم ويجعل منهم مجموعة متناغمة تسير بروح الفريق الواحد.

·      فما هو هذا الفريق الواحد؟ أو روحية الفريق الواحد؟!

إنّه الإنجاز الجماعي لأهداف المؤسسة أو الإدارة القيمة بطريقة الجهد والأداء الجماعي المبني على الرغبة القلبية الصادقة وبتكافؤ صحيح.

ومن الطبيعي أنّ الوصول بالعلاقات داخل المؤسسة إلى مستوى العمل بروح الفريق الواحد هو إنجاز كبير ناجح.. يقتضي عند العمل من أجله أن يكون الأفراد بمواصفات جيدة أو معقولة قابلة للتجاوب والتطوير.

ومن المسلّمات أنّ المدير الذي يريد تحقيق أهدافه باستعمال السلطة أو القوة.. فإنّ الشركة وأهدافها لا تشكّل له سوى شيء عارض وصدفة مؤقتة!

وفي الحقيقة فإنّ عَظَمَة المؤسسة هي بعظمة فريقها.

ولكن ما هو مصدر هذا الحافز أو الدوافع التي تقود نحو هذا النجاح ووصوله إلى علاقات مبنية على روح التعاون أو: الفريق الواحد؟

في الحقيقة هناك عوامل أبرزها ثلاث هي:

·      المؤسسة

·      الناس المحيطين عن قرب

·      البيئة.

ولكن المؤسسة أهمها بالطبع وأقربها ولها الدور الأساسي والفعّال.

والعلاقات.. مفهوم واسع وكبير منذ القدم.. مرافق لحياة البشر ولا نريد التوسع به في هذا المجال، ولكن ما يخص الإدارة لأي مشروع أو مؤسسة منه، هو ضمن العلاقات الداخلية (داخل المؤسسة) وسنسميها "العلاقات" والعلاقات الخارجية بين الزبائن أو الجمهور وبين المؤسسة وهي "العلاقات العامة".

1- العلاقات: وهي ذات شقّين:

·      علاقات الإدارة مع الأفراد العاملين.

·      علاقات الأفراد مع بعضهم.

ولابدّ هنا أن نُقرّ أمراً بديهياً ومعروفاً، أنّ الإدارة أيّة إدارة حكومية أو خاصة، كبيرة أم صغيرة، لابدّ لها أن توليّ جانب العلاقات حيّزاً مهماً من تفكيرها وخططها، إذ أنّ العلاقات تمثل شريان الاتصال الدائم لتغذية جسم المؤسسة الداخلي المتبادل بين طرفيَّ العمل: الرؤساء والمرؤوسين.. وهو خط الاتصال المفتوح دائماً بينهما.. والعلاقات هنا لا يقصد بها العلاقات الشكلية المشابهة لتلك العلاقات العامة الشكلية المعروفة.. إنما هي تلك العلاقات الإنسانية المستمرة والإيجابية بين الإدارة (القلب أو العقل) المدبّر أو الإداري وبين الجسد البشري العامل (القوى البشرية) للمؤسسة التي هي الخط الثاني والثالث.. إلخ أي الموظفين.. تلك العلاقات التي تجعل من الموظف إنساناً وعضواً فاعلاً مهماً في جسد الإدارة مهما كان مستواه ووظيفته.. والتعامل معه على هذا الأساس ومحاولة تبسيط مشاكله في الداخل ومساعدته في همومه في خارج المؤسسة. ولا يخفي ما لذلك من تشجيع وتوثيق لعرى التلاحم بين الموظف وإدارته وأثره البالغ على نجاح المؤسسة..

وباختصار: جعل الفرد العامل في المؤسسة وباستمرار في حالة شعور إيجابي محفِّز بأنّه عضو فاعل ومهم في المؤسسة.. وهنا يمكن للمدير أو الإدارة أن تتفرغ لتحقيق استراتيجيتها وظهرها في أمان تام بعد ترتيب البيت أو خلايا جسد المؤسسة من الداخل.

2- أما العلاقات العامة PUBLIC RELATIONS، فهو نشاط فعّال يؤدي إلى خلق علاقات إيجابية طيبة بين المشروع (الإدارة) وقطاعات الجمهور المختلفة الخارجية التي يتعامل معها. أو أنّها: النشاط الذي تقوم به – أي المؤسسة – لإقامة وتدعيم علاقتها مع فئات خاصة أو عامة من الجماهير والزبائن.

وتُلخِّص مهمة العلاقات العامة في أي مؤسسة أو مشروع كالتالي:

·      تعريف الجمهور بالمشروع وشرح خدماته أو سلعهِ التي ينتجها بأسلوب ولغة سهلة واضحة لجذب الاهتمام إليها.

·      شرح سياسات وخطط الشركة أو المشروع أو تعديلاتها بشكل متواصل ومقنع ومساعدة الجمهور لتكوين رأيه بناءً على معلومات صحيحة واضحة.

·      تزويد المشروع بكافة التغيّرات والتطورات الحاصلة في الرأي العام.

·      إعلام الإدارة بردود فعل الزبائن حول إنتاجها أو خدماتها.

·      تكوين علاقات ناجحة مع مؤسسات ومستويات إدارية أخرى.

·      تسهيل وترتيب زيارات رؤساء أو أعضاء إدارات أخرى في داخل البلد وخارجه وبالعكس وتقديم الخدمات المطلوبة لذلك..

·      الإشراف والتنسيق والإدارة للإعلان والدعاية، إذ لم يكن هناك قسم مختص بذلك.

ويتضح من ذلك أنّ عمل العلاقات العامة واسع.. وفي أكثر المؤسسات تجمع العلاقات العامة بين العلاقات الداخلية.. أي التنسيق بين الأقسام والإدارات المختلفة للمؤسسة أو المشروع لتحقيق الانسجام بين بعضها البعض وبين الإدارة، وبين العلاقات العامة الخارجية.

ويتداخل أحياناً مفهوم العلاقات العامة مفهوم الإعلام (الدعاية والإعلان) ولكن العلاقات العامة تُقدِّم الأشياء بشكل أقرب إلى حقيقته (صادقاً) بينما الدعاية تعتمد أحياناً صنع المبالغة في الحقائق والإثارة للتأثير على مواقف الجمهور وتحفز رغباته وتجِّه ميوله.. في حين تعتمد العلاقات العامة أسلوب الإقناع المبني على الحقائق.►

 

المصدر: كتاب المدير الناجح والتخطيط الإداري الفعّال

ارسال التعليق

Top