• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صداقات الإنترنت.. هل هي حقيقية؟

صداقات الإنترنت.. هل هي حقيقية؟

◄يقاس نجاح صفحة كلّ شخص على شبكات التواصل الاجتماعي بعدد الأصدقاء المسجلين فيها وليس بجودة ما ينشر فيها. لهذا، يحق لنا أن نتساءل عن مدى أهمية أصدقاء الإنترنت، وهل يمكن فعلاً اعتبارهم أصدقاء؟

منذ ظهور مواقع شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، ودخولها حياتنا، تبلورت لدى الناس فكرة مغلوطة، مفادها: أنّ الإنترنت هو عالم آخر، حيث يمكن للمرء أن يكوّن دوائر جديدة من المعارف الافتراضية، مع أشخاص شبه غرباء، مشكوك في هويتهم، أو غير موثوق بهم أو غير واضحي الملامح، باتوا يعتبرون بشكل أو بآخر "أصدقاء". إلا أنّ الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع بيّنت العكس، فأصدقاء الإنترنت، ليسوا أصدقاء غرباء ربحهم المرء بالجملة في ضربة حظ، كما يحدث في التسوق خلال مواسم التخفيضات. فأغلب أصدقائنا في الشبكات الاجتماعية هم أصدقاؤنا في الحياة الحقيقية، إذ من النادر أن نجد شخصاً يقبل في إطار شبكات التواصل على النت، صداقة شخص غريب تماماً ومجهول بالنسبة إليه.

 

طبيعة التفاعل:

في سياق كلامه عن شبكات التواصل الاجتماعي، يقول دومينيك كاردون، عالم اجتماع فرنسي، وأستاذ مساعد في "جامعة مارن لافالي"، وعضو في منتدى المجتمع الرقمي، وله إصدارات متخصصة منها "ديمقراطية الإنترنت" و"نشطاء وسائل الإعلام": "إنّ هذه الشبكات تشجع الناس على تبنّي أشكال جديدة من التعبير، تسمح للفرد بأن يسوّق لنفسه بإخراج متميّز، وبأن يقدّم نفسه للناس بصورة مجملة". ويشير إلى أنّ "هذه الرؤية الإخراجية لذواتنا، التي نقدمها من خلال صفحاتنا الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي، هي شكل جديد من أشكال التواصل الاجتماعي، تعطي بعداً جديداً لتفاعلنا مع بعضنا بعضاً، وكيفية نظرتنا إلى مفهوم الصداقة. قد ينتج عن استعمالنا شبكات التواصل الاجتماعي، نوع من الثرثرة المستمرة بلا انقطاع، حول أي شيء وكلّ شيء، أمور مهمة وأخرى تافهة، قد نتحدث عن أفلام أو عن أغانٍ أو عن خيارات حياتية كبرى، أو يتم تبادل وجهات النظر.. كما يمكن أن تستعمل هذه المواقع للبقاء على تواصل مع أقارب في المهجر أو في مدن أخرى. وهو ما يسمّيه الباحثون "حالة من الوعي الدائم بالآخر".

 

صداقة من نوع آخر:

في الحقيقة، إنّ ما تفعله شبكات التواصل الاجتماعي عبر النت، هو زعزعة الفكرة التي نحملها عن الصداقة. فالصداقة المثالية في أيامنا هذه، هي علاقة مختارة وشخصية وشبه استثنائية، تماماً  كما في علاقة الحب. والحالة هذه، فإن سلوكياتنا على شبكات التواصل الاجتماعي تقول العكس. صحيح أن مستعملي الإنترنت يتحاورون ويتواصلون من خلال الشبكات الاجتماعية مع بعض الأصدقاء الحقيقيين، الذين ينطبق عليهم هذا الوصف المثالي، إلا أن عددهم قليل لا يزيد على أربعة أو خمسة أصدقاء. إنّ المتعة التي يجدها متصفحو الإنترنت في الدردشة عبر النت، يجدونها أيضاً في الدردشة مع أشخاص تربطهم بهم علاقات أقل قوّة، مثل الرفاق أو زملاء العمل أو أصدقاء الأصدقاء، أو مجرّد معارف. أولئك الذين يسمّيهم "فيسبوك" مثلاً "أصدقاءنا"، هم أصدقاء لهم مكانتهم في حياتنا، لكن لا تنطبق عليهم الشروط التي تجعل من شخص ما صديقاً مثالياً لنا.

 

نفعيّة:

يختار الناس من يجعلونهم أصدقاءهم في شبكات التواصل الاجتماعي، بناء على أسباب أقل نبلاً من الأسباب التي نعترف فيها بالواقع. منها مثلاً: لأن مكانتهم الاجتماعية يمكن أن تسهم في تحسين صورتنا، ونحن لسنا فخورين بالاعتراف بهذا النوع من الوصولية في اختيار الأصدقاء. ومع ذلك، فإنّ هذه الرؤية هي الأقرب إلى الصحة، وأيضاً الأكثر قدماً التي تبناها الكثيرون على مرّ العصور في اختيار أصدقائهم. فالصديق هو ذلك الشخص الذي في استطاعته، أو سيكون في استطاعته في يوم من الأيّام، أن يساعدنا أو يقدم لنا خدمة أو يرد لنا معروفاً قدّمناه له في يوم من الأيام.

 

اختيار:

يقول عالم الاجتماع دومينيك كاردون: "نحن نختار أصدقاءنا عبر الإنترنت بثلاث طرق تجعلهم ينقسمون إلى ثلاثة أنواع من الأصدقاء. فهناك المعارف القدامى، وهم إما أصدقاء عمل سابقون أو زملاء دراسة سابقون، وكلّ تلك العلاقات القديمة، التي ما كان يمكن الحفاظ عليها، قائمة لولا وجود شبكات التواصل الاجتماعي. والنوع الثاني، هو علاقات اجتماعية خاصة مع أشخاص تجمعنا معهم هوايات واحدة أو اهتمامات واحدة. مثلاً، مرض معيّن أو مشكلة عائلية معيّنة. والنوع الثالث من أصدقاء الشبكات الاجتماعية، هو أصدقاء أصدقائنا، حيث إنّه من النادر جدّاً أن نغامر بقبول صداقة أشخاص غرباء تماماً عنّا".

إلا أنّ هذه الأبواب الصغيرة التي نفتحها في عالم شبكات التواصل الاجتماعي، تمكّننا من اختصار مراحل كثيرة في صنع علاقات اجتماعية، وذلك على الرغم من أن مثل هذه الطريقة في بناء الصداقات، نادراً ما تمكّن المرء من دخول أوساط هو ليس منها.

 

أصدقاء افتراضيون:

يقول عالم الاجتماع دومينيك كاردون: "أتيحت لي فرصة المشاركة في أوّل لقاء "حقيقي" لطبّاخات التقين عبر الإنترنت، وقد رأيت كم كانت مفاجأتهن عندما وجدن أنفسهن متشابهات، لهنّ السن نفسها والمسار المهني والاهتمامات نفسها. وما يفسر هذا، هو اختيارهن أصدقاء بناء على الموضوع، وتصنيفهنّ معارفهنّ حسب مجال العمل أو مجال الاهتمام، أو وجهات النظر. بالتالي، نحن نختار دائماً الأشخاص الذين يشبهوننا".

 

البوح:

هل البوح بمكنونات النفس هو وسيلة التواصل في الشبكات الاجتماعية؟ يدعو الفضاء الافتراضي الناس إلى الإفصاح عمّا اعتادوا إخفاءه، وذلك حتى يسمعوا صوتهم لعدد أكبر من الناس. هناك، نتكلم كثيراً عن أنفسنا. وإذا أضفنا إلى ذلك استعمال مبدأ "الشخص المجهول الذي تعرفت إليه في القطار"، حيث يكون من السهل البوح لشخص غريب قابلته مرّة ولن تراه بعد ذلك اليوم، فإن من السهل البوح لشخص لن تقابله أبداً. من هنا، نتوصّل إلى أنّ البوح طريقة أخرى من طرق التواصل البارزة عبر شبكات التواصل الاجتماعيية. مستخدمو الإنترنت من صغار السن يستخدمون كثيراً هذه الطريقة للتواصل، ويحكون الكثير من الأشياء لبعضهم بعضاً عبر هذه الشبكات ولكن، يبقى هذا خاصاً بفئة المراهقين، حيث نجد أنّ الراشدين متحفّظون أكثر، إذ يمكن أن يبوحوا بما يفكرون فيه لوقت معيّن أو بشأن مشكل معيّن وفي موقع متخصص، ولكن ليس في كّل الوقت وفي كل مكان. مثلاً، نجد في المواقع الطبية كثيراً من البوح والاعترافات لأشخاص يعانون مشاكل صحية، عادة لا يناقشونها مع أيٍّ مكان.

 

مضيعة للوقت:

يقول عالم الاجتماع دومينيك كاردون: "نحن نريد أن تبقى علاقاتنا حيوية دائماً، وأن نبقى دائماً متحفّزين تدفعنا في حياتنا النوايا الحسنة، لكننا لا نريد أن نضيع وقتنا مع الآخرين. والمشكلة في هذه الطريقة الفاعلة في التفكير في العلاقات، هي أنّ الأمر ينتهي بنا إلى أن تعطي قياس نشاطنا عبر تلك الشبكات، أهمية أكبر من تلك التي نعطيها نشاطنا نفسه". لقد أصبح عدد الأصدقاء على الشبكات الاجتماعية يعبر عن أدائنا وقيمتنا، أكثر ممّا تعبّر عنه جودة حواراتنا هناك. وبلا شك ، علينا أن نعترف بأننا سعداء في إمضاء بعض الوقت على النّت، مع أشخاص يمكن في يوم من الأيام أن يساعدوك أو يقدّموا لك خدمة.. على اعتبار أنّ هذه الطريقة في تكوين علاقات اجتماعية، لها قيمة كبيرة في حياتنا.►

ارسال التعليق

Top