• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. موسم البناء

شهر رمضان.. موسم البناء
شهر رمضان موسم العطاء مع الله، وجهد إستثنائي يبذله المؤمنون بالإسلام في رحلة كدحهم المتواصلة الى الله، المطلق في قدرته، واللطيف في عطاياه ومنحه. إن جهد الصوم، كان مع الإنسان منذ أن أخذ يتربى على تعاليم الله سبحانه، لذلك يذكرنا ربنا جلت قدرته بهذه الحقيقة :(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/183). وهل التقوى التي هي هدف الصوم، سوى صدق التعامل مع النفس ومع الله ومع الآخرين، الصدق المرتبط بالمسؤولية والأمانة التي حملها الإنسان، دون سائر خلق الله الآخرين.. لقد ارتبطت مناسبة الصوم لدى المسلمين بشهر رمضان ارتباطاً عضوياً لا إنفكاك منه، ففيه تلتقي إرادة السماء المقدسة مع إستجابة عشرات الملايين الموحدين ممن إستجابوا لله في دعوته بكتاب الصوم.. في شتى بقاع الأرض، يصومون في وقت واحد ويفطرون في وقت واحد ويتأدبون بتعاليم واحدة.. ويخضعون لحكم شرعي واحد.. ويتطلعون إلى الله خالقهم ومربيهم في أشواق واحدة، وأمنيات مشتركة.. في شهر رمضان.. الجميع يتحسسون حلاوة الصوم، الفرد، والأسرة، والمجتمع.. لذلك فالأثر المترتب على الصيام لا يخص مفردة معينة، وإنما تلتقي كل المفردات الإجتماعية على ذلك الهدف العظيم.. وعلى قدر تحقيق ذلك الهدف تكون النتائج.. فالجميع مخصوصون بالخطاب السماوي، وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الناس جميعاً، ولم يخاطب الأفراد وحدهم، ذلك ان هدف التشريع الإلهي، هو صلاح الحياة بكل أبعادها الفردية والاجتماعية، المادية والمعنوية... إحدى الحقائق التي كانت تصدح بها توجيهات النبي (ص) بخصوص الصوم، أنه لايختص بالإمتناع الشكلي عن الأكل والشرب وسائر اللذات المعدودة في كتب الفقه.. وإنما الحقيقة هي صوم الجوارح.. فمن صام صامت جوارحه "كما يقول النص الشريف". إنّ الصوم أشبه بمدرسة فصلية يدخلها المسلم رجل وامرأة ليهذب أعماله، ابتداءاً من تنقية الفكر وتهذيبه إلى تعبيد كل جارحة لله بالعين والأذن واللسان والقلب والبطن و.. إلخ والإ.. فكم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش كما يشير الحديث النبوي الشريف.. وهذه خسارة ما بعدها خسارة.. أن يجد احدنا غداً صحيفة صومه بيضاء، وعند ذلك نتذكر انّ الله لم يظلمنا ولكننا نحن الذين ظلمنا أنفسنا بعدم تقيدنا بآداب الصوم، وتصورنا ان الامتناع عن الأكل والشرب وحده يكفي لنيل درجات الصائمين.. ولم يكن ذلك الا وهم حسبناه حقيقة.. ذلك ان الله غني عن عباده وعن عبادتهم، فهم وحدهم المنتفعون، يوم توضع أعمال العباد في ميزان الربح والخسارة في اللحظات التي لا ينفع فيها المال والينون إلا من اتى الله بقلب سليم. فكما يعيش المؤمنون الصائمون شموخ الارتباط القريب بالله سبحانه، حيث أنفاسهم تسبيح، ونومهم عبادة، ودعاؤهم مستجاب، وشمولهم بضيافة الله تعالى، في شهر الله، شهر رمضان المبارك، فإنهم يشمخون ايضاً بعطر الذكريات العزيزة التي ارتبطت بتاريخهم المجيد... ففي شهر رمضان.. انزلت القدرة السرمدية، أعظم كتاب سماوي للإنسان الخليفة.. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.. لذلك فهي مناسبة للإحتفاء السماوي والأرضي، السماء تنزل بركاتها والطافها على الإنسان.. وفي المقابل فإنّ الإنسان الصائم، يحتفل بها أيضاً شاكراً أو معظماً ومتبتلاً، ومتذكراً، وخاشعاً لله، بالصورة التي يهتز لها كيان المؤمن، ويقشعر جلده من ذكر الله وذكر آياته. وفي شهر رمضان.. عاش المسلمون مع رسول الله (ص) أروع الإنتصارات، هزيمة المشركين الأولى والكبيرة في معركة بدر التي وقعت في السابع عشر منه.. بتلك القلة المجاهدة على الكثرة المستعدة للحرب.. في السنة الثانية من الهجرة. وفي شهر رمضان، فتح المسلمون بقيادة رسول الله (ص) مكة، معقل الشرك، وعاصمة الكفر في الجزيرة في وقتها.. وبها دخل الناس أفواجاً في دين الله، وبسط الإسلام سلطانه بعدها بقليل، على كل المنطقة في الجزيرة العربية.

ارسال التعليق

Top