◄في هذا الشهر تبتهج الخواطر السليمة، وتُفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتكبل فيه الشياطين، لأنّه شهر الله الذي دعا عباده فيه لضيافته فلا مجال لعدوه عليه فهو مَن يحميه من مكره ويدفع عنه كيده. شهر ترق فيه القلوب، وتقل فيه الذنوب، وتقرب فيه الآمال. شهر لا يقاس ببقية الأيام، فهو خير مصحوب من الأوقات، وخير شهر في الأيام والساعات. عندما يطل علينا شهر رمضان تطل علينا أفواج الرحمة والغفران، وتعمنا بشائر الفوز والرضوان في دار السلام، حيث الأمن والأمان، في دار محفوفة بالملائكة الكرام يقومون على خدمة ضيوف الرحمن. إنّ رمضان هو (شهر الله) الذي ينهلون فيه من فيض النور الذي اختص به هذا الشهر المبارك، فهو شهر الانتصار على النفس الأمّارة باجتنابها المحظورات، وتركها الملذات، تطمينا للنفس عن مقارفة الهوى، وابتعاداً بها عن لذائذ المنى، باذاقتها لوعة الجوع والعطش لتعرف قدر النعم الموهوبة لها. من بركات هذا الشهر انزال الله كتابه الكريم الذي جعله هدى للناس، ودستوراً للحياة السعيدة التي يريدها الله لعباده تكرمة لهذا الإنسان الخليفة الموجود على الأرض. وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، إذ تقدر فيها أعمال العباد من خير وشر. فهي الليلة التي يتحدث الله تبارك وتعالى عنها باستفهام مهيب وتنبيه خطير فيقول: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (القدر/ 2)، إنّه إعلان عن عظمة أمر خطير وعظيم، وكيف يتصوره البشر، وليس عجباً أن يخبر القرآن عنها بهذه الطريقة وهي ليلة تقرير المصير (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/ 4). مصير الإنسان الذي يطمح إلى العافية، ويريد السلامة، ويشتاق إلى السعادة ليعيش معافى من ويلات الزمان، وتقلب الحدثان فينتهز الفرصة الثمينة بالعودة إلى رحاب الإيمان، بالاستغفار، وطلب العفو بإخلاص نية، وصدق عزيمة، توبة نصوح تقرّبه من ربّه ليتقبل منه عمله بأحسن القبول فيرى حسن الوفادة من ربّ غفور عطوف. شهر كان فيه نصر مؤزر للمؤمنين، حيث شهد المسلمون انتصارهم الأوّل الذي سماه الله يوم الفرقان، يوم انتصار معسكر الإيمان الضعيف القليل، على معسكر الكفر القوي الكثير، وقد أعز الله جنده إذ هزم جحافل الكفر، وضواري الفتنة، وأحزاب الشرك، وأعداء الحقّ، فنكس رايات الضلال فولت مذعورة مرعوبة تأيدهم الملائكة المقربين مردفين ومنزلين، فخرج المسلمون ظافرين مفلحين غالبين حيث أعزهم ربهم بهذا النجاح فهزم معسكر الكفر خاسئاً ذليلاً قد ادبرت سراياه، وولى هارباً يتعثر بقتلاه، وعاد المسلمون إلى ديارهم غانمين يحملون أسمى تباشير النصر الذي هو من الله وحده إعزازا لعبده. فقد وعدهم الله إحدى الحسنيين، فكان فيهم الشهيد الذي رفع راية الإسلام وأروى شجرتها من دمه المطلول، وكان لهم سحق مَن تاه في خيلائه بين أرض الله وسمائه. شهر تحقق فيه وعد الله لعباده حيث بشرهم بأنّهم سيدخلون المسجد الحرام بأمان لا يخافون فكان الفتح المبين، (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (الفتح/ 27)، حيث دخل المسلمون مكة ساجدين لله على حسن صنيعه بهم فقد وهبهم النصر المهيب والفتح العظيم، ها هم الناس يدخلون أفواجاً في دين الله، فبوغتت قريش بكبريائها في دارها، وكان الفتح المبين (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا*... وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (الفتح/ 1 -3).►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق