• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

رجب.. شهر التوبة والورع

العلّامة السيِّد عليّ فضل الله

رجب.. شهر التوبة والورع

◄إنّ علّة الورع في أن يشكِّل أماناً للإنسان من نفسه، يحرسه ويحميه من طغيان شهواته وغرائزه، وهو طوق نجاة للمجتمع، به تحفظ الأعراض والدِّماء والأموال من آثار الفتنة والنميمة والفتن، وهو سببٌ لبذل المعروف وسخاء اليد، فالذي حصَّن نفسه بالورع، لا يمكن أن يتورَّط في أيِّ شكلٍ من أشكال الفساد المالي أو الأخلاقي أو الاجتماعي، أو في رشوة أو تلاعب بالمال العام. إنّ القوانين والتشريعات لا تكفي وحدها لتحفظ البلاد والعباد، هي بحاجةٍ دائماً إلى الورع، بعد أن بات واضحاً مدى قدرة الإنسان على التلاعب بالقوانين والتشريعات، وتجييرها لحسابه، أو تفريغها من مضمونها، ولذلك اسألوا عن الورع قبل الصلاة والصيام.

ونحن نعيش في هذا الشهر، شهر رجب، ذكرى ولادة الإمام الباقر (ع)، هذا الإمام الذي لقّبوه، إلى جانب كونه باقر العلم، بأنّه إمام الورع، وهو الذي أوصانا: «أُوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى مَن ائتمنكم من برٍّ أو فاجر»، وخصوصاً في تلك الوصيّة التي وجَّهها إلى أحد أصحابه، حين قال له: «يا خيثمة، ابلغ موالينا أن لا يغني عنهم من الله شيئاً إلّا بعمل، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلّا بالورع، وأنّ أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة، مَن وصفَ عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره». كما قال جدّه عليّ (ع): «مَن أحبَّنا فليعمل بعملنا، وليستعن بالورع، فإنّه أفضل ما يُستعان به في أمر الدُّنيا والآخرة».

وأخيراً، لابدّ لنا في هذه الأيّام من استثمار أجواء هذا الشهر الكريم «رجب» في العبادة والذِّكر والاستغفار، فهو الشهر الأصبّ الذي تصبّ فيه الرحمة على العباد صبّاً، فبالعبادة نرتقي ونعلو ونسمو إلى علياء الله لتنزل بنا إلى مفاصل الحياة.

إنّ كلّ ما نعانيه من فسادٍ هو ليس ممّن يعلنون قطيعةً مع الله، إنّما قد يكون من أصحاب الثفنات السُّود، كما كان حال الخوارج.

نحن لا يمكن أن ندَّعي الورع، إنّما علينا أن نعيشه، بعيداً عن الشعارات والطقوس الفارغة، وليعد كلّ منّا في مناسبة هذا الشهر إلى نفسه، ليختبر منسوب الورع لديه، وليُعِد النظر في مشاكله مع مَن حوله في بيته، أقاربه، جيرانه، أصحابه، لعلّها تكون ناشئةً من انعدام الورع أو نقصانه.

في نظرةٍ سريعةٍ إلى المجتمع لدينا، نكتشف كم صار الخوف من الله مغيَّباً، فقد وضعنا الله جانباً، فلم نعد نهابه أو نخافه أو نستحي في كثيرٍ من تفاصيل الحياة التي أصبح ـ للأسف ـ الحديث عن مراعاة الله والورع فيها، أمراً مستغرباً ومرفوضاً، والناس تصمّ آذانها. والمشكلة الكبرى أنّ هذا يحصل ونحن نتكلّم باسم الله وباسم دينه ورسوله وبحبّ آل بيته، ونسينا قول الله الذي دعا إلى التوفيق بين القول والعمل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا) (فصِّلت/ 30).►

ارسال التعليق

Top