◄كيف يمكن أن يكون الحوار مفيداً؟
1- التحلي بالهدوء والاتزان والابتعاد عن الغضب لأنّ الغضب بطبيعته يفقد التوازن، ويغيّب العقل... بهدوئك وأدبك وأخلاقك جرّ محاورك إلى ساحة الأدب والتهذيب والتزام أصول الحوار.
2- التحلي بالتواضع: فلا تتكبر على من يناقشك مهما علت مرتبتك ومهما صغرت مرتبته. فبعض الناس تجده يهزأ بالمقابل ولو بابتسامة خفية، وذلك لازدرائه والتقليل من شأنه.
3- الابتعاد عن العجب والغرور، لأنّ إعجاب المحاور بنفسه وشعوره بالغرور والتعالي على نظيره المحاور الآخر، يفقد المحاورة جوّها الهادئ المتزن، وينقلها إلى جو نفسي ضاغط.
4- التحلي باللباقة واستخدام اللغة المهذبة، فالكلمات التي تندرج تحت عنوان الشتائم والسباب والتشهير ليست كلمات جارحة نابية فقط وإنما كلمات هدّامة لا تبقي مجالاً للحوار بل تنسفه نسفاً، ولذا قال الله تعالى وهو يعلمنا أدب الحوار حتى مع المشركين (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام/ 108).
5- استخدم اللغة الرفققة اللينة، فالكلمات التي بين يديك فيها (حسن) وفيها (أحسن).. اختر الأحسن ما أمكنك ذلك لأنّه يعمّق العلاقة النفسية والفكرية مع محاورك، ولذا فإنّ الله سبحانه وتعالى حينما طلب من موسى وهارون (عليهما السلام) أن يحاورا الطاغية فرعون، قال لهما: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا...) (طه/ 43-44)، أي استعملا في حواركما معه لغة لينة فيها لطف وليس فيها عنف، ذلك أنّ الكلمات الجافة والقاسية توصد أبواب الاستجابة وتغلق طريق الحوار.
6- احترم رأي محاورك... لأنّ ذلك يخلق حالة من الانفتاح على الأفكار المطروحة للنقاش، واعلم أن احترام الرأي غير احترام الشخص، فقد تحاور إنساناً ضالاً وقد تحترم بعض آرائه، أي أنّك لا تستخفّ بها فتجعله يستخف بآراءك أيضاً، لكنّ الاحترام في الحوار هو جزء من أدب الحوار ولا يعني تبني واعتناق تلك الأفكار.
7- على المتحاورين اجتناب الأحكام الظالمة أو المتجنية، فالإنصاف مطلوب من كلا المتحاورين. فحتى لو قال محاورك ما يخالف رأيك تماماً، أو كشف لك خطاً رأيك، أو بعض جوانب الخطأ فيه، فلا تعتبر أنّه قال ذلك بدافع اسقاطك أو اهانتك أو التجرؤ عليك، فالمصارحة والمكاشفة والنقد الموضوعي لابدّ منها في سبيل الوصول إلى الحقيقة.
8- ومن شروط الحوار أن تقبل على محاورك بالابتسامة والمبادرة بالسلام، وإشعاره بأنكما تسعيان لتحقيق هدف واحد وهو الوصول إلى الحقيقة، ومهما كانت النتيجة فأنتما إخوة وأصدقاء أو شركاء أو زملاء أكفّاء، ذلك أنّ الأخوة والصداقة فوق الاختلاف في الرأي، ولذا قيل: "إنّ الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية".
9- أدر الحوار بعقل بارد بعيداً عن التوتر والإثارة، وتذكّر أنّ المحاور المتشنج مهزوم حتى ولو كان الحق إلى جانبه.
10- إذا جوّز المتحاورين لنفسه شيئاً، فليجوّزه للآخر، لأنهما يقفان على قدم سواء، والجائز جائز للجميع، والممنوع ممنوع على الجميع، وفي كلّ الأحوال فإنّ خروج الحوار من (هدف البحث عن الحقيقة) إلى المغالبة واستخدام أي أسلوب للوصول إلى الغلبة، يحكم على الحوار وعلى المحاور أو المتحاورين بالفشل.
11- الأمانة والصدق: على المحاور أن يكون أميناً وصادقاً في النقل والاستشهاد بالأدلة.
12- وأن يكون المتحاوران أو المتحاورون متماثلين، ولا يعني التماثل التطابق، فلكلّ إنسان شخصيته وثقافته وأفكاره وآراؤه التي يحملها وطريقته في التحاور. لكننا نقصد بذلك أن يكونا من أصحاب الاهتمام المشترك، والمشتغلين في حقل الموضوع المطروح للحوار حتى يتمكنا من الخروج بنتائج تخدم الحقيقة.
من أساليب التواصل الإنساني [الحوار – العنف]:
· لابدّ من التنبيه إلى أنّ الحوار رغم كونه أسلوباً حضارياً في التخاطب والتفاهم وتسوية الخلافات والصراعات وتنضيج الرؤى، لكننا لا نلجأ إليه دائماً. فقد نعمد إلى استخدام القوة أو التهديد أو الشتائم أو إلحاق الأذى المادي والمعنوي بالآخرين لأننا نعجز عن إقناعه بالحوار الهادئ المتزن السليم الذي يعبّر عن إنسانية الإنسان، وعن تقديره لقيمة عقله وعقل غيره.
· وعلى هذا، فالشاب أو الفتاة اللذان يمارسان الأسلوب الثاني في التعامل، أي أنهما يستخدمان (أسلوب العنف) و(أسلوب الحوار) قد يتهمان أو يوصفان بأنّهما همجيان، أو متخلّفان، أو انفعاليان.
لقد كان أمام (قابيل) فرصة لأن يستخدم عقله ويحكّمه في النزاع الدائر بينه وبين أخيه، وهو في الحقيقة نزاع من طرف واحد، أي من طرف قابيل وحده. فلو حاوره وجادله بالتي هي أحسن فلعلّه يقرّ بالحقيقة التي يكشفها الحوار العقليّ، لكنه آثر استخدام المنهج الآخر واعتماد أسلوب العنف الذي أدى إلى قتل أخيه.
ولذا فقد ظهرت صورته أمامنا صورة الإنسان الذي لا يتفاهم ولا يتحاور ولا يستخدم المنطق في علاج المشكلة التي نشبت بينه وبين أخيه. أمّا (هابيل) وبقطع النظر عن براءته وكونه الضحيّة التي تثير الألم في نفوسنا، فإنّنا نحمل عنه صورة الإنسان المتعقل الواعي والمحاور الذي لا يقابل العنف بالعنف (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة/ 28). أي أن هابيل كان يمتلك أسلوباً آخر في الإقناع والمحاجة وهو أسلوب الحوار.
ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إنّ كثيراً من حالات المواجهة بالعنف – فردية كانت أو جماعية – كان يمكن تفاديها فيما لو اعتمد الحوار كأسلوب من أساليب الحسم.
وبالتالي فإنّ (الحوار) كوسيلة إيجابية للوصول إلى عقل وقلب آخر، يعد من الأساليب الفاعلة والمهمة في تقارب الشعوب وإحلال السلم والأمان فإنّه لغة العقل والسلام والتعايش وقبول الآخر، وأما الوسائل أو البدائل السلبية، مثل العنف والشتائم والاتهامات والتشارق بالكلمات المبتذلة والنابية والجارحة سواء باللسان، أو الكتابة، أو بالغيبة تعد نقداً سلبياً يعبّر عن عجز الإنسان لذلك فإنّه يلجأ إلى التكفير والتهميش والتسقيط والغاء الآخر، وهي وسائل تلبّد الأجواء بغيوم البغض، وسموم الحقد والكراهية وتعميق الجراح. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق