إنّ الإمام الحسين (ع) لم ينتصر عسكرياً في ساحة الصراع ولكنه انتصر بدمه على الفكر المنحرف الذي شوه الثقافة الإسلامية. الحسين (ع) أعلن للعالم أجمع أنّ الأمويين لا يحملون الثقافة الإسلامية ولا الفكر الإسلامي. وأنّهم لا يستحقون البيعة ولا يمثلون الإسلام. كانت كلمات الحسين (ع) تحمل الإصلاح لكلّ أبعاد الحياة تشمل الإصلاح الفكري للردّ على الاستلاب الثقافي الذي فرضة الأمويون على الأمة الإسلامية بما نشروا وأذاعوا من أحاديث كاذبة مزوَّرة ومن تشجيع للحركات الفكرية المنحرفة كالقدرية والمرجئة ومن تأويل آيات الكتاب العزيز بما يلائم أهدافهم السياسية. وتسلطهم على مقدرات الأمة. وكانت كلماته (ع) تحمل الإصلاح السياسي في مواجهة الانحراف السياسي المرتبط بشؤون الحكم والخلافة والإدارة والقضاء والسلم والحرب وغير ذلك. والحسين (ع) أعلن صراحة عدم استحقاق يزيد للخلافة لأنّها قامت على حدِّ السيف. كانت شعارات الحسين (ع) تحمل الإصلاح الاجتماعي في مواجهة الانحراف الذي أصبح طابع الحياة الاجتماعية في العصر الأموي. بما أشاعوا من التفرقة العنصرية وإثارة العصبيات القبلية وغيرها. إنّ الحسين (ع) أعطى بنهضته درساً في الغيرة والحمية للناس. درساً في الصبر والتحمُّل. درساً في إحتمال المصاعب، وركوب الشدائد. لقد كانت دروساً بالغة الأهمية بالنسبة للمسلمين، فعندما يقال ماذا عمل الحسين (ع)؟ وكيف استطاع إحياء الإسلام بدمه؟ يكون الجواب إنّ الحسين بن عليّ قد نفخ روحاً جديدة في النفوس، وحرّك دماء المسلمين، وجعلها تغلي في العروق، وأثار الغيرة، ومنح العشق والقيم المثالية للناس. لقد أوجد فيهم حس الاستغناء والاكتفاء الذاتي، لقد أعطاهم درساً بليغاً في المقاومة والصمود، وتحمل الشدائد والصبر على الصعاب، وأسقط عنهم حاجز الخوف والرعب، وخلق منهم بطولات وشجاعات بعد أن كانوا غارقين في الخوف والجبن إلى أخمص القدم. لذلك فإنّ التأكيد على أنّ المطلوب من دراسة الملحمة الحسينية وواقعة كربلاء ونهضة عاشوراء من هذه الزاوية الحماسية أكثر من أيّة زاوية أُخرى، فإنّ المقصود في ذلك هو الاستفادة من هذه الدروس العظيمة التي يمكن لها أن تعطينا إياها. إنّ للحسين (ع) إمتياز اجتماعي كبير، وشعار دائم كان يرفعه كلّ من أراد القيام ضد الظلم إذ كان شعاره (يا لثارات الحسين) واليوم كذلك هو شعارنا وموضوعنا الكبير من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة لإقامة الصلاة، وإحياء الإسلام، وتجديد حياة العواطف والأحاسيس الإسلامية، والمثل العليا في وجودنا. إنّ حياة الأُمم ليس بثرواتها الكثيرة، ولا حتى بعلومها، فالعلم وحده ليس كافياً لإحياء الأُمم، بل إنّ حياة الأُمة تتمثل في إحساس تلك الأُمّة بشخصيتها وكيانها. وإذا كانت أُمّة أخرى تناضل وتكافح ضد أقوى أُمم العالم وأغناها فهل سألنا أنفسنا بماذا تقاتل تلك الأُمّة؟ إتقاتل بأعدادها أو بثرواتها؟ أبداً فتلك الأُمّة إنما تقاتل بشخصيتها وأخلاقها وهي تقول للمعتدي: إنني لا أقبل بسيادتك أبدا، وأنا إما أعيش واقفة على قدمي ودون أن يحكمني أحد، أو يتسلّط عليَّ أحد أو أن أفنى من الوجود. الجنّة والنار والخلود في كلِّ منهما وهما العاقبة التي لابدّ أن تنتهي إلى إحداهما حياة الإنسان وهي عاقبة أخيرة ودائمة لا عاقبة من بعدها.
إنّ مجتمع عاشوراء، سواء كان مجتمع الخير المتمثِّل بالإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، أو مجتمع الشر المتمثّل بيزيد وبأصحابه. إنّه مجتمع قد انتهى، إذ كانت لهم حياتهم التي عاشوها، ولهم مواقفهم التي وقفوها. أمّا نحن فلنا حياتنا ونحن مسؤولون عنها لا عن حياة أهل البيت في التاريخ، وعن حياة الآخرين من بني أميّة. إنّنا مسؤولون أن نصنع تاريخاً، وأن نُبدِع حياةً، وأن نحرِّك طاقةً، وأن نجسِّد موقفاً في الحياة... تلك هي مسؤوليتنا. وإذا كانت لهم حياتهم التي عاشوها في التاريخ، ولنا حياتنا التي نعيشها الآن؛ فما علاقة كربلاء بنا؟ وما علاقتنا بكربلاء؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق