سؤال تقليدي نتوقف عنده كثيراً، ثمّ لا نلبث أن نحس بعجزنا عن العثور على إجابة محددة له!
فالسعادة نفسها كلمة غير محددة المعالم، وهي في الوقت نفسه شعور نسبي، نختلف كثيراً في تعريفه، وفي شرح أسبابه ودوافعه، فأنت اليوم سعيد، ولكنك لا تعرف لماذا أنت سعيد. إنك تشعر بميل شديد إلى الخروج عن تزمتك المألوف.. تريد أن تضحك.. تريد أن تداعب كلّ من تلقاه في طريقك إلى عملك في الصباح أو في عودتك إلى بيتك.. وقد يلازمك هذا الشعور عدة ساعات وربما عدة أيام. وقد يفارقك وتفارقه قبل أن تنعم بهذا المذاق الحلو للحياة..
ما الذي حدث؟ لماذا أنت سعيد اليوم على غير عادتك؟ ماذا رأيت؟ بماذا شعرت وأنت تقفز من فراشك نشيطاً لترتدي ملابسك وتستعد للذهاب إلى عملك؟ لا أحد يدري، ولا حتى أنت نفسك لأنك قلما توقفت لتسأل نفسك، في غمرة هذه السعادة الجارفة التي تحس بها، لماذا أنا سعيد؟ لأنك لو فعلت، فربما وجدت نفسك تعود مرة أخرى نفس الرجل العابس الذي مل الحياة ورتابتها.. من أجل هذا يطلق المرء، رجلاً كان أم امرأة لأحاسيسه العنان، فهو يضحك، وربما ارتفع صوته بالغناء أو الصفير، وهو يستعيد تلك الألحان الجميلة التي طالما طرب لها وملأت قلبه وصدره في يوم قريباً كان أم بعيداً!
ويحاول العلماء، وهم لا يكفون عن محاولاتهم في سبر أغوار النفس البشرية، والتوغل بعلمهم إلى أعماقها، للتعرف على الأسباب التي تتحكم في سلوكنا وتحولنا إلى أناس سعداء..
فنحن نعرف لماذا نشعر بالقلق والسأم والارتباك! فهذه كلّها ردود فعل لأحداث صادفتنا في حياتنا اليومية أو نتيجة لعلاقتنا بالناس وتصرفاتهم.. ولكننا لا نعرف كيف نسعد أنفسنا..
ولابدّ لنا هنا من وقفة نضع معها خطاً فاصلاً وعريضاً بين المزاج وبين الأسباب الحقيقية التي تتحكم في مشاعر الإنسان وأحاسيسه ومواقفه وسلوكه في الحياة؟ ويرى علماء النفس أنّ المرء يستطيع أن يجد طريقه إلى السعادة التي ينشدها في حياته، إذا عرفت مقدماً ما الذي يسعى إليه وينشده، ثمّ كيف يعمل في سبيل بلوغ هذا الهدف ولقد كان هذا هو رأي البروفسور ماسلاو أحد كبار أساتذة علم النفس الأمريكيين الذي قال بأنّ المزاج إنما هو هذا الشعور المتقلب الذي لا يخضع لظروف وأحوال معينة.. أما السعادة فهي شعور موجود. وملموس، ينعم به كثيرون لأنهم عرفوا الطريق إليه.. هؤلاء السعداء لا يختلفون عنا اختلافاً جذرياً، ولكن ربما كان الشيء الوحيد الذي يميزهم عن بقية الناس، هو تلك القدرة التي يتمتعون بها على أن يستغلوا طاقاتهم إلى أقصى الحدود، وأن يصنعوا بأنفسهم، كلّ ما أرادوه لها، دون أن يشغلوا أي جزء من وقتهم في أي عمل آخر، يبتعد بهم عن الهدف الذي رسموه لأنفسهم في الحياة أو أنّهم وجدوا ذواتهم.
ثمّ يقول "ماسلاو"، أنّ قبولنا لأنفسنا، وتقبلنا لطبيعتنا ولحظنا وقدرنا بلا خجل، وبلا قلق.. والعمل بعد هذا داخل إطار شخصيتنا وقدرتنا على الخلق والابتكار.. كلّ هذه عوامل أساسية من شأنها أن تسعدنا وأن تقضي على أي شعور آخر قد ينتابنا بالخوف من المستقبل!
قصة زوجة سعيدة:
ويروي البروفسور "ماسلاو" قصة السيدة التي وجدت نفسها فجأة تعيش في مجتمع من الزوجات العاملات.. أنها لم تتلق من التعليم إلا قدراً يسيراً لا يؤهلها لشغل أيّة وظيفة عامة.. كانت كلّ صديقاتها وجاراتها يعملن.. كانت حياتهنّ كلّها بعيدة عن البيت، وكان عملهنّ يشغل كلّ وقتهنّ تقريباً.. من الصباح حتى المساء!
أما هي فقد كانت زوجة وربة بيت وأمّاً لطفلين صغيرين أكبرهما في السابعة.. وكانت قانعة بحياتها في البيت.. يخرج زوجها إلى عمله في الصباح، ويذهب الطفلان إلى مدرستهما، وتبقى هي في البيت الذي كان عملها فيه يستغرق كلّ وقتها.. وكانت سعيدة!
ولعل شعورها الواضح بالسعادة هو الذي أثار تلك التساؤلات التي كانت تبدو في عيون صديقاتها، وهن يبادلنها تحية الصباح عندما تخرج لتودع زوجها وأطفالها وتلوح لهم بيدها حتى تختفي السيارة الصغيرة التي تقلهم وتتأكد أنّهم لم يعودوا يرونها!.. كانت جاراتها يشفقن عليها من الوحدة التي كانت تعيش فيها وراء جدران بيتها بعد أن ينصرف أهل الحي كلّه إلى أعمالهم ومدارسهم، ويتركونها وراءهم!
أما هي فقد كانت تنعم بكلّ لحظة من تلك الساعات الطويلة التي كانت تقضيها في بيتها أو في السوق القريبة التي كانت تقصدها خلال ساعات النهار، لتشتري منها حاجياتها..►
المصدر: كتاب الطريق إلى النجاح
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق