◄شهد النصف الثاني من القرن العشرين ثورة الاتصال الخامسة حيث يمكن تمييز تطور الاتصال من خلال خمس ثورات أساسية، تتمثل الثورة الأولى في تطور اللغة والثورة الثانية في الكتابة، واقترنت الثورة الثالثة باختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر على يد العالم الألماني غوتنبرع عام 1495م، وبدأت معالم ثورة الاتصال الرابعة في القرن التاسع عشر من خلال اكتشاف الكهرباء والموجات الكهرومغناطيسية والتلغراف والهاتف والتصوير الضوئي والسينمائي، ثم ظهور الراديو والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين، أما ثورة الاتصال الخامسة فقد أتاحتها التكنولوجيا في النصف الثاني من القرن العشرين من خلال اندماج ظاهرة تفجر المعلومات وتطور وسائل الاتصال وتعدد أساليبه.
ولكي نحدث تغييراً جذرياً في المسار التاريخي لابد أن نستوعب عناصر التغيير الفعّال وخصوصاً التي تؤسس طريق المستقبل وبشكل أخص العناصر المستحدثة، ومن هذه التحديات التاريخية الجديدة ظاهرة المعلوماتية التي فرضت نفسها كعنصر حاسم في صياغة المستقبل.
وبدأ العالم يأخذ منحى تطورياً أساسه العالم والمعرفة حتى القرن الواحد والعشرين الذي شهد ثورة معرفية كبيرة أساسها وعمادها ومادتها المعلومات لا غير، حيث أصبحت السلاح الذي يتيح لمن امتلكه القدرة والسيطرة على العالم لأنّ هذا القرن هو خلاصة مركزة لتطور التراكم العلمي والمعلوماتي والمعرفي لتاريخ البشرية، ويرى الفن توفلر أنّ القوة في القرن الواحد والعشرين لن تكون في المعايير الاقتصادية أو العسكرية، ولكنها تكمن في عنصر المعرفة (Knowledge).
حيث يؤكد في كتابه تحوّل السلطة: أنّ المعرفة بصفتها وسيلة تختلف عن كلّ الوسائل الأخرى كونها لا تنضب، ويمكن استخدامها بأفضل شكل لتعطي الأفضلية بإستراتيجية وتكتيك هادئ، وإنّ خطورة المد المعلوماتي الجديد تنبع من قدرته على استحواذ القنوات والأدوات التي تصنع ثقافة الفرد، وتستحوذ على بنيته المعرفية وتتحكم في سلوكه وتوجهاته، وأهدافه، وبعبارة موجزة فإنّها تسترقه في القطيع الإلكتروني الذي تقوده قلة ونخبة تستحوذ على معظم موارد العالم.
وأنّ التحولات التاريخية الكبيرة كان لها دور انعطافي في التطور البشري، والتقدم الحضاري ولكن تحولات القرن العشرين هي شي آخر في منعطفاته، إذ استخلص هذا القرن كلّ تجارب التاريخ، واستجمع خبراته وبدأ حركة تصاعدية بلغت ذروتها في الاتصال كان علامة هذا العصر التي طرحها مبتكروها كمرحلة انتقالية حاسمة في حياة البشرية.
واستطاعت هذه التقنية أن ترفع الحواجز وتقرّب المسافات إلى حد جعل العالم شاشة صغيرة تمتد عبر شبكة معقدة من الاتصالات، وهذه التقنية قد ولدت وتولد مفاهيم جديدة لأنّها قد قاربت بين البشر والأمم إلى حد التفاعل الشديد والسريع بحيث خلقت حالة تداخل شديدة بين الأفكار والثقافات، فأصبحت أهم عمليات العولمة ومسحتها المميزة هي المعلوماتية.
والمقصود بالمعلوماتية ليس نقل المعلومات وتيسرها لأوسع عدد من الأفراد والمؤسسات فحسب وإنما الفرز المتواصل بين مَن يولد المعلومات (الابتكار) وعليك القدرة على استغلالها، والمهارات وبين مَن يستفيد منها لها بمهارات محدودة.
ومع تزايد وتيرة نمو المعلومات وتقدم أدواتها التكنولوجية يعتقد البعض أنّ العالم سيصبح أكثر ديمقراطية، وأنّ الاستبداد في طريقه للانحسار وهذا ما يبشرون به من خلال العولمة والاندماج العالمي حيث القضاء على أشكال التنوّع والتعدد واستحالة المنافسة مع بقاء التنافس منحصراً في يد قلة قليلة من ملوك المال والإعلام والمعلومات.
مشكلات استخدام الإنترنت صحفياً:
بالرغم من المزايا العديدة للإنترنت فإنّ هناك العديد من المحاذير عند تقييم مصداقية المعلومات التي يتم الحصول عليها من الإنترنت لضمان القيام بتغطية موضوعية، وإنّ المعلومات على الإنترنت يمكن أن تُضلل ولا يمكن التأكيد من دقتها ولا معرفة مصدرها، كما أنّ مصادرها يمكن أن تزيف المعلومات أو تستخدم الادعاءات الملفقة أو يكتفي بها بديلاً عن المصادر الأساسية كما تختلط بها الحقائق بالإعلانات والدعاية.
كما أنّ استعراض مواد الإنترنت يمكن أن تستهلك وقتاً كبيراً بلا جدوى بدون معرفة وقت ومكان التوقف عن البحث، فالبحث عن المعلومات يقتضي تطوير المهارات البحثية لدى الصحفيين فضلاً عن أنّها لا تقوم بدور المقيم لأهمية المعلومات، ولا تقرر ما إذا كانت ذات صدقية أم لا أو ما إذا كانت يجب أن تدرج ضمن المادة الصحفية أم لا، فتلك مهام تتم من قبل صحفيين مدربين فضلاً عن أنّ المعلومات على الإنترنت غير منظمة بشكل يسير والتعامل يقتضي إجراء فحص مزدوج للمعلومات ولرسائل البريد الإلكتروني للتأكد من أنّها جاءت ممن أرسلها وكذلك التأكد من نوعية المصادر المشاركة في الجماعات الإخبارية، ومدى أهليتهم وجدارتهم الصحفية كما يصعب التمييز بين الصحفيين المحترفين وغيرهم من الدخلاء على المهنة. فكما تساعد الإنترنت في تنشيط ذاكرة الصحفي وتعميق تخصصه، فإنّها تضيف إلى كاهله مسؤوليات جديدة تتمثل في الفحص والتدقيق وحُسن الاختيار على إشكاليات التلاعب والتحليل والتحريف، والمصادر غير الموثوق بها الأمر الذي يتطلب تنمية قدرته على التحليل والفهم والاستنتاج.
ومن ناحية أخرى يفرض الاستخدام المتزايد لتقنيات متعددة لجمع الأخبار مواجهة أنواع جديدة من مشكلات أخلاقيات العمل الصحفي مثل حقّ الملكية الفكرية والرسائل الصحفية المفخخة فضلاً عن القضايا التقليدية المتعلقة بتوافر الدقة والعدالة والخصوصية والموضوعية.
ومن ناحية ثالثة فإنّ معظم المواد الصحفية والمعلومات المتوافرة على الإنترنت مكتوبة باللغة الإنكليزية ومعدة وفقاً لمناهج الفكر الغربي وفلسفتها الصحفية والإعلامية وهو أمر يضع قيوداً على انتشار استخدام الإنترنت من قبل الصحفيين الذين لا يجيدونها.►
المصدر: كتاب دراسات في الإعلام الإلكتروني
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق