• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إحياء القيم الإسلامية الفاضلة في ثورة الحسين (ع)

عمار كاظم

إحياء القيم الإسلامية الفاضلة في ثورة الحسين (ع)

كلّ عام يمرّ يزداد الإنسان ابتعاداً عن قيم الله، ومن ثمّ يزداد مأساة على مأساة، ولذلك تزداد حاجته إلى تفجير قضاياه من أجل تغيير واقعه، والإمام الحسين كتجربة رائدة في هذا المجال يزداد تألقاً ونمواً، لأنّه ليس ذاتاً مجرّدة، وإنما قضية مقدسة تطرح نفسها كلّ يوم، وليس فقط كلّ عام. وتأريخ الحسين، لي مجرّد حكايات وقصص رائعة من البطولات، وإنما هو مشعل على درب النضال من أجل الله. وكلّ إحياء للتأريخ النضالي – من أجل الله – هو إحياء للضمائر، وتأكيد لقيم الله في مواجهة القيم الجاهلية التي تزيد من مآسي الإنسان. وما دامت الضمائر تزداد موتاً كلّ عام، وما دامت القيم الجاهلية تزداد انتشاراً واطراداً، فإنّ الحاجة إلى تقمص قيم الحسين تزداد وتطرد. إنّ الكثيرين يظنون أنّ الحسين (ع) قد انتهى، ودليلهم في ذلك أن يزيد قد انتهى. فبحكم المقابلة بين يزيد والحسين (ع)، لا يمكن أن نحكم ببقاء الحسين (ع).

ومن الطبيعي أنّنا إذا فسّرنا يزيد كرجل كان يعيش قبل ألف عام، ومات قبل ألف عام. فإنّ يزيد قد انتهى. وكذلك إذا فسرنا الحسين (ع). أما إذا فسرنا يزيد كخط للحياة، يمكن أن ينخرط فيه ألف إنسان في ألف عصر، فإنّ يزيد لم يمت بدليل أنّ خطه لا يزال يمتص الآلاف من أصحاب العقليات الملحدة في كلّ أنحاء العالم.

إنّ يزيد كنموذج خاص في الحياة لم يمت، وكذلك الإمام الحسين أنّه نموذج خاص في الحياة، ويمثل خطاً يمكن أن ينخرط فيه ألف إنسان في ألف عصر. لهذا فهو لم يمت.

والمعركة التي نشبت في كربلاء بين أنصار خط يزيد، وأنصار خط الحسين لا تزال تستقر في كلّ مكان وفي كلّ زمان. ومن هنا كان "كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء" وماذا عنا الآن؟ نحن إذا أحيينا الحسين – بأي شكل مشروع – فذلك يعني أنّنا قمنا برش النور على خطه، كما انّ إحياء خلافة يزيد – بأي شكل كان – يعني إحياء نفسياته وأهدافه من خلال رش الضوء على خطه الخبيث في الحياة.

إذا آمنا أنّ الحسين لم يكن إمام عصره فقط، وأنّ ثورته المعطاة لم تتفجر في صحراء كربلاء لمقاومة يزيد ذلك العصر. وإذا آمنا أيضاً أنّ تضحيات الحسين لا توقف لزمان غير زمان، وإنما فتوحه أمام كلّ جيل وكلّ عصر وكلّ أرض. وإذا آمنا أنّ ثورة الحسين كذلك، فالسؤال الذي يصرخ فينا مستغيثاً، هو:

إن لم تكن شهادة البطولة الحسينية لزمانها فقط، فلأي زمان هي؟

وإن لم يكن عاشوراء الثورة لأرض كربلاء فقط، فلأي أرض هو؟

إنّ إيماننا بالحسين كجبهة حقّ ثأر ضد جبهة الباطل يزيد قبل أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان، وفي أرض تسمى كربلاء، لا تعني أنّ تلك الثورة اقتصرت على ذلك الظرفين من الزمان والمكان، وإنما كلّ أرض هي أرض خصبة لزرع بذور الثورة. وإن كان زمان هو ميلاد للثورة، لماذا؟

لأنّ صراع الحقّ والباطل هو صراع على مرّ الأجيال وفي كلّ مكان. ولذلك أصبحت كلّ أرض كربلاء وكلّ يوم عاشوراء، ويبقى الصراع بين الحسينيين واليزيديين مستمراً حاضراً ومستقبلاً.

صحيح انّ الحسين حارب يزيد وقاتل يزيد وأسقط الشرعية المزيفة في الحكم الأموي الدموي. ولكن الأصح أنّ الحسين حارب باطل زمانه وناهض فساد زمانه وقاوم ظلم زمانه وحارب استهتار زمانه قاتل المتلاعبين بأموال الشعب في زمانه. فيزيد أصبح وصمة الباطل أبداً، إذ كان يمثل الباطل في أعماله والفساد في أقواله والاستهتار في حكمه والظلم في الشعب والتلاعب بمقدراته أبان حكمه الجائر.

أما الحسين فأصبح رمز الحقّ أبداً، إذ كان يمثل الحقّ والعدل والحرّية والمسؤولية التي حملها في زمانه.

ارسال التعليق

Top