◄إنّ الذكاء مفهوم لا يشير إلى شيء يقع تحت الحواس، بل يستدل عليه، ويستنتج من نتائجه المعبر عنها في سلوك ملحوظ. وقد يقول البعض: إنّ الذكاء مفهوم معنوي مقابل المفاهيم المحسوسة وربطها بأصولها. مثال: الطاولة من الخشب، وهي شجرة أصلاً.
ولكن العلماء الآخرين يقولون: إنّ الذكاء مفهوم متداخل، لا يمكن إخضاعه للملاحظة، إلا من خلال النتائج التي يصل إليها. وجميع الناس على قناعة تامة بأنّ عمل المدرسة الأساسي هو تدريب العقل وتنمية الذكاء، وهو القدرة على حل المشكلات باعتباره قدرة الإنسان على تكييف ذاته وفقاً للأوضاع الجديدة.
وقد اختلف العلماء في تفسير طبيعة الذكاء، ونتج عن ذلك اختلافات كثيرة في تعريفهم للذكاء، حيث عرَّف البعض الذكاء بأنّه القدرة العقلية على تكييف الحيوان لسلوكه في البيئة التي يحل فيها، وبهذه الطريقة الذكاء يحوي الغريزة والتفكير والإدراك والذاكرة والخيال والإرادة وغيرها.
أمّا القائمون بالتدريس وعلماء التربية فيعرِّفون الذكاء على أنّه القدرة على التعلم، وهو قدرة على التركيب.
ويرى البعض الآخر أنّ الذكاء هو قدرة الفرد على التفكير المجرد والتجريد، وهنا يُبنّى التفكير على إدراك العلاقات، وضم بعضها إلى بعض.
وفي الواقع نرى أنّ ليس للذكاء تعريف واحد، بل عدد من التعاريف، وذلك نظراً لأهمية دراسة الذكاء، واعتباره أحد مظاهر الحياة العقلية السلوكية التي يمكن ملاحظتها وقياسها علمياً وموضوعياً.
فالذكاء هو القدرة على القيام بالمناشط الصعبة والمعقدة والمجردة والاقتصادية، وذلك لتحقيق هدف ما، وهو القدرة على الابتكار، أي القدرة على الوصول إلى الأهداف التي يريدها الفرد ويطمح إليها.
لا شكّ أنّ الاهتمام بدراسة الذكاء أقدم من علم النفس، فقد اهتم به الفلاسفة القدامى، كما اهتمت بدراسته علوم أخرى. فالذكاء يمثل أحد الموضوعات الرئيسية في النفس، باعتباره أحد مظاهر الحياة العقلية السلوكية التي يمكن ملاحظتها وقياسها.
ويعتبر البعض الذكاء قدرة عضوية ترجع أساساً للتركيب الجسمي والجهاز العصبي للفرد. ومعنى ذلك: أنّ الفروق الفردية بين الناس في الذكاء ترجع لعوامل وراثية.
ويرى البعض أنّ الذكاء يظهر في القدرة على اتخاذ اتجاهٍ محدد والاستمرار فيه، والقدرة على التكيف والنقد الذاتي. في حين رأى كثيرون أنّ الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء التي تضم مجموعة مختلفة من المشكلات التي يتطلب من الفرد حلها، وبالتالي هو القدرة على القيام بالنشاط الذي يجتاز الصعوبة والتعقيد والتجريد إلى الابتكار والحل.
ولهذا كان الذكاء من أكثر المسائل إثارة للخلاف بين مدارس علم النفس وعلمائه. ولم يكن الخلاف محصوراً في الأبحاث والدراسات النفسية، بل خرج من دائرة أصحاب الاختلاف إلى دوائر اجتماعية أخرى أكثر اتساعاً وأوسع انتشاراً، فمنها: ما أخذ على عاتقه تحديد الذكاء بأحد تجليات استخدامه مثل القدرة على تعديل السلوك أو القدرة على الفهم والتحليل.
ومنها ما وصف الذكاء بالعناصر التي يتكون منها كمجموعة من القدرات التي تقوم بالعمليات العقلية مستخدمة مواد مجردة أو لفظية أو رمزية أو حسية، فهو قابلية حركية متغيرة للتكيف مع المحيط بكفاءة عالية. وعلى هذا فإنّ كلمة "ذكي" تطلق على الشخص الذي تميَّز بسرعة الفهم والاستجابة وكان حاضر البديهة، نافذ البصيرة، لديه القدرة على التعلم، ويستطيع تسخير خبراته السابقة في حل مشكلات جديدة بالإضافة لقدرته على المحاكمة والنقد والابتكار والتوجه.
ومن طبيعة الذكاء أنّه عام – أي مشترك – لكلّ أفراد الجنس البشري والحيوان؛ فالعامل الماهر ذكي، والفنان الذي يبتكر لوحة فنية جميلة ذكي، والشاعر الذي ينظم قصيدة تعبر عن أماني أُمّته ذكي. وأسمى ذكاء هو ذكاء السياسي الذي يمكِّن أُمّته من تحقيق أهدافها.
وتعد اختبارات الذكاء وسيلة من الوسائل الهامة في الكشف عن المتفوقين والتعرف إليهم.
ومما يؤكّد أهمية اختبارات الذكاء: أنّها تساعد على تعرُّف مستوى القدرة العقلية العامة للأفراد، التي نعبر عنها عادة بحاصل الذكاء ومستوى الذكاء. ولهذه الاختبارات فوائد كبيرة في مجالات عديدة سواء في الكشف عن الفروق الفردية، أو الصفات في الذكاء، أو المتفوقين وغيرهم.
وقد وفرت هذه الاختبارات أدوات جديدة للتشخيص والعلاج ومهدّت السبل للتنبؤ والتخطيط، ووضع برامج لاستثمار الثروة العقلية، على نطاق فردي وجماعي ووطني.►
المصدر: كتاب الذكاء.. أنواعه واختباراته
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق