• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المظهر الخارجي للمدير الناجح

عبد الكريم راضي الجبوري

المظهر الخارجي للمدير الناجح

الإرادة:

هناك تعاريف كثيرة للإرادة، لكنها قبل وبعد أي تعريف، فإنّها تعني باختصار: الرغبة الشديدة الواعية والدائمة المدعومة بالعمل الواضح والدؤوب لتحقيق هدف، أو الثبات على مبدأ أو موقف. إذاً فالإرادة مقدرة وجهد واعي ملتزم ومستمر ومبني على تضحية، إما بوقت، أو جهد أو مال.. أو هؤلاء معاً. المدير الناجح الفذ لابدّ له أن يكون ذا إرادة حديدية فذة لا تتزعزع.. في كلّ ما يقوم به..

ولنعد إلى موضوع عامل الإرادة في تحقيق الهدوء.. أو أنّ المدير الناجح لابدّ أن يكن، أو يسعى لأن يكون هادئاً.. وقلنا أنّ الإرادة هي العامل الأساسي لوصوله إلى هذه الحالة الإيجابية المطلوبة.. فبعد أن قرأت – عزيزي المدير – حالة الإنسان، أو المدير القلق المضطرب الذي يفتقد إلى عنصر الهدوء الرائع، لا يمكن أن ترضى لنفسك هذه الحالة إذ لا يمكن الوصول إلى هذه الحالة المزرية إلّا ذوي الإرادة الضعيفة أو المعدومة..

إنّ حالة الاضطراب للمدير تعني حالة الفشل.. ولا نجاح بلا تضحية.. وقد قلنا إنّ في الإرادة تضحية.. ولكنها تضحية من أجل القوّة والنجاح، ولمّا كانت الإرادة تعني بذل المزيد من الجهد.. فلابدّ إذن من تهيئة الطاقة بالسيطرة على النفس.. واستمرار ذلك بالجهد الدؤوب والمدروس.. ولتكن مراقباً يومياً على نفسك.. ومدى التزامك.. باستمرار إرادتك والمسير نحو هدفك السامي.. الهدوء.. راجع حصيلة جهدك اليومي نهاية كلّ نهار عمل.. وخصّص حيزاً من المراجعة قبل نومك.. ثم ضَعْ جدولك التالي للصباح القادم..

ابدأ بمراقبة مظهرك الخارجي الخاص بانفعالاتك إزاءَ الأحداث والمشاكل التي تصادفك في الإدارة.. سواء كان من الرؤساء أو المرؤوسين.. أو الزبائن، أو الزوار.. إلخ.

كذلك في بيتك ومع عائلتك.. الزوجة.. الأطفال.. الجيران.. وليكن هدفك دائماً وأبداً: الهدوء والصفاء الداخلي.. ولا حاجة للإكثار من شرح التفاصيل لك.. قُم بها بنفسك وكن ناجحاً..

بعد أن تكلّمنا عن العمق الداخلي، أو ذلك العالم الداخلي الخاص بتحريك وتوليد التأثير الجاذب والمحرّك السحري للشخصية.. نتكلم باختصار عن المظهر الخارجي.. الكفيل بتقريب القلوب إلى المدير والانجذاب نحوه.. وفيما يلي بعض العوامل والأمور التي تجعل لمظهر المدير الخارجي هيبة وتأثيراً:

-         الهدوء.. الاتزان الهادئ المرتكز على الحُلمْ.

-         ثبات الحركة، والاستقرار في النظرة، وحركات الأطراف والجسم.

-         الرقة في الكلام، ونبرة الصوت، وتجنُّب الصراخ.

-         الجدية أثناء العمل.

-         نظافة الملبس وترتيبه وانسجام ألوانه. (الهِندام الجيد المرتب).

-         الابتعاد عن إبداء الاشمئزاز أو توزيع الإهانات والكلمات النابية وعدم إظهار الاحتقار للمستويات الأدنى في الإدارة.

-         القدرة على الاستماع والميل إلى الإيجاز في الكلام.

وهكذا يتضح أنّ المقصود هنا بالمظهر الخارجي ليس شكلياً فحسب، أي إنّ الملبس الجيد المرتب، والألوان المُنسّقة المنسجمة، سواء كانت ملابس تقليدية محلية، أو غيرها.. وما يتطلبه المظهر من أناقة ونظافة وترتيب (كالشَعرِ في الرأس أو الوجه.. إلخ) كلّ هذه ليست كافية أو رئيسية، ولكن المظهر السلوكي.. النفساني والبدني.. والانفعالات والتصرفات.. هي أمور رئيسية ومصيرية في حياة المدير الناجح.. كما ترى في قراءتك – عزيزي – للمتطلبات أعلاه..

فالهِندام الجميل المرتب المعقول وليس "الصّارخ" الهندام المنسجم بتوافق هادئ غير متنافر أو متناقض مع سِنّك وبيئتك.. إذا صاحبه الهدوء بلا مغالاة بلا عبوس أو جمود.. بل بتصرُّف معتدل وحركة رصينة نابعة من عقل مفكر ونظرة واعية متأملة لا تشي بما يخالِجُك من أفكار ورغبات داخلية خاصّة بك.. كلّ ذلك يزيد من جو الثقة والاحترام الذي يشعر به الموظفون والعاملون المحيطون بك، تجاهك، إنّه سحر الشخصية المؤثرة للمدير الناجح.. كلّ ذلك متوقف على إرادتك.. فاشحذها.. بهمة عالية ومنذ الآن.. وتقدم إلى الأمام بخطى ثابتة واثقة.. اليوم وكلّ يوم.. وسيكون التوفيق والنجاح بجانبك مادمت بجانب نفسك.. أيها المدير.. القوة هي القابلية والكفاءة.

حقاً إنّ الحياة ليست سهلة.. ويخطئ مَن يأخذها هكذا.. بل هي بالأحرى صعبة، لكنها تميل وتنقاد إلى السهولة إذا استخدمت ما وفَّره الله لك من إمكانيات.. إمكانيات ذهنية وبدنية.. عزيزي المدير.. ويخطئ مَن يُعرّف القوة بأنّها السطوة.. أو القسوة.. أو الشدة والضغط والإرهاب..

تتنازع هذه الحياة قوتان.. القوّة الحقيقية، والقوّة الفعلية.. القوّة الحقيقية هي باختصار: قوّة الحقّ وما يتبعه من فضائل في العدالة، والاستقامة، والذكاء الخيِّر، والقانون، وسلطته.. أما القوّة الفعلية هي القوّة المادية التي تُسيطر بإمكانياتها ويخيَّل لمن يراها أنّها هي القوّة لا غيرها.. ولا يعتقد لها الزوال.. لأنّه لا يرى غيرها إذا كان قاصر النظر والنظرة..

المهم هنا أنّ للقوّة أوجه عديدة حقيقية ومادية.. وكلما كانت قوتك أيها المدير مبنية على تأثير طويل وأسس حقيقية.. راسخة يحبها الموظفون كلما كانت أجدى وأنجح.. لأنّ التأثير الإيجابي أفضل من تأثير القوّة الزائل بزوال المؤثر دائماً.. إنّه كما قلنا رصيد مصرفي، كما ذكرنا السلطة الحقيقية هي أن تجعل الناس يقولون لك "نعم" في الوقت الذي كانوا يودون قول: "لا"! والجوهر الأكيد في نجاح قوّة التأثير يكمن في القدرة على كسب الآخرين للمشاركة.. والعقل القادر على ذلك يمتلك قدرة بشرية متميِّزة في عالم البشر ولكن كيف تُنمِّي قوّتك الشخصية؟

·      التركيز: التركيز هو الخطوة الأولى للسيطرة على النفس والبدن.. للوصول إلى تلك القوّة الحقيقية.. التركيز مفتاح القوّة.. الذهنية، والجسدية.. وكما يقال: العقل السليم في الجسم السليم.. ركِّز على كلّ ما يهمك شأنه أيها المدير.. في الإدارة.. في البيت.. مع نفسك.. التركيز هو المضاد الفعّال للتشتت.. التركيز على الفكرة بدقة.. ونسيان ما عداها في وقت محدد.. ثم تركها بعد الإنجاز.. والتركيز مجدداً على الفكرة الأخرى التي تهتم بشأنها.. رتّب جدول عملك حسب الأولوية.. الأهم.. المهم.. ثم الأدنى.. ركِّز وسترى تلك النظرة وفائدتها..

·      سبيلك إلى القوّة الحقيقية: بعد أن عرفنا معنى القوّة الحقيقية.. وأنّها تبدأ من النفس.. وبإرادة ذهنية مُنظّمة واعية.. وأنّ الاضطراب هو عدوها الأوّل.. والهدوء هو الأساس الأوّل لها.. فلا تيأس من رحمة الله.. فاعقل وتوكل بخطى ثابتة متسلسلة مبنية على الرغبة الواعية والمجهود الرصين المستمر.

·      تعيين الهدف أو الأهداف الواقعية المتدرجة.. وليكن الأهم هو أوّل المهمين..

·      التغلب على كلّ العوامل السلبية والمعوقات.. بدون انفعال أو وساوس أو جموح.

·      ليكن الاهتمام بالصحّة أوّلها.. وتجنب كلّ ما يضعفها ويعوّقها.

·      عدم القيام بما يكرهه الضمير وتَعافُه النفس.. حتى تكون العزيمة راسخة..

·      الاتجاه لمصاحبة ذوي النفوس الهادئة الذي يميلون إلى الرصانة والاتزان.

·      واعترف بخطئكَ.. وحاكم نفسك نهاية كلّ يوم.

·      المدير الناجح له جدول يومي وبرنامج عمل واضح يؤشِرُه يومياً..

فليكن لك في كلّ الصفات والبرامج أعلاه "أجندة" مرافقة لك.. أو أمامك على المكتب.. تراجعها دائماً.. وتدوّن فيها ما تريده وما أنجزته سواء في العمل أو بعده.. وسترى أنّك تسير على الخط الصحيح المرسوم.. وستندهش عندما تكتشف الفرق الهائل وأنت تُطبِّق برنامجك المرسوم بإرادة واعية.. تدهش عندما تحس وترى وتسمع الفرق الكبير بين ما كنت عليه وما أصبحته.. ولتعرف بأنّ المستحيل قد أصبح حقيقة.. فالإرادة تصنع المعجزات.. وإنّ شجرة شخصيتك قد أصبحت باسقة وارفة الظلال.. بمثابرتك.. إرادتك الواعية وسترى أنّ رؤسائك ومرؤوسيك.. قد أصبحوا متأثرين بهذا الواقع.. وأنّ تأثيرك بدأ يمتد.. ينمو ويتسع.. بعد أن زال التردد والقلق والانفعال.. ولّى الغضب.. لتحل معه الثقة الهادئة والدنيا تأخذ دائماً بيد الجريء والواثق من نفسه.. إنّك مدير على طريق النجاح.. فتقدّم إلى الأمام.. ولا تتراجع.

 

المصدر: كتاب المدير الناجح والتخطيط الإداري الفعّال

ارسال التعليق

Top