• ٢٣ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٦ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أسئلة مشهد لا لزوم له

فهمي هويدي

أسئلة مشهد لا لزوم له

حين دعا وزير الثقافة إلى ندوة لإثبات أنّ الجزيرتين ليستا مصريتين، فإنّه ذكرنا بقصة الرجل الذي قرر أن يؤدي فريضة الحج في حين أنّ الناس «راجعة» منه، كما يقول المثل الشهير.

ذلك أنّ الوزير الهمام دعا إلى عقد الندوة بعدما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانها حول الموضوع. وأصدر مجلس الدولة حكمه بشأن إبطال الاتفاق الذي عقد بخصوصه. وطعنت الحكومة على القرار، ولايزال مصير الطعن معروضاً.

ذلك فضلاً عن أنّ القضية قتلت بحثاً في وسائل الإعلام، وظلت غالبية الصحف القومية وغير القومية تتحدث بصوت عالٍ عن عدم مصرية الجزيرتين.

بعد الجدل الذي استمر طوال الأشهر الثلاثة الماضية، رعى وزير الثقافة الندوة التي نظمها مكتبه بتوجيه منه. خلال ثلاث ساعات استمر فيها اللقاء فإنّ المشاركين تصوروا أنّهم اكتشفوا المفاجأة التي غابت عن كثيرين، وخلصوا إلى معلومة لم ينتبه إليها أحد وهي أنّ الجزيرتين غير مصريتين!

اللقاء بدا غريباً ومحيراً، حتى إنّه أثار من الأسئلة بأكثر مما قدم من الأجوبة. غرابة اللقاء لا تكمن فقط في كون «الاكتشاف» الذي توصل إليه كرر على مسامع الجميع وجهة النظر التي تبناها البعض طوال الأشهر الثلاثة الماضية.

ثم إنّه بدا مشوهاً ومنقوصاً لأنّه حشد أصواتاً تمثل وجهة نظر واحدة. وكان الظن أنّ وزارة الثقافة حين ترعى عملاً من ذلك القبيل يفترض فيها أن تدعو أصحاب وجهة النظر المقابلة لعرض أطروحاتهم، على الأقل لكي تتبنى موقفاً ثقافياً محترماً يطرح الآراء المختلفة على الرأي العام.

صحيح أنّ الندوة كانت سرية بدرجة ما، حيث لم يحضرها أحد من الجمهور، ودعى إليها مندبو الصحف فقط، لتسويقها إعلامياً، لكن النشر الصحفي جاء فاضحاً، لأنّ المتحدثين كانوا ممثلين لصوت الحكومة، وبدرجة ما لأجهزة الأمن.

أما الذين تحدثوا فيها فقد كانوا بعض أساتذة القانون في الجامعات، وأغلبهم من خريجي كلية الشرطة (!) ذلك لأنّ كلية الشرطة كانت تعطي خريجيها شهادة الليسانس في الحقوق، لأنّهم يدرسون منهج كلية حقوق جامعة عين شمس.

وبهذا المؤهل فإنّهم ينتشرون بعد تخرجهم في مختلف المجالات (باعتبار أنّ الشرطة في خدمة الشعب!)، خصوصاً في الجامعات والسلك القضائي والدبلوماسي.

من الأمور المحيرة في ملف الندوة أنّ موضوع عقدها طرح قبل شهرين على لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة، وقال لي مقرر اللجنة الدكتور محمد نور فرحات إنّه حين أصدر قضاء مجلس الدولة قراره في الموضوع، الذي طعنت عليه الحكومة، فإنّ اللجنة أرجأت الفكرة على اعتبار أنّ الأمر لايزال معروضاً على القضاء.

وكان تقديرها أنّ عقدها في ظل تلك الظروف يعد من قبيل التأثير على القضاء، وهو أمر مستهجن وغير مقبول.

من ثم فإنّ لجنة القانون صرفت النظر عن الفكرة آنذاك.

أضاف الدكتور فرحات أنّه فوجئ بدعوة الوزارة إلى عقد الندوة، وحين استعلم عن مدى صحّة الخبر، قيل له إنّ التعليمات صدرت بذلك من مكتب الوزير.

حينئذ طلب الدكتور فرحات من مدير مكتب الوزير إبلاغه بأنّه قرر الاستقالة من رئاسة لجنة القانون ومن عضوية المجلس الأعلى للثقافة.

من الناحية العلمية لم يكن هناك جديد فيما قيل، فضلاً عن أنّ كلّ ما قيل عن خرائط ووثائق مردود عليه بخرائط ووثائق أخرى معارضة بقوة.

لكن أسوأ ما قيل كان اتّهام أصحاب الرأي الآخر بأنّهم مغرضون يروجون للأكاذيب لحسابات شخصية. رغم أنّ جل اعتمادهم على رصيد معتبر من الخرائط التى أثبتتها المراجع العلمية والمراكز البحثية الكبرى في الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا.

ناهيك عن أنّ نص المادة ١٥ من قانون البحار، الذي يتجاهله المؤيدون والمصفقون ــ صريح في تأييد ما ذهب إليه مجلس الدولة. من هذه الزاوية فإنّ الندوة لم تضف شيئاً إلى رصيد بحث الموضوع. وغاية ما يقال عنها أنّها ربما أضافت شيئاً إلى الرصيد الشخصي لوزير الثقافة.

إذا كانت حصيلة الندوة من الناحية الموضوعية صفراً. فبوسعنا أن نقول إنّها كانت بمثابة فرقعة (شو) إعلامي، يستدعي عدة أسئلة في مقدمتها ما يلي:

لماذا دخل الوزير بشخصه على الخط ودعا إلى عقد الندوة التي قررت لجنة القانون تأجيلها؟

ولماذا حشد لها أصحاب الرأي المؤيد وتجاهل الرأي الآخر؟

ولحساب من تمت العملية التي لم تخدم حتى وجهة نظر الدولة المصرية؟

وهل من اختصاص ومسئولية وزارة الثقافة أن تطبع كتاباً وثائقياً يؤيد وجهة نظر النظام في مصر، في حين أنّ تلك مهمة تدخل في صلب اهتمام مصلحة الاستعلامات؟

في الخبرة السعودية أنّ مندوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانوا يسجلون أسماء المتخلفين عن صلاة الفجر في المساجد، لمساءلتهم ولفت انتباههم.

وأخشى أن يكون البعض عندنا قد اقتبس الفكرة لتطبيقها في الساحة السياسية، بحيث تسجل أسماء المتخلفين عن أداء «واجب» التهليل في كلّ مناسبة (لا تستغرب ففي كوريا الشمالية أعدم مسئول لأنّه لم يصفق كما يجب أثناء خطبة ألقاها الرئيس)

 ــ وهي خلفية تدعوني إلى طرح السؤال الأخير التالي:

هل فعلها وزير الثقافة لكي يسجل اسمه في قائمة المبشرين بالحظوة ــ حتى لا يحسب عليه أنّه لم يصفق في المشهد بدوره كما يجب؟!

ارسال التعليق

Top