◄على عكس ما نجده في المعتقدات والتيارات الفكرية والفلسفية وغيرها التي تبيح لنفسها التورط في التجاهل والتعالم ونكران الحقّ وحرب الله بتشويه خلقه والإساءة إلى خُلقه. قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام/ 21). وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) (الكهف/ 57). وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة/ 22). وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الصف/ 7).
إنّ الإنسان لم يختر خلقه ووجوده ولا اسمه ولا المكان الذي وجد فيه ولا النِّعم التي يُنعَم بها ولا العديد من النقم التي تحل به وكلّ ما هو خارج عن إرادته واختياره، ولم يختر مستقبله في الدنيا ولا مآله بعد الموت ولا هو على بيّنة من ذلك، ينسى الماضي ويضعف أمام الحاضر ويعجز عن استشراف المستقبل ويجهل الغيب، أمام هذه الحال فالإنسان مفطور من فاطر السموات والأرض ببنية بشرية آدمية متفردة، عضوية ونفسية وعقلية واجتماعية، مادّية وروحية، ليس كمثلها شيء على وجه الأرض، قال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/ 14). وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين/ 4). فبنية البشر تخرج إلى الحياة الدنيا أضعف كائن وبعد فترة تصير أقوى مخلوق كائناً ما كان، لما نال الوجود الإنساني من التكريم والتفضيل داخل الكون اللّامتناهي صغراً وكبراً وعظمة من العظيم في الذات والصفات والأفعال، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم/ 54).
فالله القائم بالربوبية والمتفرد بالإلوهية والجدير بالعبودية في منتهى إيجابياتها، فالعبودية في الإسلام إلزام وعهد مقطوع بين العبد وخالقه لا ينقضي، إنّ روح الإسلام وجوهره وعلامته ومفتاحه شهادة "أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله"، إقرار بالتوحيد وتصديق برسالة خاتم الأنبياء والمرسلين حرّرا الإنسان تماماً من كلّ مظاهر الرقّ والاستعباد لطاغوت الإنسان والمادّة والوهم، وإقرار الخضوع والخنوع عقدياً وسلوكياً لله وحده، قال تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 163). وقال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام/ 19). وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف/110). وقال تعالى في حاجة عباده إلى شرعته ومنسكه: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (الحج/ 34). وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (فصلت/ 6). أمام الطبيعية التي استعبدت الإنسان ضُعفاً ورغبةً ورهبةً على مرّ التاريخ، وأمام استعباد الإنسان للإنسان، وأمام استعباد الهوى والخرافة والأسطورة والوهم الإنسان، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) (الفرقان/ 43). وقال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون/ 117). وقال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص/ 50).
جاءت شهادة التوحيد أحقّ وأوكد شهادات تحرير الإنسان، لأنّ إفراد الله بالوحدانية والإلوهية والربوبية وتخصيصه بالعبودية والإخلاص له، يحرّر المؤمن العابد ليس فقط من طاغوت البشر والحجر والوهم بل يمثل بحقّ الإيمان بعقيدة والتدين بدين جعل الحرّية والتحرّر من حيث المبادئ والوسائل والسُّبُل والغايات مَعْلَمًا أساسياً يتصاعد في أُفق الرقي العلمي والإيماني والحضاري تتميز به تعاليم القرآن الكريم، كتاب الإسلام معجزة الرسالة المحمّدية المحفوظ من كلّ مكروه.قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9).
كما يمثل التحرير الإسلامي ركناً رئيسياً في رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين. قال تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة/ 76). وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 104). وقال تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف/ 40). وقال تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (العنكبوت/ 17).
الإسلام رباط بين المخلوق والخالق لا ينفك وعروة وثقى لا تنفصل، فلا سبيل إلى الردّة بمبرر حرّية المعتقد، فيظلّ الإنسان مسلماً ويمسي كافراً، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256). وقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران/ 103). فلا سبيل مع الإسلام إلى الكفر أو الشرك أو النفاق والردّة، لأنّ الرباط غليظ لا ينكسر. قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 89). وقال تعالى في الشرك: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان/ 13). وقال تعالى في النفاق: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة/ 67).
وما دام الخالق الرازق أوجد الإنسان بروح وببدن ليس للإنسان أثر في ذلك، وما دام للروح مغذياتها وللبدن مغذياته في وضع مركّب معقّد متكامل من صنع صانع فوق الإنسان وفوق العالم الذي يعيش فيه الإنسان، الصانع أدرى بمصنوعاته وبما تحتاجه فشرّع الشرائع لحكم يعلمها هو والراسخون في العلم، حكم جمعت بين المبدأ والمعاد، بين عالم الدنيا والعالم الآخر، بين المادّة والروح، بين الديني والدنيوي، بين العبادة والمعاملة، بين الفرد والمجتمع، بين الأرض والسماء، بين الله والإنسان، بين الأعلى والأدنى، بين النص والواقع، بين جميع جوانب ومكونات حياة الإنسان في تناغم وانسجام وتكامل ووئام، المبتغى في ذلك تحقيق المشيئة الإلهية وتجسيدها على الأرض، وضمان الربوبية والإلوهية والوحدانية والعبودية لله وحده بكامل إيجابيتها على نحو تتحقق فيه الإيجابية على العبد وعلى أقرانه وبيئته وعلى معبوده وهو حميد غني عن العالمين، لا تنفعه طاعة ولا تضرّه معصية. قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (النساء/ 131). وقال تعالى: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (يونس/ 68). وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان/ 12). قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الزمر/ 7).
الإيجابية الشعائرية في الإسلام تقترن بالإيجابية الدينية والدنيوية عامّة، بل هي جزء منها، جزء من كلّ، وهي عدّة إيجابيات تراكمية نظرية وعملية بكثرة العبادات والمعاملات وسائر مبادرات المسلم طيلة حياته إلى غاية مماته، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71). وقال تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/ 162). وقال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157). وقال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة/ 112).
وفي الإسلام العبادة والمعاملة الحسنة وفعل الخير وطلبه والتضحية في سبيله كلّ ذلك من الشعائر الإسلامية الإيجابية، فالنية الطيّبة الخيّرة الصادقة شعيرة إيجابية، ومن همّ بسيئة ولم يفعلها ابتغاء وجه الله شعيرة إيجابية، والصلاة على وقتها شعيرة إيجابية، وأداء الزكاة شعيرة إيجابية، وصوم رمضان توبة وإيماناً واحتساباً وغفراناً شعيرة إيجابية، وشهر رمضان فرصة ومناسبة ومدرسة تمارس وفيها كلّ الشعائر الإيجابية فينجح الإيجابيون ويرسب غيرهم، وإتقان العمل شعيرة إيجابية، وإماطة الأذى عن الطريق شعيرة إيجابية، وكلّ عبادة أو معاملة المراد منها التقرّب إلى الله فهو شعيرة إيجابية، لأنّها تدفع ضرراً وتجلب نفعاً عاجلاً أم آجلاً. قال تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف/ 168). وقال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام/ 160). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/ 40). وقال تعالى: (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) (التغابن/ 17).
ما يتفرد به الإسلام ولا يوجد في غيره من الملل والنحل اعتبار النية في الفعل الإنساني، فالنيّة الخيّرة خيّر صاحبها تحقّق الفعل أو لم يتحّق في الواقع، والنيّة الشريرة عند دوامها شرير صاحبها وقع الفعل أو لم يقع في الواقع، وتبقى النيّة هي الأصل في الأعمال باعتبارها جهداً إنسانياً داخلياً يكون دوماً وراء الفعل في إيجابيته أو في سلبيته، فالعبادة في بدايتها الأولى تبدأ من النيّة والمعاملة في مصدرها الابتدائي تصدر من النيّة وأيّة شعيرة من الشعائر في منطلقها تنطلق من النيّة، وتكون النوايا في الإسلام خارج الشعائر إن كانت سيئة يسيطر عليها المكر والخبث والانتقام والتصميم على الشرّ والإصرار في الاستمرار عليه، وتدخل في سياق الشعائر الإسلامية سائر النوايا الطيّبة الخالصة في الخيرية وفي الإيجابية سواء ارتبطت بالبتّ في الأعمال وتنفيذها أو لم ترتبط بذلك، ويكفي المسلم الملتزم إيجابية وطيّبة وخيرية تغيير المنكر بقلبه إذا عجز عن تغييره باليد وباللّسان، ويكفي المسلم الملتزم إيجابية نيله الأجر والثواب من ربّه بمجرد تفكيره في الخير والقصد إليه دون أن يبلّغه الله إيّاه عملاً أو حتى قولاً. قال تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة/ 225). قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران/ 154).
وأكّد النبيّ (ص) في أكثر من حديث أنّ الأعمال بالنيّات وناوي الخير ومحبّه بإخلاص كفاعله. والإيمان في أصله ومنطلقه ما وقر في البصيرة وأيّده البصر، والعلم وعي ونظر يتحقق في الواقع بالعمل في دأب وديدان، وتكتمل الصورة عند المركّب الذي يجمع بين النظر والعمل وبين المادّة والروح وبين الفرد والجماعة وبين الدِّين والدنيا وبين الدنيا والآخرة وبين السياسة والأخلاق وبين الأعلى الأدنى وبين السماء والأرض. إنّ الجبلّة التي جُبل عليها الإنسان، وصبغة الله فيه التي لا تتبدل ولا تتحوّل بتحوّل الإنسان في الزمان والمكان، قال تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 62). وقال تعالى: (اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا) (فاطر/ 43). وقال تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) (الفتح/ 23). وقال تعالى: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة/ 138).
إنّ أبرز ما في الفطرة الإنسانية توجُّهُ الإنسان الطبيعي الفطري نحو الخير ونفوره الفطري من الشرّ، وفي هذا المنحى الطبيعي تقوم الإيجابية باعتبارها فطرة في الأساس والمنطلق والمنبع والمسار والمصب، تجري الفطرة الإيجابية في الوجدان الإنساني وفي روحانيته، وتتجلّى في السلوك وتتأكّد في القرآن الكريم بياناً ووصفاً، فالإنسان يثني على أدائه الشعائر في العبادات وفي المعاملات ويطمئنّ لذلك من خلال مونولوغ ذاتي داخلي تحركه النفس المطمئنة، فينطلق محققاً فطرة التوحيد ومثبتاً قطعاً وجزماً الوحدانية الإلوهية والربوبية لله وحده دون غيره، وهو يذم ويقدح في شخصه ضمن محاورة داخلية تضطلع بها النفس اللّوامة إهماله لواجباته نحو وجوده الفردي والاجتماعي والأُمّمي والإنساني، ونحو خالقه الذي بيده كلّ شيء في عالم الحياة وفي عالم ما بعد الموت، وكذلك عند الضعف والزلل وارتكاب الجرائم عندما تتحرك النفس الأمارة بالسوء، إذ تنبري الذات لنفسها فيطالها الندم والبكاء وتتجّه صوب التوبة، وفي هذا أوبة إيجابية في اتّجاه الإيجابية والخيرية والفاضلية التي هي فطرة الإنسان وليست دخيلة على الوجود الإنساني، ويستمر الصراع وتكون الغلبة دوماً عند ذي العقل الراجح والتربية السليمة والضمير الحيّ النبيل للإيجابية المؤدية إلى الاطمئنان للشعائر الإيجابية في العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق وسائر الآداب، الشعائر الإسلامية الدينية والدنيوية، المادّية والروحية، الإيجابية التي تضمن التزوّد بالرضا على الأنا الذي هو مفتاح الأمان والسكون والارتياح والطمأنينة في العالم الذاتي الفردي عند الخلوة وفي غيرها، وتُحقق هذه الشعائر شروط ولوازم الاستقامة في الفكر والاعتدال في السلوك وتؤسس للروابط الاجتماعية والإنسانية الإيجابية من تواصل وحوار وتعايش وتسامح تضمن التزوّد بمستلزمات الرضا المتبادل بين الناس المبني على القناعة الذاتية بصدق النيّة وصلابة الأساس وقوّة المصدر وسلامة المنهج واستقامة النظر والعمل وعلو الهمّة والشأن والمنزلة عند العليّ القدير. من مميزات الإسلام ومن إيجابيته فيه العبادة والصلاة مثلاً، شعيرة إيجابية، وطلب العلم فريضة على المسلم والمسلمة وهو شعيرة إيجابية، وفلاحة الأرض ورعي الأنعام واستخراج النفط والمتاجرة به كلّ هذا شعائر إيجابية تتساوى في خيريتها وإيجابيتها، ففي الإسلام الدِّين المعاملة، ولا رهبانية في الإسلام، والإسلام دين ودولة، هذه الإيجابية الفطرية في العبادة والمعاملة، في الدِّين والدنيا تقتضيها الحياة ويتطلبها التوازن المطلوب في الحياة، حيث لا قوامة للوجود الإنساني في الحياة في غياب الضروريات من أمن وغذاء وهواء وإيواء وكساء، ولا يستقر التواصل بين العبد وخالقه في غياب استقرار الوجود الإنساني، فالقوامة الإيمانية التعبدية تشترط القوامة الوجودية الحسية والاجتماعية الإنسانية، والقوامة الوجودية الإنسانية تشترط الحركة الفكرية بحثاً وعلماً وثقافةً والحركة المادّية تغييراً وإنتاجاً وصناعةً وتأثيراً في الطبيعة الخارجية استغلالاً واستثماراً لثرواتها في خدمة مصالح الإنسان، كلّ هذا في إطار الحراك الإنساني الفردي والاجتماعي نحو الإقلاع والاستئناف الحضاريين بعيداً عن السكون والضعف والتخلّف والانحطاط، وهي مظاهر السلبية التي تتنافى مع الإيجابية الإسلامية في العقيدة والشريعة والأخلاق والآداب وفي سائر جوانب الحياة. قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/ 45). وقال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم/ 30). وقال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) (الحج/ 41). وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/ 105).
فالسعي الإنساني على الأرض حقيق بإيجابية أودعها الله في الإنسان روحاً وعقلاً واجتماعاً ومادّة في كيانه المتفرد وفي محيطه، بها اضطلع بمهام التسخير والتحويل والاستغلال، فأنشأ عالماً من الأفكار والأشياء أضافه إلى عالم الطبيعة هو عالم الإبداع والثقافة والحضارة. تمثّل الحركة في الفكر والسلوك في التوجّه إلى الدنيا أو في الاتّجاه صوب العالم الآخر أصلاً ثابتاً وراسخاً من أصول الإيجابية، حركة الذات شعوراً وفكراً وسلوكاً عاماً، وحركة الوجود الطبيعي استغلالاً واستثماراً وتسخيراً، وحركة الوجود الإنساني الاجتماعي والفردي اجتهاداً وتغييراً وتوازناً وحضارةً، وكلّ هذا يجري في إطار السنّن الكونية الإلهية يتوق إلى الالتحام بها ويعمل على موائمتها ويسعى إلى التمرد عن كلّ ما لا يوافقها، لأنّ اعتبارها ضمان للإيجابية الإيمانية وللإيجابية الشرعية وللإيجابية العقدية وللإيجابية الأخلاقية، وكلّ هذا مصدره الحركة الإيجابية العلوية التي أودعها الله في مخلوقاته. قال تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال/ 26). وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج/ 65). وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة/ 164). قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) (إبراهيم/ 32-33).
إنّ أصل الإيجابية الإسلامية الإيجابية العقدية الإيمانية الدينية الراسخة في الإسلام والراسخ فيها، إيجابية الفطرة وإيجابية التوحيد، إيجابية الوحدانية والإلوهية والربوبية لله وحده، لا شريك له في الذات والصفات والأفعال، إيمان بعقائد مؤكدة عقلاً ومنطقاً وتاريخاً ووجوداً، تبعث على العلم واليقين لا على الشك والريبة، وعلى الاطمئنان والسكون لا على القلق والتوتر، وعلى الحركة والاجتهاد والإبداع، لا على الجمود والتقليد والاتباع، إيجابية منطلقها التوحيد، ولباسها التقوى، ومسارها الاجتهاد وبذل الوسع في الخير، وحُللها مكارم الأخلاق من تواد وتراحم وتعاطف وتعاون وتكافل وتضامن، ومنتهاها بلوغ الخلافة على الأرض كلّ في مستواه، وبلوغ الثبات على الحقّ والصدق مع الأنا ومع الغير، ونيل رضوان الله في الدنيا والآخرة والظفر بالإيجابية الإسلامية التي هي روح الإسلام وجوهره في العقائد والشرائع وسائر الآداب والأخلاق. قال سبحانه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11). وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال/ 53). وقال تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى) (النجم/ 39-41).►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق