• ١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المرأة ونماذجها في القرآن الكريم

زهراء الشبيب

المرأة ونماذجها في القرآن الكريم

لقد طرح القرآن الكريم المرأة من خلال نماذج كثيرة منها ما هو صريح، ومنها ما هو من باب الاشارة، يمثل كل نموذج منها تطبيقا لأهم قضايا الإنسان من خلال شخصية المرأة، وهي النماذج القرآنية التي تناولت هذا الموضوع، نتناولها بتسليط الضوء عليها :
الأوّل: زوجة آدم (حواء) من خلال قوله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا...) (البقرة/ 35).
الثاني والثالث: امرأتا نوح ولوط من خلال قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا...) (التحريم/ 10).
الرابع: زوجة إبراهيم الأولى (سارة): من خلال قوله تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا...) (هود/ 72).
الخامس: زوجة إبراهيم الثانية (هاجر): من خلال قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ...) (إبراهيم/ 37).
السادس: أُم موسى: من خلال قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ...) (القصص/ 10).
السابع: اخت موسى (كلثم): من خلال قوله تعالى: (وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص/ 11).
الثامن: زوجة موسى (صفوريا أو صفيراء): من خلال قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ...) (القصص/ 27).
التاسع: زوجة فرعون (آسية بنت مزاحم): من خلال قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ...) (التحريم/ 11).
العاشر: ملكة سبأ (بلقيس) من خلال قوله تعالى: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل/ 23).
الحادي عشر: زوجة عزيز مصر (زليخا): من خلال قوله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ...) (يوسف/ 23).
الثاني عشر: امرأة عمران (حَنّة): من خلال قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا...) (آل عمران/ 35).
الثالث عشر: ابنة عمران (مريم): من خلال قوله تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا...) (التحريم/ 12).
الرابع عشر: ابنتا شعيب (ع): من خلال قوله تعالى: (.. وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ...) (القصص/ 23).
الخامس عشر: زوجة زكريا (اليصابات) وهي خالة مريم: من خلال قوله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/ 90).
السادس عشر: بعض أزواج النبي (عائشة وحفصة) كما في اجماع المفسرين: من خلال قوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ...)، (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ...) (التحريم/ 3 و4).
السابع عشر:زينب بنت خزيمة (أُم المساكين): من خلال قوله تعالى: (.. وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا...) (الأحزاب/ 50).
الثامن عشر: زوجة زيد بن حارثة (زينب بنت جحش): من خلال قوله تعالى: (.. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا...) (الأحزاب/ 37).
التاسع عشر: زوجة أبي لهب من خلال قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (المسد/ 4-5).
العشرون: خولة بنت ثعلبة التي جادلت الرسول في زوجها من خلال قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ...) (المجادلة/ 1).
الحادي والعشرون: فاطمة بنت محمد: من خلال قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ...) (آل عمران/ 61).
الثاني والعشرون: عائشة أو مارية القبطية على بعض الروايات: من خلال قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ...) (النور/ 11).
وهذه نبذة مختصرة عن النموذج القرآني حواء(ع):
حواء (ع): زوجة ناجحة، وعاطفة نبيلة، وموقف ثابت
لم تكن في الجنة مشكلة أُسريّة بينها وبين زوجها الذي خُلِقت من نفسه (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا...) (الروم/ 21)، لا من ظلعه كما تقول الروايات الإسرائيلية، بل كانت حياتهما مرفّهة ورغيدة؛ وذلك لأن كلّ شيء موفّرٌ إليهما، ولا أحدَ غيرُهما يُنازعهما الرفاهية والهناءة، أو يزعج هذه المشيئة إلاّ ما دلاهما عليه الشيطان بغُرُور (فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عنها) (البقرة/ 36). لا كما تدعي التوراة المحرَّفة من أنّ المرأة هي مصدر الشّر وهي العنصر المتهم بذلك والمبتديء به حتى اشتهر ذلك مثلاً على لسان العرب الكافر انطلاقاً من هذه الثقافة.
كان مصيرها (ع) مصيرَ زوجها آدم في السَّراء والضَّراء؛ وكانت ترى أنّها مطلوب منها أن تأخذ بالنصح الإلهي لها ولزوجها في الجنّة، شاركته فيما جرى لهما بعد ذلك فيها، وفي الهبوط منها بأمر الله، والندم والتوبة ممّا صدر منهما، والعيش في الأرض، تلقّي كلمات الله وهداه، والرجوع من خلال هذا الهدى باختيارها واختيار الخليفة آدم الذي اختاره الله وفضَّله لذلك وتبعيتُها ومشاركتُها له (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 38).
إنّها كانت نموذجاً لحياة السَّكن والإستقرار مع زوجها، والتزام الهدى الإلهي بإخلاص، وطرازاً فريداً في المعيّة المتواددة المتراحمة، وأوّل ريحانة على وجه الأرض، لم تتخلّف في طريق الهدى وهو يُعرَض عليها وعلى زوجها. تجاهد بوعي تامّ أمام إغواء إبليس وعداوته التي كانت له في نفسها بقدر حرمانها من رغيد عيش الجنَّة وحياة الزوجية الهانئة فيها، ولهذا ما كان لإبليس أمام هذا الكمّ والنوع الكبير من العداوة في نفسها ونفس زوجها إلا أن يَيأس منها ومن زوجها، ويذهب للتهديد باحتناك ذريّتهما – الإستيلاء عليهم واستئصالهم بالإغواء – التي ما عاشت التجسيد لقضية الحرمان مثلما عاشاها.
أنا متأكدة أنّ عواطف الأُمّ حواء على ذراريها وهي تعلم أنّهم سيعانون من الإحتناك الشيطاني الطويل بطول فترة إنظار هذا الأخير لَهيَ عواطفُ لا تَقلّ عن الإحساس بمرارة حرمانها هي، فماذا عسى الأبناء أن يعملوا لبرِّها وبرِّ عاطفتها هذه إلّا أن يقتدوا بها في ذات الوعي في فهم العداوة والحسد الشيطاني، واتخاذ ذات الموقف منهما.

- من وجدانيات الأُم حواء:
إيه أيّها الشيطان إنَّك إن حرمتنا من لذائذ الجنة وغيَّبت عن نواظرنا مناظرها الجميلة ومرابعها الخميلة، وصمَّمتَ أن تغوي أبناءنا وتسلك بهم ذات الطريق الذي سلكته معنا، فأنا أقول لك: إنّ آدم تلقّى من ربّه كلمات فتاب عليه وهو التواب الرحيم، واصطفاه والخيَرةَ من ذريَّته وكرَّمه على العالمين، وأنزل الله علينا لباساً لا تستطيع أنت ولا وساوسُك ان تنتزعه عنّا ألا وهو لباسُ التقوى (.. وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ...) (الأعراف/ 26)، ورزقنا التوبة الصادقة، وأنا معه على الخطى والأثر، وأقول لك على لسان آدم وكلِّ النبيين من أبنائنا وعلى لسان كلِّ النبيين من أبنائنا وعلى كلِّ أبنائنا المخلصين: إنّ من يتَّبعك من ذرارينا فهو عمل غير صالح، ولا نخاطب الله فيه وفي الذين ظلموا ويظلمون أنفسهم باتّباعك، وإعلم إنّ الهدى الذي جاءَنا لا يُقاس بالإغواء الذي تغتال به من اتبعك من الغاوين، وإنّا نقول لك على لسان بناتنا الصابرات: فكد كيدَك، واسعَ سعيَك، وناصب جهدَك، فوالله لا تمحو ذكرَنا، ولا تُميتُ وحيَنا، ولا تدرك أمدَنا، ولا تَرحَضُ عنك عارَها، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيامُك إلا عدد، وجمعُك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنةُ الله على الظالمين.
نعم لقد كشفت أيها الشيطان عن كل الخطط والخيوط التي في جُعبتك، ولقد دوَّنَتها السماءُ وستدوِّنُها في صحائف أهل الله عَبر وحي الله إلى الأنبياء، وقصَصتُها أنا وزوجي آدم لكل أبنائنا، وقصصنا كل الملحقات التي لحقتَنا بها في الأرض، وتركنا هذا الميراث والهدى في جملة ما تركناه وما أورثناه إلى الأبناء، ليرجعوا من خلاله إلى وسائل النجاة والخلاص منك ومن حيَلك.
كلّ هذا إليكم أيّها الأبناء فتقبّلوه من أُمِّكم حوّاء التي ترجو منكم السير على خطّ الآباء من الأنبياء (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/ 23).


المصدر: كتاب مجلة الرياحين

ارسال التعليق

Top