إنّ ثقافة الصورة وتأثيراتها دخلت كلّ مجالات الحياة البشرية، فقد كسرت الصورة حاجز التلقي لدى الأميين، وأصبح بإمكانهم مشاهدة ومتابعة ما تعرضه الفضائيات، ولن يعد ذلك حكراً على الأغنياء، بل تتوفر اليوم أجهزة الاستلام، وبأسعار زهيدة، بإمكان معظم الناس اقتنائها، كما يشاهد الفضائيات الصغير والكبير، مما يعني سعة تأثيرها، فاليوم لا يحتاج المتلقي إلى معرفة اللغة أو امتلاكه مستوى وعي ثقافي معيّن لمتابعة المواد عبر التلفزيون، فقد راح عصر النخبة، رغم أنّها لم تفقد دورها القيادي، فهي التي عليها أن ترسم وتخطط. وبدون ذلك سنفقد البوصلة، "إنّ الصورة عبر وسائل الاتصال الحديثة قد قلّبت تماماً دور المجتمع عامة والأسرة خاصة، واغتصبت الذات، وانتهكت الحرمات الخصوصية علناً جهاراً نهاراً ودون أيّة علامات استفهام لهذا الواقع الذي يعرض علينا، ومساءلة علاقته بالواقع الذي نعيشه. نحن بأمسّ الحاجة إلى تلفزيون عربي ذي برامج تساعد على التنشئة الاجتماعية والتربوية؛ لأجل تربية الناشئة العربية على الالتزام، وأن نبتعد عن التطبيع والانكشاف حيث القبول بكشف كلّ عوراتنا، وإنهاء هذه الظواهر الناشئة عن تأثير وسائل الاتصال الحديثة كالتحوّل في القيم، والتطبيع مع العنف، والخنوع والإذلال"[1].
إنّ الحديث عن القنوات الفضائية يجرنا إلى الحديث عن الانعكاسات السلبية لها، وكثيراً ما ننسى أنّ هذه الثورة قد شجعت القطاعات الثقافية على النموّ بما قلّص من المسافات بين الشعوب والمجموعات، ولعبت دوراً في تربية الأفراد وتنمية قدراتهم ومداركهم ومعارفهم، كما لعبت دوراً في ديناميكية المجتمع "فلسنا وحدنا مَن سوف تقع عليه هذه التحولات، فالمجتمعات جميعها في مرحلة ثقافة الصورة هي الغازية والمغزوة في اللحظة ذاتها"[2]. باختصار لقد دخلت الصورة في صميم التكوين النفسي والعقلي للمجتمع. كما أنّ للصورة تأثيرات فكرية واقتصادية ناهيك عن الثقافة.
ويمكن تحديد التأثيرات المفترضة لثقافة الصورة على السلوك البشري، استناداً إلى خلاصة ما توصلت إليه دراسات أكاديمية حول الاتصال الجماهيري[3]:
1- المؤالفة: حيث يسهم الإعلام المرئي في احتواء الفرد داخل إطار اجتماعي محدد، ويفرض عليه بمرور الوقت الاستجابة لمتطلباته.
2- السيطرة الاجتماعية: ويلعب الإعلام بطريقة ما في إعادة إنتاج للنظام الاجتماعي القائم، عن طريق إثارة احتجاجات مستمرة تجاه النظر للأشياء كما هي، وينسحب ذلك على السلوك القانوني، والنظرة السياسية.
3- إعداد الأجندة: وهو هدف غير مباشر، مبني على فكرة أنّ الإعلام عموماً والمرئي منه خصوصاً يحدد النظرات حيال الحوادث والموضوعات التي تستحق الاهتمام.
4- المخاوف الأخلاقية: وهي تأثيرات نابعة من كون الإعلام ممثلاً لجماعة فرعية أو ثقافة فرعية بوصفها خطرة أو شاذة.
5- التبدّل السلوكي: ويحدث هذا التبدل كنتيجة مباشرة للتعبئة الفاضحة أو كنتيجة للتناوب الناجح بطريقة تدفع الناس للتفكير في موضوعات محددة لتهيئتهم للتصرف بحسب أفكارهم ونظراتهم الجديدة.
كما يمكن الإشارة إلى بعض الملامح الناتجة عن التطورات التكنولوجية في عصر الصورة، تلك التي يراها البعض منها ما يعد من سلبيات الصورة:
سلبيات الصورة[4]:
للصورة أهميتها التربوية والتعليمية، وفي عالم الاتصال الإعلام والإعلان، والفنون السمعية البصرية، ومع ذلك فالسلبيات عديدة ولافتة:
· هيمنة الواقع الافتراضي، مما قد يؤدي إلى الإدمان، كما في حالة بعض الألعاب المسلية.
· هيمنة ثقافة المظهر والشكل والإبهار والاستعراض على حساب ثقافة الجوهر والمضمون والقيمة والعمق، حيث تتحول الصورة إلى واقع بدلاً عن أن تعكس الواقع.
· هيمنة الصورة في حالتها السلبية، يعد معاكساً للإبداع، وما أحوجنا إليه في حياتنا اليومية، وذلك نظراً لهيمنة ثقافة الكثرة والنقل والمحاكاة عن غيرنا.
· هيمنة ثقافة صناعة النجوم، وما يستتبعها من أساليب غير أخلاقية.
· توليد حالة من الإجبار العقلي أو (غسيل المخ)، بعض الأنظمة يمكنها توليد الأثر النفسي الفاعل (على الجانب الآخر استخدمه الأطباء النفسيين في العلاج من الفوبيا أو الخوف اللاإرادي).
ما يعرف بجرائم الصورة (جرائم الإنترنت)، وهي تقوم على الخداع، واستخدام الصور المزيفة، أو حتى الحقيقية للإيقاع بالضحية.
وقد نخلص إلى أنّ "ثقافة الصورة" التي تقوم في جوهرها على الجديد والخيال وتنشيط الإبداع، تحولت إلى تخوف من هيمنة ثقافة التكرار واللاإبداع.
الهوامش:
[1]- علم النفس الاجتماعي، باسم محمّد ولي ومحمّد جاسم العبيدي: ص431.
[2]- محمّد جاسم ولي، الصورة وتأثيراتها النفسية، والتربوية، والاجتماعية والسياسية، جامعة بغداد – مركز البحوث التربوية النفسية، بحث مقدم لجامعة فيلادلفيا الأردن – عمان، ص13.
[3]- فؤاد إبراهيم، ثقافة الصورة.. التحدي والاستجابة، وعي الصورة.. صورة الوعي، بحث مقدم إلى جامعة فيلادلفيا، الأردن – عمان، 2007م، ص22.
[4]- السيد نجم، بحث بعنوان "الأدب في عصر الصورة الإلكترونية"، الصورة وواقع الأدب الافتراضي، مقدم إلى جامعة فيلادلفيا، الأردن – عمان، 2007م، ص4.
المصدر: كتاب الإعلام وبناء الأسرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق