والأساليب الفعّالة في إدارة الأزمة هي تصرفات حسنة تمكن الأسرة من مواجهة الحادث الضاغط، والتغلب على ما فيه من صعوبات، وحمل ما يرتبط به من مشكلات، أو تمكنها من التعايش مع الحادث، وتحمله والصبر عليه، والرضا بقضاء الله وقدره، فيذهب عنها التأزم، ويعود إليها التوازن والاستقرار. بعد الحادث الضاغط أو الأزمة (Davideon & Moare, 1992).
أمّا الأساليب غير الفعّالة في إدارة الأزمة في الأسرة فهي تصرفات سيئة، فيها سخط واعتراض على الحادث، أو استسلام وانهزام أمامه، أو يأس وجزع وشعور بالذنب، ولوم للذات والناس والقدر، وجميعها عمليات أو إجراءات لا تساعد على مواجهة الحاديث، ولا التعايش معه بقدر ما تزيد الانفعال بالأزمة، واستمرار الإحساس بها.
ولا تتأزم الأسرة التي تدير أحداثها بأساليب فعّالة إلا إذا كانت هذه الأحداث قوية وشديدة، تخرج عن نطاق قدرة الإنسان العادي على تحملها، وفيها تهديد حقيقي لوجود الأسرة أو وجود أحد أفرادها، أو تسلبها شيئاً أو شخصاً عزيزاً، أو تحرمها من أشياء أساسية في حياتها، أو تؤذيها في عرضها أو مالها أو دينها. وعادة تضطرب هذه الأسرة من هذه الأحداث اضطراباً طبيعيّاً مباشراً وفق ما في الحدث من تهديد وضغوط وحرمان وإحباط لأفراد الأسرة.
ويسمى الدليل الأمريكي لتشخيص الاضطرابات النفسية المراجعة الرابعة (DSM IV) هذا الاضطراب "اضطراب التأزم الحاد" Acute stress disorder، وهو اضطراب طبيعي في الأزمات، ينتهي خلال شهر على الأكثر من حدوث الأزمة، وتختفي أعراضه إما بمواجهة الحادث وحل المشكلة، أو التعايش مع الحادث والرضا به، والتعامل معه كحدث عادي.
أما الأسرة التي تدير أزماتها بأساليب غير فعّالة، فإنّها قد تتأزم من الأحداث العادية البسيطة، التي لا تتأزم منها معظم الأسر، وتتأزم كثيراً من الأحداث الضاغطة التي فيها تهديد حقيقي، وتدرك هذه الأحداث مصائب أو كوارث أو أحداث صدمية Traumatic events، ويتحول شعور أفرادها بالأزمة إلى شعور بالصدمة، ويستمر تأزمهم بها لأكثر من شهر، ويعانون – جميعهم أو بعضهم – من أعراض اضطرابات الضغوط التالية للصدمة (PTSD) التي منها صعوبات النوم، وفقدان الشهية للأكل والتهيج وانفجارات الغضب، وعدم القدرة على التركيز، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالرعب والهلع والفزع، وغيرها من المشاعر المؤلمة التي قد تؤدي إلى الانتحار أو العنف الأسري. أو الاضطرابات النفسية والعقلية أو الموت بالسكتة القلبية.
وقد تظهر الأعراض التالية للصدمة في صورة أمراض جسمية يعاني منها بعض أفراد الأسرة تسمى أمراضاً سيكوسومائية، وهي أمراض جسمية أسبابها نفسية، ناتجة عن التأزم الأسري. من هذه الأمراض: الصداع، وارتفاع ضغط الدم، وقرحة المعدة، وأمراض القلب، وأمراض الحساسية، والأمراض الجلدية وغيرها من الأمراض التي قد تصبح أمراضاً مزمنة في الأسرة.
عوامل الإدارة الفعّالة للأزمات الأسرية:
نخلص من مناقشة إدارة الأزمات الأسرية إلى أنّ تأزم أفراد الأسرة الشديد ولمدة طويلة يسبب لهم الكثير من الاضطرابات النفسية والأمراض الجسمية والانحرافات السلوكية، وقد يكون سبباً في شقائهم في الحياة. وإذا كانت كلّ أسرة لا تستطيع حماية نفسها من مصادر التأزم جميعها، فإنّ كلّ أسرة تستطيع حماية نفسها من التأزم الشديد، وحماية أفرادها من الأعراض التالية للصدمة، وذلك بإدارة الأزمات بأساليب فعّالة، تخفف التأزم، وتحل المشكلة، أو تجعل أفراد الأسرة قادرين على التعايش مع الأزمنة التي لا حل لها، كما في أزمات الموت والمرض المزمن والإعاقة وغيرها من الأحداث، التي يكون حلها في التعايش معها، وتحملها والرضا بها. وتقوم الإدارة الفعّالة للأزمات الأسرية على الآتي:
1- نضج شخصية كلّ من الزوجين أو الوالدين: فالزوجان أو الوالدان مسؤولان عن إدارة الأزمة والتعامل معها، فإذا كان كلُّ منهما قادراً على تحمل المسؤولية، وضبط نفسه عند الغضب، وعنده ثقة بنفسه وبالزوج الآخر، فسوف يدير الأزمة بأساليب فعّالة فيها تحمل ومواجهة.
2- العلاقات الأسرية القوية: فالأسرة المتماسكة المترابطة تواجه الأحداث الضاغطة بأساليب فعّالة، ويساند أفرادها بعضهم بعضاً، ويتعاونون معاً في مواجهة الأزمة، ويتعاملون كجماعة مع الأحداث الضاغطة، فتزداد قدراتهم على التحمل والمثابرة في المواجهة ولا يتأزمون بشدة.
3- الالتزام بالإسلام: فالأسرة التي يلتزم أفرادها – لا سيّما الزوجان أو الوالدان – بالإسلام قولاً وعملاً، يصبرون ويحتسبون في الأزمات، ويتعاملون معها بأساليب فعّالة، تجعلهم قادرين على تحمل الضغط إبتغاء مرضاة الله، الذي وعد الصابرين بالأجر العظيم.
4- حجم الأسرة: فالأسرة صغيرة الحجم أفضل من الأسرة كبيرة الحجم في العلاقات الأسرية القوية التي تعطي دعماً نفسياً لأفراد الأسرة في مواجهة الأزمات وتحمل النكبات.
5- المساندة الاجتماعية: فالأسر التي تحصل على مساندة اجتماعية مادية أو معنوية من الأقارب والأصدقاء والجيران تتحمل الأحداث الضاغطة، وتصبر عليها، وتتعامل معها بأساليب فعّالة، فلا تتأزم كثيراً من هذه الأحداث.
6- الإرشاد الأسري: فالأسر التي تحصل على الإرشاد الأسري في مواقف الضغوط النفسية والأزمات، تدركها على حقيقتها، وتتعامل معها بأساليب فعّالة تساعدها في التغلب عليها أو التعايش معها والرضا بها. فالإرشاد الأسري يساعد الأسرة المتأزمة على فهم الأزمة، وتسخير كلّ طاقاتها وقدراتها في مواجهة المشكلة، أو التعايش معها إذا تعذر حلها. فالتعايش مع المشكلة أو الأزمة أسلوب فعّال في إدارة الأزمة، التي لا حل لها إلا بالرضا بها، لأنها بقضاء الله وقدره.
المصدر: كتاب الأسرة والتوافق الأسري
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق