• ١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

دور الصوم في بناء الشخصية الإسلامية

العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله

دور الصوم في بناء الشخصية الإسلامية
◄اعتاد المسلمون أن يحتفلوا في كل عام بقدوم شهر رمضان، وبطريقة مميزة، لأنّه شهر الصوم، في ما يمثِّله الصوم من معنى الفريضة العبادية، التي تستلزم تغييراً في النظام الغذائي اليومي، وفي الممارسات العملية التي يستجيب فيها لشهواته وملذّاته في ما يفعله وفي ما يتركه منها، وفي الأجواء الروحية الداخلية التي يمكن أن يعيشها من خلال هذه الفريضة.. وإذا كانت التقاليد الشعبية تتحرّك في حياة الناس من حدث طارئ أو موقف معيّن، فإنّ هذه الفريضة قد تحرَّكت في الطريق إلى خلق تقاليد شعبية جديدة في أسلوب ممارساتهم للحياة الإجتماعية الخاصّة والعامّة.. حتى صارت جزءاً من شخصية هذا الشهر في ما تتميز به الأزمنة من الملامح الشخصية.
ولا نريد أن نفيض في هذا الحديث عن طبيعة هذه التقاليد في نطاقها السلبي والإيجابي في ما استطاعت معه أن تغني التجربة، أو تفقدها معناها، لأنّنا نعرف أنّ للتقاليد في حياة الأُمم، وفي حركة القضايا، سلبياتها التي تجمد المعنى في عمق الواقع، وإيجابياتها التي تُركِّز في امتداد الزمن.. ولسنا هنا في بحث عن ذلك كلّه، لأنّه لا يتصل بالغاية التي نريد أن نثير فيها الحديث.
إنّ ما نحاول إثارته هنا هو الجواب عن سؤال محدَّد: كيف يمكن تحريك الدور الفاعل لهذا الشهر في حركة الشخصية الإسلامية؟ لأنّنا في هذه اليقظة الإسلامية الجديدة التي تطفو على سطح التيار، نحاول تعميق المشاعر الروحية والأفكار الواقعية لها، حتى لا تتحوّل إلى ظاهرة عابرة في حركة الواقع، بل تبقى عنصراً ثابتاً من عناصر الدفع المستقبلي نحو النمو والتقدُّم والتجدُّد المستمر.
أمّا الإجابة على هذا السؤال، فقد تتحدَّد في العمل على تحريك نقاط ثلاث: النقطة الأُولى: دور الصوم في تنمية الشخصية الإسلامية
عند التوقف أمام هذه الفريضة نجد أنّها تمثِّل في تكوينها الماديّ – إنْ صحّ التعبير – الإمساك عن الطعام والشراب وبعض الملذّات الخاصة، وتمثِّل في مدلولها الروحيّ، العمل الذي يأتي به الإنسان متقرِّباً إلى الله، في ما تعنيه عبادية العمل من إنطلاقة من معنى التقرُّب به إلى الله.
فإذا وحَّدنا بين الجانب المادي والروحي، كانت النتائج الحاسمة: يقظة روحية متحرِّكة في داخل الإرادة، وإرادة ثابتة قويّة في حركة الروح، ما يوحي للإنسان بالمراقبة الدائمة لخطواته العملية، ومشاعره الذاتية وأفكاره الخاصة، من خلال ما تحققه المراقبة اليومية في مسألة الملذّات العادية التي يريد أن يحفظ نفسه من ممارستها، فإنّ الإلتزام بالكفّ عنها على أساس هدف القرب من الله، يُعمِّق في الذات بشكل متحرِّك معنى القرب من الله كعنصر أساس من العناصر الحيّة من غايات الإنسان في الحياة، وهو ما ينعكس إيجابياً على كل جوانب شخصيته الأخرى في الفكر والشعور والعمل.. لأنّ القاعدة الثابتة واحدة في ذلك كلّه، فالإنسان لا يمكن أن يحقِّق القرب من الله في حياته إلا إذا تحوَّل كيانه إلى حركة دائبة شاملة في هذا الإتجاه في جميع المجالات العملية التي يستهدفها في الحياة.
وهذا ما تعمل التربية الإسلامية الهادفة على تحقيقه في عملية تدريب الإنسان المسلم، عندما توجَّه كلّ إهتماماته نحو الله، بإعتبار أنّه غاية الغايات، فلا يتحرّك الإنسان إلا من خلاله، على أساس الشعور الحميم العميق بالخوف منه أو المحبّة له.. وهذا هو معنى العبودية في ما تعنيه من الخضوع المطلق لله، في كل منطلقاته وتطلعاته، وذلك هو سرّ التوحيد الإسلامي الذي يُمثِّل وحدة الدرب والهدف من خلال وحدة الخالق في ما توحيه لنا الآية الكريمة: (إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون) (فصِّلت/ 30).
والآية الكريمة: (قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين) (الأنعام/ 162-163).
وقد يستطيع الصوم، في مدلوله الإنساني، أن يُحرِّك الجانب الإجتماعي في شخصية الإنسان المسلم، وذلك من خلال بعض المشاعر الذاتية التي يعيش فيها الشعور بالجوع والحرمان في ظروف إقتصادية صعبة، ليُثير في نفسه الإحساس بالمسؤولية في الخروج من هذا الواقع الذي يفرضُ مثل هذه المشكلات والآلام، فيتحرّك تبعاً لذلك، من أجل المواجهة العملية للواقع، بالجهد الفردي تارة، أو بالجهد الجماعي تارة أخرى، أو بالتحرُّك السياسي المتجه نحو التغيير في حالة ثالثة.
وقد يثير الصوم مشاعر الإنسان في الأجواء الروحية نحو أُفق أبعد، فينتقل من الشعور بالجوع والحرمان إلى ما ينتظره في يوم القيامة من جوع وعطش، عندما يطول وقوفه بين يدي الله على أساس الأعمال المنحرفة التي تنتظر من خلالها الحسابات الدقيقة الطويلة، فيعمل في الدنيا ليخفف عن نفسه هذا الموقف الطويل، لما يتراجع فيه من خطوات، وما يصحح من أخطاء، وما يتحرّك نحوه من مشاريع وأهداف، وهذا ما عالجه رسول الله (ص) في بداية خطبته التي استقبل بها شهر رمضان المبارك: "واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه"، وهكذا نجد في الصوم مجالاً واسعاً للإنطلاق إلى آفاق متنوعة واسعة في ما يريد الله للإنسان أن يعيشه من آفاق الخير والتقوى والصلاح. النقطة الثانية: دور قراءة القرآن
حيث إنّ النصوص الدينية تؤكِّد إستحباب قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر، فيمكن للإنسان أن يستفيد من الجو الروحي المتحرِّك مع الجو القرآني، وأن يُحرِّك في داخله الحيوية والإنفتاح والإمتداد، لأنّ قراءة القرآن قد تختلف في تأثيرها على النفس، تبعاً لإختلاف الجو الذي تعيش فيه القراءة.
إنّ جو قراءة القرآن في شهر رمضان في لياليه وأيامه، حيث يرتفع بالإنسان إلى روحية عالية بأجوائها.. فإذا أضفنا إلى ذلك الثقافة الإسلامية التي تتمثّل في القرآن في ما تحمله آياته من مفاهيم الإسلام وأفكاره وشريعته، عرفنا كيف يساعد ذلك على نمو الشخصية الإسلامية التي ينبغي لها أن تعيش فكرها في أجواء روحية هادئة، لتتمكّن من خلال ذلك من الإنطلاق من قاعدة فكرية روحية عميقة في داخل النفس والفكر والوجدان. النقطة الثالثة: دور الدُّعاء في شهر رمضان
قد يكون الدعاء من أبرز الأعمال العبادية الظاهرة في شهر رمضان، في ما يمارسه المؤمنون في سائر أوقات الشهر، حتى يشعر الإنسان بأنّ هناك شمولاً في ما ينبغي للمرء أن يدعو به، وقد تنوّعت أساليب الدعاء ومضامينه في ما حفلت به الأحاديث المأثورة من نوعيات الأدعية، التي يجد الإنسان نفسه من خلالها في جولة واسعة في رحاب الله وفي آفاق النفس وفي أوضاع الحياة المحيطة به، في أسلوب روحي لذيذ يرتفع بالنفس إلى سماوات الروح والإيمان والإبداع ليصنع الإنسان المسلم الجديد.
وهناك الأدعية الإجتماعية الإنسانية التي تثير في داخل الإنسان الشعور بمشاكل الناس من حوله، إضافة إلى مشاكله الخاصة، في عملية إيحاء روحية بأنّ عليه أن لا يبتعد عن الحياة في نطاق مسؤوليته عندما يلتقي بالله ويجلس بين يديه، بل يحاول الإقتراب من ذلك كلّه، ليعرف أنّ الحياة كلها، في مشاكلها وحلولها، مشدودة إلى الله في عملية البقاء والإمتداد، كما هي مشدودة إليه في عملية الخلق، وتحرِّك في داخله الشعور بأنّ العبادة لا تعزل الإنسان عن الحياة، بل تربطه بها بطريقة واسعة مثيرة، وهناك الأدعية التي تخلق في وعيه الوعي السياسي في ما يلتقي به من المشاكل الإسلامية العامة في الحكم والحاكمين وقضايا العدل والظلم والحق والباطل، لتتحوّل إلى دعوات ورغبات وأمنيات يطرحها بين يدي الله سبحانه وتعالى، ليكون ذلك سبيلاً من سُبُل الوعي الذي يختزنه الإنسان في أجواء العبادة. - الصوم.. صناعة التقوى
(يا أيُّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيام) هذه الفريضة التي فرضها الله على كل عباده في كل رسالاته، كانت تتنوّع وتختلف في ما يلزم الله به عباده بين تعاليم نبي وآخر، ولكن المسألة أنّ الله أراد للناس أن يصوموا حتى يستطيعوا من خلال الصوم أن يحصلوا على التقوى، ليكون الصوم طاعة لله في نفسه، بإعتباره إمتثالاً لأمر الله، وليكون طاعة لله من خلال أنّه يحقِّق للإنسان روح التقوى في روحه، وعقلية التقوى في فكره، وحركة التقوى في حياته، ليكون الإنسان من خلال الصوم، الإنسان التقي الذي يخاف الله في نفسه، فيراقبها في ما يعيش في نفسه من أفكار، ويراقب الله في نفسه في ما يتحرّك به من أعمال ومشاريع.. وهكذا يريد الإسلام من خلال العبادات، وفي مقدّمتها الصوم، أن يصنع الإنسان التقي الذي يعيش في الحياة ولا يحتاج إلى سلطة تفرض عليه النظام والإلتزام والإستقامة، بل إنّ شعوره بسلطة الله عليه وعلى الحياة كلها، يجعله يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الناس، ويجعله يحاكم نفسه قبل أن يحاكمها الناس، ويجعله يمنع نفسه ويضغط عليها بأن لا تعتدي وأن لا تظلم وأن لا تُسيء قبل أن يضبطها الناس. - زاد الصـوم
التقوى هي الأساس، فإنّ الله يريد من الناس عندما يعيشون الحياة كلها وعندما يتحرّكون في كل قضاياهم، أن يقدموا بين أيديهم عند لقاء ربّهم زاداً يتزوّدون به حتى يستطيعوا أن ينالوا رضوان الله وأن يعيشوا جنّة الله (وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) (البقرة/ 197)، (يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا الله ولتنظر نفس ما قدَّمت لغد واتّقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون) (الحشر/ 18).
إنّ التقوى هي زاد الصوم، وهي العنوان الذي يريد الله للإنسان أن يعيشه في حياته، ليكون الإنسان التقي إجتماعياً وسياسياً وعسكرياً وفي جميع مجالات الحياة، لأنّ لكل شيء تقواه، فللسياسة تقواها وللحرب تقواها، ولحالة السلم تقواها، ولكل مجالات الحياة في الإقتصاد والإجتماع لكل منها تقوى، لأنّ التقوى تعني أن يجدك الله حيث أمرك ويفقدك الله حيث نهاك.. فمادام أنّ في كل شيء تشريعاً ولكل شيء أمراً ونهياً، فإنّ التقوى تكون حيث يكون الأمر الإلهي والتقوى تكون حيث يكون النهي الإلهي.
وهكذا من صام واستطاع أن يحصل على التقوى فقد استطاع أن يحصل على عمق الصوم في شخصيته. أمّا مَن صام ولم يحصل على التقوى، فإنّه يصدق عليه القول المأثور الشريف المروي عن رسول الله (ص): "ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السهر". ولهذا، فإنّ علينا أن نراقب أنفسنا عندما نصوم، أن نعرف أنفسنا في كل يوم.
هل استطعنا أن نتقرَّب إلى الله أكثر أم أنّنا ابتعدنا عن الله أكثر؟ هل استطعنا أن يكون إلتزامنا بما أحلّ الله وبما حرَّمه أكثر أو هو أقل من ذلك؟ افحصوا أنفسكم يومياً حتى تعرفوا هل أنّكم تتحرّكون في خط التقوى أم أنّكم في الخط المضاد؟ راقب نفسك في علاقتك مع نفسك هل تحجم نفسك عن الحرام لتمنعها أم أنّك تتركها؟ وراقب نفسك في بيتك، هل تسيء معاملة زوجتك نتيجة سلطتك عليها بدون حق؟
هل تسيء معاملة جارك والناس الذين يعيشون معك ممّن تربط بهم العلاقات على المستوى العام أو الخاص؟ راقب نفسك يومياً حتى ترى أنّك تتحرّك في خط تصاعدي نحو الله، أم أنّك تتحرّك في خط تنازلي إلى الشيطان. - أشكال الصـوم
إنّ الله يريد من خلال الصوم أن يحقِّق لنا كل هذا المعنى من التقوى، ويمكن تصوّر الصوم على أشكال معيّنة.. فهناك الصوم المادي، وهو أن تمتنع عن الأكل والشرب وعن اللذّات الجنسية والرغبات.. ما يحيط بهذه الأُمور الأساسية، هذا الصوم المادي الذي إذا فعلته فقد امتثلت لأمر الصوم وسقط عنك الواجب، ولكن هناك نوعاً آخر من الصوم، وهو أن تصوم عن الكذب وعن الغيبة وعن النميمة وعن الشتم، وأن تصوم عن إيذاء الناس وظلمهم وعن الإعتداء على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم، هذا نوع آخر من الصوم، أن تصوم صوماً أخلاقياً يجعلك تراقب نفسك في ما تريد أن تتكلّم كما تراقب نفسك في ما تريد أن تأكل أو تشرب. وهكذا تراقب نفسك في ما حرَّمه الله عليك من الأفعال والأعمال الأخرى، لأنّ الله جعل للإنسان صومين: صوماً صغيراً وصوماً كبيراً.
فأمّا الصوم الصغير، فهو صومك في شهر رمضان مما أرادك الله أن تمسك عنه. وأمّا الصوم الكبير، فهو صوم العمر كلّه عن كل ما حرَّم الله عليك ممّا تقول وممّا تفعل وممّا تتحرّك فيه من مواقف وعلاقات على كافة المستويات.
والصوم الصغير مقدّمة للصوم الكبير.. فالمعركة الصغيرة مع النفس في شهر رمضان هي مقدمة للمعركة الكبيرة مع النفس ومع الآخرين في غير شهر رمضان. - الصوم في واقع الحياة
ولهذا لابدّ أن نعيش هذا الصوم من خلال ما نتحرّك فيه في حياتنا اليومية، فقد ورد أنّ الإنسان الذي يمارس الغيبة والكذب وأمثالها من المساوئ، لا صوم له، وهذا يعني أنّه يفقد معنى الصوم وروحيته، لأنّه لم يستفد من الصوم في ذلك كلّه، وهكذا نريد للإنسان عندما يعيش الصوم في نفسه أن يمنع نفسه من الأفكار السيِّئة والنوايا السيِّئة والدوافع السيِّئة، لأنّ مشكلة كل واحد منّا هي في أفكاره وفي نياته ودوافعه، لأنّ أفكارنا هي التي تصنع لنا مواقفنا، ولأنّ نوايانا هي التي تتحرّك في خط علاقاتنا، ولهذا إذا أردت أن تكون الصائم التقي المنفتح على الله، فإنّ الله يريد أن يقول لك: ليست المشكلة أن تكون أعضاؤك صائمة عن الشرّ وعن الجريمة وعن الحرام، ولكن المفروض أن تكون أفكارك صائمة، ومشاعرك صائمة، وأن تكون نيّاتك صائمة، لأنّ للفكر صوماً.. فإنّ الإنسان إذا أراد أن يُفكِّر، فقد يُفكِّر بعض الناس تفكير الخير الذي يبني للحياة سلامتها، ويبني للحياة قوّتها، ويبني للناس قوّتهم، وإنّ للفكر أيضاً طريقاً شريراً يخطط فيه الإنسان للشر عندما يفكِّر في إيذاء الناس وفي العدوان عليهم وفي ظلمهم وفي انتهاب أموالهم وفي الإعتداء على أعراضهم وحياتهم، هذا فكر شرير، والذين يفكِّرون بهذه الطريقة يجب أن يعرفوا أنّ الله يقول لهم: ليصم فكركم عن كل فكر الشر، وليبق الفكر متحرِّكاً من خلال غذاء الخير كلّه، ومن خلال حركة الخير كلّها، والله تعالى يقول لكم أيضاً: إنّ لأفكاركم كفراً وإيماناً، وإنّ لأفكاركم عدلاً وظلماً، فلا تظلموا الناس في أفكاركم عندما تحققون الإنطباع في أنفسكم عنهم من خلال قضايا غير دقيقة ومن خلال مصادر غير موثوقة، لذلك لابدّ لك أن تكون العادل في إنطباعاتك في ما تحمل من إنطباعات عن هذا الإنسان أو ذاك، أو عن هذه الفئة أو تلك.
إنّه لابدّ أن تكون نيّتك نيّة خالصة لله سبحانه وتعالى، أن تصوم قربة إلى الله وتصلِّي قربة إلى الله وتحج قربة إلى الله. والله يريد منك أن تتعلّم من خلال ذلك، أن تعيش حياتك في كل أفعالك وفي كل علاقاتك، لتحصل من خلال ذلك على درجة التقرُّب من الله سبحانه وتعالى، فإنّها الدرجة التي لا درجة فوقها في الدنيا والآخرة، وكل ذلك ناتج عن نيّة صومك وعبادتك وتقرُّبك إلى الله سبحانه القائل: (إنّ الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم) (الرَّعد/ 11)، (ذلك بأنّ الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم) (الأنفال/ 53).
وقال رسول الله (ص): "فإنّما الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى"، و"إنّ الله يحشر الناس على نيّاتهم يوم القيامة".
من هنا، لابدّ أن نصوم صوماً جسدياً، وأن نصوم صوماً أخلاقياً، وصوماً فكرياً روحياً شعورياً، فإنّ الله يريدنا أن نصوم عن محبّة أعداء الله، وأن نصوم عن بغض أولياء الله، أن لا نحب إلا الطيِّبين المؤمنين الذين ينفتحون على الله في حياتهم، وأن لا نبغض إلا أعداء الله في كل ما يخططون له ويعملون له، أن لا نوالي إلا المؤمنين، ولا نعادي إلا الكافرين المستكبرين، ذلك هو صوم المشاعر كما هو صوم العقل والجسد وما يتعلق بذلك.
هذا هو الصوم الذي يريده الله تعالى تصويباً لقضايانا في معركة الحياة التي يجب أن تتحرّك في طاعة الله نيلاً لرضوانه وتحقيقاً لغاية الوجود الإنساني.

ارسال التعليق

Top