◄دكة لا يجلس عليها إلا نبي أو وصي نبي أو شقي
قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء/65). تسبب نزولها: قال المفسرون: نزلت في الزبير بن العوام ورجل من الانصار خاصمه إلى النبي (ص) في مسيل مياه كان كلاهما يسقيان بها النخل، فقال النبي (ص) للزبير: اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب الانصاري وقال: الانه ابن عمتك، فتلون وجه النبي (ص) ونزلت الآية المباركة. الاستدلال بها: وقد استدلوا بها وبقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) (المائدة/49) على مشروعية القضاء. معاني القضاء: للقضاء معانٍ في اللغة منه: 1- الاتمام ومنه قوله تعالى: (إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) (يوسف/68)، أي اتمها. 2- القضاء عليه بالقتل ومنه قوله تعالى: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) (القصص/15)، أي قتله. 3- الحكم ومنه قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) (غافر/20). وهذا هو الذي عقد الفقهاء له باب القضاء، ولكن ارادوا به الحكم بين المتخاصمين لقطع الخصومات ورفع المنازعات ومنع الظالم عن ظلمه. دلالة الآيات القرآنية ذات العلاقة والتي ذكرنا اثنتين منهما اعلاه دلت على: 1- مشروعية القضاء والحكم. 2- وجوب الحكم بالحق بحسب ما يقود إليه الدليل أو الإمارة. 3- لا ينبغي اتباع الهوى وهو الميل النفسي هنا. ويدخل في ذلك وجوب الانصاف والتسوية بين الخصوم في الإسلام والكلام وأنواع الإكرام، وأما الميل القلبي إلى أحدهما مع الحكم بالحق فقد قال الفقراء بكراهيته. 4- وكما يجب على الحاكم الحكم بالحق كذلك يجب على المحكوم عليه الانقياد والاذعان والتسليم والقبول وعدم التشكيك بالحكم الصادر عن الحاكم العادل. وظيفة القاضي: لا شك انّ منصب القضاء خطير، ويحتاج إلى من يتمتع بالقدرة والأهلية على تسنم هذا المنصب، لأنّ وظيفة القاضي هي الزام أحد المتخاصمين بما عليه للآخر بعد أن يثبت ذلك لديه. ولا بد أن يرقى إلى هذا المنصب الكفوء من كل الجهات، وأبرزها العلم والعدالة. وقد شدد الإسلام كثيراً على هذا الأمر لخطورته لكي لا يصل إلى هذا المنصب من ليس أهلاً له. والأحاديث في ذلك كثيرة ومنها: 1- ورد عن النبي الأعظم (ص) قوله: القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاض في الجنة. قاض قضى بالحق فهو في الجنة وقاض قضى بالهوى فهو في النار وقاض قضى بغير علم فهو في النار. 2- وقال الإمام الصادق (ع) انّ علياً أمير المؤمنين (ع) قال لشريح القاضي: يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي. شروط القاضي: ذكروا للقاضي شروطاً تؤهله أن يكون قاضياً ومنها بعد العقل والبلوغ: 1- الإسلام وقد استدلوا على شرطيته بقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) (النساء/141). 2- العدالة وهي من أهم الشروط ولا يكفي العلم بدونها شيئاً. 3- الاجتهاد في الشريعة والمجتهد هو الذي يستنبط الحكم من مصدره ويطبقه على مورده، وهو الذي له ملكة الاستنباط والتطبيق لجميع الأحكام الشريعة. ومما يتقدم يتبين لنا خطورة منصب القاضي وأهمية القضاء في الإسلام ولذا يجب أن يكون القاضي ورعاً في دين الله عادلاً في إصدار الأحكام ويخاف الله ويحذر عقابه إذا لم يكن عادلاً وينبغي ألا يكون قاضياً تحت إمرة حاكم جائر فيقضي بما يشاء حين يطلب منه ذلك. من الطرائف: ومن الطرائف ما يُحكى أنّ البهلول العباسي المتوفي سنة 190هــ (805م) في بغداد طلب منه هارون الرشيد أن يتولى منصب القضاء عنده فقال: أنا لا أصلح لذلك، قال: أطبق أهل بغداد انّك صالح له، قال: سبحان الله أنا أعرف بنفسي منهم فإن كنت في أخباري بأني لا أصلح لهذا للقضاء صادقاً فهو ما أقول وإن كنت كاذباً فالكاذب لا يصلح لهذا العمل فألحوا عليه وشددوا وقالوا: لا ندعك أو تقبل، فقال البهلول: إن كان ولا بد من ذلك فأمهلوني الليلة حتى أفكر في أمري ولما أصبح الصباح تظاهر بالجنون وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول: طُرقو اخلو الطريق لا يطأكم فرسي، فقال الناس: لقد جن البهلول، فقال هارون الرشيد: ما جن ولكن فر بدينه منا، وبقي على ذلك إلى أن مات. وفي هذه القصة الف عبرة وعبرة ودرس لمن فكر واعتبر وعكس القصة المتقدمة ما ذكره الشاعر البصري الرياشي المقتول سنة 257 هــ (870م) في حق بعض القضاة واسمه يحيى حيث يقول: أنطقني الدهر بعد إخراسي *** لنائبــــــــــــات أطـــلن وســواسي يا بؤس للدهر ما يزال كما *** يرفــــــع من ناس يحط من ناس لا افلحــــــت وحـــــق لهـــــــا *** بطــــــول نكـــــــــس وطـــول إنعـــــــاس ترضى بيحيى يكون سائسها *** وليس يحيــــــى لهـــا بســــواس قاض يرى الحـــد في الـــــزنا *** ولا يرى على من يجور من باس حاكمنا يرتشي وقاضينا يجور*** والـــــــراس شــــــــر ما راســـــــي المصادر: 1- كنز العرفان في فقه القرآن للمقداد السيوري الحلي. 2- فقه الإمام الصادق للمرحوم الشيخ محمد جواد مغنية. 3- مراقد المعارف للمرحوم الشيخ محمد حرز الدين. 4- الكنى والألقاب للمحدث الشيخ عباس القمي. 5- مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي. المصدر: مجلة الكلمة/ العدد الثالث لسنة 2004ممقالات ذات صلة
ارسال التعليق