• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأزمات الاقتصادية والأسرة

عبدالعظيم نصر

الأزمات الاقتصادية والأسرة

◄من بين الدراسات التي أُجريت في هذا المجال دراسة الدكتورة سامية الخشاب، التي تناولت أثر تدهور الدخل بصورة فادحة، خلال فترات الكساد أو في حالة البطالة، على العلاقات الأسرية. وقد تبيّن أنّ قدرة الأسرة على القيام بالتوافق الضروري، دون حدوث أضرار للعلاقات الشخصية المتبادلة، يتوقف على درجة ارتباط أعضاء الأسرة بمستوى معيّن للمعيشة. فإذا تأثرت بعض المستويات المادّية التي تعتبرها الأسرة ذات أهمية في حياتها، كانت النتيجة تدهور العلاقات الأسرية، وتفكك الروابط التي تربط أعضاء الأسرة ببعضهم البعض.

 

-            الحلول العملية للقضاء على ظاهرة الفقر:

لقد وضع الله سبحانه وتعالى ثروة هذا الوجود تحت تصرف البشر، وحملهم على الانتفاع بخيراتها، فهم خلفاء ربّهم في ثروة هذا الوجود.

وقد أشار السيد الصدر في كتابه (اقتصادنا إلى هذه الحقيقة) بقوله: إنّ الإسلام عندما ترك ثروة هذا الوجود بين يدي خلقه، أشار إليهم أنّها لربّهم، وهو المالك الحقيقي للمال، وحين استخلف الناس لم يترك الناس يسيرون كيفما اتفق في مسألة التصرف بالمال، وإنّما حدد شروطاً ووضع أطراً لكيفية التصرف والانتفاع والاستثمار والاستهلاك، ومن خلال تلك الحدود والشروط أصبح للتملك في حياة المسلم وجهان:

 

1-      التملك ذو الطابع الخاص:

حيث أباح الإسلام للإنسان الفرد حقّ التملك الخاص، وقد وصفه بأنّه يمتلك غريزة فطرية جُبل عليها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله: (وَإنَّهُ لِجُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات/ 8).

وقال تعالى: (وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبّاً جَمّاً) (الفجر/ 20).

وعلى ذلك فإنّ التملك الخاص حين فرضه الإسلام فرض له حدوداً وضوابط شرعية، ولم يتركه مشرعاً دون قيد أو شرط، فحدد المنابع من خلال منع الكثير من مصادر التمويل واعتبارها أمراً محظوراً على الإطلاق، كالكسب عن طريق بيع الخمر، والمتاجرة بالميتة والدم والخنزير وآلات الطرب، والكسب عن طريق الغناء وآلات القمار، وبيع السلاح للعدو، والغش والربا والاحتكار والقمار والسحر وغيرها.

ومع أنّه سمح بنموه عبر القنوات المشروعة، إلّا أنّه فرض الحقوق الواجبة والمستحبة في التملك الخاص، عن طريق قانون: الإرث والزكوات والأخماس والنذورات، والضرائب التصاعدية، كضريبة الجهاد التي ترى الدولة الإسلامية ضرورة فرضها في حالات خاصة، هذا عدا المبرات المستحبة والصدقات التي يندب الشرع الإلهي إليها.

 

2-      التملك ذو الطابع العام:

ويقصد به التملك الذي يكون من حقّ الدولة الإسلامية، وبالتالي يكون من حقّ الأُمّة الإسلامية، مثاله: الأرض الخراجية، وهي الأرض التي فتحت عنوة، وكانت عامرة بشرياً أثناء الفتح، فقد جاء في النص المروي عن الإمام موسى بن جعفر الصادق (ع) قال: «إنّ الأرض التي أخذت عنوة، موقوفة متروكة بيد مَن يعمرها ويحييها ويقوم عليها على قدر طاقتهم من الخراج».

أمّا الأرض الميتة أثناء الفتح، فهي لمنصب السلطة التشريعية، أي بيد الحاكم الشرعي، وكذلك حكم الأرض العامرة طبيعياً أثناء الفتح، ويحلق بهذا أيضاً، المعادن التي تحتوي عليها الأرض، كالملح والنفط والغاز والكبريت، وأحجار الرحى والياقوت، والمعادن القريبة من سطح الأرض كالذهب والفضة، والضرائب المالية كالزكوات وغيرها.

وأمّا الثروة التي يحقّ لنا التصرف بها وهي الملكية الخاصة، كالكسب عن طريق التجارة والتعليم والخياطة والإجازة أو التي تكون حقّاً خاصاً، كالمال الذي نصيبه من عملنا في ملكية عامة بعد سماح منصب السلطة الشرعية، كمن يحيي أرضاً مواتاً أو يعمل مزارعاً في أرض خراجية أو نحو ذلك، وهذه يتعلق بها الحقّ الشرعي غالباً.

ويساهم هذا الجانب في رفع معاناة الفقر في الأُمّة الإسلامية، لأنّ الفقر بعد أن نتأمل في أسبابه الرئيسية ينشأ من عاملين هما:

 

1-      العامل الموضوعي:

ونقصد به العامل الخارجي، أو مجموعة العوامل الخارجية النابعة من واقع الإنسان، ونجملها في:

·         قلة الموارد الطبيعية: كقلة الإنتاج الزراعي بسبب سوء الأحوال الجوية وصحراوية الأرض وضعف التربة أو قلة المعادن بها.

·         إهمال السلطة الحاكمة لمشاريع الإنتاج الزراعي، والصناعي.

·         تفشي الأمراض والأوبئة في البلاد.

·         الحروب والنكبات وما ينجم عنها من تدمير للمشاريع الزراعية والصناعية وغيرها.

·         تكدس الثروة لدى فئة محدودة من الناس بسبب سوء التوزيع.

 

2-  العامل الذاتي:

ونقصد به ما يكون الأفراد أنفسهم مسؤولين عنه، وأهم مظاهره ما يلي:

·         طغيان روح الكسل والتواكل وغياب روح الطموح لدى الأفراد، وتخليهم عن الانتفاع بالثروة في بلادهم وتحولهم إلى جيش من العاطلين.

·         إتلاف المال من قِبَل الأفراد بممارسة المنكرات، كالخمر والقمار والملاهي والإسراف وغيرها.

·         ضخامة الأسرة وعدم قدرة ولي الأمر فيها على سد نفقاتها.

·         ضعف القدرة الجسمية عند بعض الأفراد على ممارسة العمل.

 

-            طرق الوقاية من الفقر:

تمكّن الإسلام من مكافحة الفقر عبر وسائل متعددة، بحيث رسمت للإنسان المسلم الخطة التي ينأى بالتزامها عن الفقر وسلبياته، وحددت المسار الطبيعي لخلق المجتمع الغني المتكافل في الأرض. ومن أهم هذه السُّبل هي:

 

1-      الحث على العمل:

حثت النصوص المروية عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) على العمل، لأنّه طريق للقضاء على شبح الفقر، وجعلت ممارسته ساحة من سوح الجهاد، ونهت أن يلقي الإنسان كلَّه على الآخرين ويمارس عملية الاستجداء المبطن.

قال رسول الله (ص): «العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال».

وقال (ص): «ملعون مَن ألقى كلّه على الناس».

وقال الصادق (ع): «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكف به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه..».

 

2-      تحريم إتلاف المال بأي طريق كان:

ونُهي عن التصرف في المال، إلّا في الوسائل المباحة شرعاً وعقلاً، وكّل ماعدا ذلك تصرف غير شرعي يحرم التصرف فيه بأي شكل من هذه الأشكال، كأن يحاول استثماره بطريق القمار، أو الشعوذة، أو السحر، أو الربا وغيرها، ومنع من الإسراف بأي شكل من أشكال الإسراف والتبذير.

كما أنّه منع من كنز الأموال وحجبها عن النمو والنفع العام والمساهمة في النشاط الاقتصادي. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة/ 34).

كما أنّ الإسلام والشارع الحنيف ألزما الإنسان المسلم بفتح المشاريع الاقتصادية، لفتح مجالات أرحب لإنتاج خيرات الله، واستيعاب الطاقات البشرية في مضمار البناء الاقتصادي، وقد أشار الإمام علي (ع) لهذا الموضوع واعتبره من الأُسس التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، ويضمن من خلالها المجتمع الإسلامي مكافحة شبح الفقر، فقد قال لواليه مالك الأشتر حينما بعثه إلى مصر: «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأنّ ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة، ومَن طلب الخراج بغير عمارة خرب البلاد وأهلك العباد..».

 

3-      الكفالة الاجتماعية:

لقد فرض الإسلام على المسلمين جميعاً كفالة بعضهم بعضاً وفقاً لظروف كلّ فرد منهم وإمكاناته، وهذه بعض النصوص الإسلامية بهذا الصدد:

قال رسول الله (ص): «ما آمن بي مَن بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به»

وعن أبي سعيد الخدري أنّه سمع رسول الله (ص) يقول: «مَن كان معه فضل ظهر فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضل زاد فليعد به على مَن لا زاد له»

وعن الباقر (ع):«من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرج كربته ويقضي ديته، وإذا مات خلفه في أهله وولده»

وقال المعلى بن خنيس إنّ الصادق (ع) قال: «من حقّ المسلم على المسلم سبعة خصال.. ذكر منها: لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى، وأن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك..».

 

4-      الصدقات والزكوات:

ومن ناحية أخرى حثّ الإسلام أتباعه على سبيل الاستحباب والترغيب في الثواب على بذل العون لإخوانهم المحتاجين بعد أداء فريضة الكفالة في الضروريات، ومما لاشك فيه أنّ هذه الأعمال تلعب دوراً مهماً في رفع العوز عن المحتاجين، ولو في الأمور الضرورية.

وقد أشاد الله سبحانه وتعالى بالمتصدقين، وجعل صدقاتهم كفارة لذنوبهم بقوله: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/ 271).

وقال تعالى:(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).

وعن الرضا (ع)، عن أبيه موسى بن جعفر (ع) قال: «كان الصادق (ع) في طريق ومعه قوم معهم أموال، وذكر لهم أنّ بارقة[1] في الطريق يقطعون على الناس، فارتعدت فرائصهم[2]، فقال لهم الصادق (ع) ما لكم؟

قالوا: معنا أموالنا نخاف عليها أن تؤخذ منا فتأخذها منا، لعلّهم يندفعون عنها إذا رأوا أنّها لك؟!.

فقال: وما يدريكم؟ لعلّهم لا يقصدون غيري، ولعلّكم تعرضوني بها للتلف، فقالوا: فكيف نصنع ندفنها؟

قال: ذلك أضيع لها فلّعل طارياً يطري عليها فيأخذها ولعلّكم لا تهتدون إليها بعد.

فقالوا: كيف نصنع دلنا؟

قال: أودعوها مَن يحفظها ويدفع عنها ويربيها ويجعل الواحد منها أعظم من الدنيا وما فيها ثمّ يردها ويوفرها عليكم أحوج ما تكونون إليها.

قالوا: ومَن ذاك؟

قال: ذاك رب العالمين، قالوا: وكيف نودعه؟

قال: تتصدقون بها على ضعفاء المسلمين.

قالوا: وأنى لنا الضعفاء.. بحضرتنا هذه؟

قال: فاعزموا على أن تتصدقوا بثلثها ليدفع الله عن باقيها مَن تخافون.

قالوا: قد عزمنا، قال: فأنتم في أمان الله فامضوا، فمضوا فظهرت لهم البارقة فخافوا.

فقال الصادق (ع): كيف تخافون وأنتم في أمان الله عزّوجلّ؟

فتقدم البارقة وترجلوا وقبّلوا يد الصادق (ع) وقالوا: رأينا البارحة في منامنا رسول الله (ص) يأمرنا بعرض أنفسنا عليك، فنحن بين يديك ونصحبك وهؤلاء لندفع عنهم الأعداء واللصوص.

فقال الصادق (ع): لا حاجة بنا إليكم، فإنّ الذي دفعكم عنا يدفعهم، فمضوا سالمين وتصدقوا بالثلث، وبورك لهم في تجارتهم فربحوا بالدرهم عشرة، فقالوا: ما أعظم بركة الصادق (ع).

فقال: قد تعرفتم البركة في معاملة الله عزّوجلّ، فدوموا عليها».

 

5-      كفالة الدولة للفقراء:

من مهام الدولة الإسلامية ممارسة التكافل الاجتماعي، للتمكن من علاج عوامل تفشي الفقر وإلغائه من الوجود البشري، وإزالته من المحيط الاجتماعي، إذ تقوم الدولة على قضاء حاجيات الفرد المحتاج للمستلزمات الضرورية وغيرها، وقد أشار الإمام علي (ع) لهذا في عهده لمالك الأشتر بقوله: «ثمّ الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى، فإنّ في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ لله ما استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك، وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلّ قد استرعيت حقّه، فلا يشغلنّك عنهم بطر، فإنّك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم، فلا تشخص همك عنهم ولا تصعّر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه فإنّ هؤلاء من الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكُلَّ فأعذر إلى الله في تأدية حقّه إليه، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن، ممن لا حيلة له».

وجاء في الحديث عن موسى بن جعفر الكاظم (ع) في مسؤولية الحاكم إزاء الرعية الفقراء. «إنّه وارث مَن لا وارث له ويعول مَن لا حيلة له».►

الهوامش

[1] - البارقة: السيوف، والمراد منها قطاع الطريق واللصوص.

[2] - الفريصة: اللحمة بين الجنب والكتف، أو بين الثدي والكتف وهي لاتزال ترعد عند الفزع

المصدر: كتاب الانحرافات الاجتماعية (مشكلات وحلول).

ارسال التعليق

Top