• ١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

داعش والتحولات الجديدة في العراق

باسم حسين الزيدي

داعش والتحولات الجديدة في العراق

يوماً بعد آخر، يثبت تنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية" الموضوع على قوائم الإرهاب العالمي، انّ مشروع إقامة دولة إسلامية مفترضة الحدود بين العراق وسوريا، حقيقي، وليس من باب الأحلام التاريخية، وقد نشرت قبل أيام، أحد المواقع الجهادية التي تهتم بأخبار التنظيم دعائياً، خريطة الدولة المزعومة، (من تصميم داعش وليس سايكس-بيكو)، بعد أن ضمت دولة الكويت عن حدود الخليج إلى حدود الدولة المستقبلية، وهي مصبوغة باللون الأسود.

 سعار التنظيمات القاعدية التي انفصلت عن التنظيم الأم

في الموصل ومن قبلها صلاح الدين وسامراء والفلوجة ودير الزور والرقة، السيناريو التقليدي الذي يعيد نفسه باستمرار، والمفاجأة التي برزت من بين احتلال هذه المدن، كانت الاستراتيجية الجديدة التي اتبعتها الجماعات المتطرفة، في التحول من تنفيذ العمليات الانتحارية والمفخخات التي استهدفت القوات الأمنية، إلى تنفيذ هجوم خاطف بمئات المقاتلين لمسك الأرض وأحكام السيطرة على المدن الكبرى التي ترتبط جغرافياً بمعقل داعش نحو الحدود السورية.

المفاجأة الأخرى كانت على لسان الناطق باسم التنظيم "العدناني" الذي أعلن بأنّ هدف التنظيم القادم هو (بغداد، كربلاء، النجف)، بكلِّ ما تحمله المحافظات الثلاث من رمزية سياسية ودينية لدى الطائفة الأكبر من المسلمين الشيعة في العراق، سيما وانّ العدناني أشار في خطابه إلى رئيس الوزراء العراق "نوري المالكي بالقول "لقد أضعت على قومك فرصة تاريخية في السيطرة على العراق، وإنّ للدولة الإسلامية حساب تصفيه مع السلطات العراقية وإنّ هذا الحساب الثقيل الطويل لن تتم تصفيته في سامراء أو بغداد إنما في كربلاء والنجف، انتظروا إنا معكم منتظرون".

مخاوف حقيقية

على أثر الأحداث المتسارعة في الموصل وما تلاها من انكسار كبير للجيش العراقي، إضافة إلى التطورات الأمنية المقلقة في ديالى وتكريت وسامراء وكركوك التي باتت الآن في قبضة القوات الأمنية الكردية "البيشمركة"، تزايدت التهديدات الأمنية التي وضعت العملية السياسية الجارية في العراق على المحك، إضافة إلى هيبة الدولة العراقية أمام التنظيمات المتطرفة التي تمكنت من حسم معركة الموصل لصالحها خلال ساعات وبعدد مقاتلين لا يتجاوز (750) شخصاً في أعلى الاحتمالات، أمام عشرات الالاف من القوات النظامية، التي انسحب أغلب عناصرها نحو القواعد العسكرية الأكثر أمناً ويقع أغلبها خارج محافظة الموصل.

وقد لجئت الحكومة العراقية إلى فتح باب التطوع لضخ المزيد من العناصر المقاتلة إلى الجيش العراقي، فيما أعادت العديد من الميليشيات والعشائر العراقية تنظيم نفسها استعداداً للأسوء في حال قام تنظيم داعش بمزيد من الغزوات التي قد تأتي متزامنة مع حلول شهر رمضان كما درجت عليه العادة في تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المتشددة.

المخاوف الحقيقية جاءت أيضاً من خلال المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة السيد علي السيستاني، بعد أن قال ممثله في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة الجمعة في كربلاء انّ "على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم التطوع والانخراط بالقوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس".

وأضاف انّ "العراق يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وأنّ الإرهابيين لا يستهدفون السيطرة على بعض المحافظات، بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات لاسيما بغداد وكربلاء والنجف، ومن هنا فإنّ مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا تختص بطائفة دون أخرى أو بطرف دون آخر"، وختم بالقول انّ "من يضحي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضه فإنّه يكون شهيداً"، والشهادة في المفهوم الإسلامي تقترن كثيراً مع مفهوم الجهاد، سيما إذا كان "الغرض مقدس" على حد وصف الكربلائي.

وقد أكد شهود عيان انّ الإقبال على التطوع للقتال أو الدفاع عن المدن المقدسة، يشهد تصاعداً كبيراً، بعد هذا الإعلان، فيما تحولت العديد من المقار الحزبية إلى أماكن لتسجيل الأسماء وربما التجهيز بالسلاح لاحقاً.

المخاوف الحقيقية قد تأتي إذا ما تكمن تنظيم داعش المتطرف من استغلال الأجواء الطائفية والدينية المشحونة لإحداث حرب أهلية، طالما حذر الخبراء والمتابعون من تبعاتها، وهنا يأتي دور الحكومة المركزية والزعماء السياسيون والدينيون في العراق لتجنيب البلاد خطر الانزلاق في هذه الحرب، التي تصب بالتأكيد في مصلحة التنظيمات الإرهابية التي غالباً ما تنشط وسط الأوضاع المرتبكة والأزمات.

توصيات لإدارة الأزمة الجديدة

ما حدث مؤخراً أزمة حقيقية لا يمكن للحكومة العراقية أو المجتمع الدولي السكوت عنها، سيما وانّ التهديدات التي شملت العراق، من السهولة بمكان انتقالها إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، كما انّ الثقل الأكبر يقع على عاتق الحكومة العراقية وطريقة تفكيرها التقليدية لإدارة هكذا أزمات كبيرة، إضافة إلى اتسامها بالبطء والتراخي في الاستجابة لتسارع وتيرة الأحداث، ومن خلال قراءة منطقية لملابسات الأحداث الأخيرة يمكن تقديم التوصيات الآتية لتطويق الأزمة قبل اتساعها.

1. أزمة الموصل، وقبلها الأنبار، اثبتت فشل القيادات الأمنية الكبرى في العراق، والتي يقع على عاتقها إدارة المعارك والمبادرة في التصدي للتنظيمات الإرهابية، لذا اقتضى من الحكومة المركزية إعادة هيكلة القيادات الأمنية، والاستعانة بقيادات لها القدرة على أحداث الفرق والتأثير في سير العمليات العسكرية.

2. التخفيف من الشحن الطائفي، لأنها نقطة تصب في صالح التنظيمات الإرهابية التي سعت منذ البداية لتأجيج الخلاف الشيعي-السني، وبالتالي الجر نحو حرب أهلية تمزق البلاد.

3. طلب الدعم العسكري واللوجستي من المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة عاجلة.

4. المبادرة إلى احتواء الغضب الشعبي ضد الحكومة المركزية، من جانب المناطق السنية، والذي سهل وقوع العديد من المدن، ومن بينها الموصل، تحت يد العناصر المسلحة، من خلال مبادرات حقيقية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.

5. التركيز على الإعلام المضاد، إذ انّ أكثر من 60% من انتصارات داعش هي انتصارات إعلامية، وربما ما حدث من انهيار كبير للقوات الأمنية في الموصل، يعطي مثالاً واضحاً على ذلك.

6. ترك الجدل السياسي بين قادة الكتل والأحزاب السياسية المتصارعة، والتوحد نحو صد الخطر المشترك، الذي يهدد الجميع الآن، سيما وانّ التباطء في كسر شوكة "الدولة الإسلامية" داخل العراق، سوف يزيد الإعجاب بقدرتها المتنامية، وبالتالي كسب المزيد من المقاتلين العراقيين اللذين قد يرغبون في الإنضمام إلى صفوفها، مما يؤدي إلى تعقيد المسألة بصورة أكبر .

 

ارسال التعليق

Top