• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تقنيات حديثة تقلد إبداعات الله في مخلوقاته

د. عبدالله زيعور

تقنيات حديثة تقلد إبداعات الله في مخلوقاته
◄تنقسم المعرفة الإنسانية في مجراها التاريخي من حيث مصدرها إلى قسمين أساسيَين: القسم الأوّل ما قدّمه الأنبياء (ع) عبر التاريخ وبأوامر إلهية من قيم ومثل سامية تدعو للحقّ وتهدي إلى نهج الاستقامة والنظام، لأجل تطبيقها على مستوى فكر الإنسان وحركته، بحيث لولاها لانعدمت آفاق السموّ والإنسانية الحقة لدى البشر، في مقابل جنوح الإنسان نحو الظلم والتحارب كحقيقة ليس أدلّ من التاريخ عليها كشاهد. والقسم الثاني هو ما أنتجه عقل الإنسان عبر التجربة واستلهمه من ظروف الواقع وإمكاناته، بحيث ارتكز دوره على تطوير أدواته ووسائله وعلى تعزيز ما أفرزه الحال الجديد من أنظمة وقوانين. لقد صار الكشف عن أسرار الطبيعة، سواء على مستوى خلق الإنسان والحيوان والنبات أم على مستوى ميكانيكية الذرة والمنظومة الشمسية والمجرّات، باباً واسعاً لمعرفة الله تعالى وتوحيده، وامتداداً للخطى الإنسانية للتوحيد، بحيث إنّ كتب العلم وهي في الحقيقة كتب في التوحيد ومعرفة الله، تشكّل جميعها قصّة شيّقة عبر التاريخ تحدّث عن شيء واحد: النظام الكامن في خفايا الكون كافة صغيرها وكبيرها، والذي بدوره سيكون حجّة على عقل الإنسان وخياراته الدنيوية. فيما يلي سنتوقف عند دراسة بعض مظاهر التقدّم التقني لدى الإنسان، في عودة إلى جذورها لاستكشاف العلاقة بينها وبين ما هو قائم من خَلق وإبداع إلهي، وضعه الباري لاستقامة الحياة وجعلها في أبهى حللها وصورها. إنّ الإمعان ولو قليلاً في هذا الميدان، يقود إلى الاقتناع، وبما لا يدع مجالاً للشك بأنّ الإنسان استوحى كلّ تقنيته الذكية – لا سيما ما برز منها في القرن المنصرم – من قوانين الله المودَعَة في الحياة، بحيث إنّ آفاق التطور الصناعي والعلمي لديه كانت تقليداً شديداً ونقلة دقيقة لقوانين الطبيعة، ومخلوقات الله تعالى، فالبشرية مدينة في تقدّمها بالفضل المطلق لله تعالى، رب الفضل واضعِ النظم والمقادير والآجال. لقد شكّلت الطبيعة في آياتها المتعددة مصدر استلهام ونقطة انطلاق لتقنية الإنسان المتطورة، فاستعملها في كلّ الميادين التي تخفِّف عنه الجهد العضلي وتوصله إلى الرفاهية، وكانت كلّ الفقرات التقنية للإنسان عبر التاريخ نتاجاً حياً للتواصل بين عقل الإنسان وعمل المخلوقات وقوانينها التي تهتدي بها، أمّا الشواهد على ذلك فهي عديدة ولا تحصى، وأنى لها ذلك وهي ليست أقل من حكاية تاريخ الإنسان في تطوره بدءاً من حياة المغارة واكتشاف النار فالدولاب فالعربة، وصولاً إلى ما هو عليه اليوم من تقدم تقني وعلمي بمستوى الخوارق.   طائر الخفّاش أصل ابتكار الرادار: الدلالة الأولى في صور التقليد لمظاهر الخلق نراها في طائر الخفّاش العجيب في طيرانه المبهم في الليل بسرعة ودقة من دون أن يرتطم بأي حاجز، متفادياً الموانع وقادراً على النفاذ في المنعطفات والأنفاق، وقد فسّر العلماء ذلك عندما اكتشفوا أنّ الخفّاش يطلق أمواجاً صوتية لا تقدر أذن الإنسان على سماعها، ويصدرها عن طريق عضلات حنجرته القوية ويخرجها من مِنخرَيه، وتشكّل أذناه الكبيرتان جهاز الاستقبال عند ارتداد هذه الأمواج إليه، أما دور هذه الأمواج فيكون بالدلالة على وجود الموانع أو عدمها، فهي تذهب وترتطم بالحاجز لتعود فتستقبلها الأذنان، وبهذه العملية يمكنه أن يحدّد وجود المانع أو الجدار، وفي الوقت نفسه يقدِّر المساحة التي تفصله عنها ويتمكّن بالتالي من تفاديها!! هذا الأداء الرائع والغريزي لدى طائر الخفّاش في إصدار الموجات ومن ثم استقبالها لاستكشاف ما حوله، قد اقتبسه الإنسان وأدخله في نظام عمل الطائرات والسفن في البحر، إذ يقوم الرادار المثبّت فيها مقام الخفاش، فيرسل أمواجاً في الجوّ أو الماء فترتطم بالهدف وتعود بعد انعكاسها ليقوم الملّاح أو الطيّار بعدها بتحديد موقعه وموقع الطائرات من حوله، فيرصدها ويحدد المسافة التي تفصلها عنه، وتتمكّن الطائرات بالتالي من تفادي الخطر والنفاذ في الجو من دون هذا الخطر، حاصلة لحظة بلحظة على كلّ المعلومات اللازمة عن محيطها وعمن حولها... وقد تعقّدت تقنيات هذا المبدأ حيث ظهرت حديثاً الطائرات الخفية التي تغيّر في شكلها لتفادي انعكاس الموجة وارتدادها إلى الرادار، أو التي تغيّر من تركيبة موادها المعدنية لتمكّن الموجة من اختراقها دون الارتداد ثانية إلى الرادار، وكلّ ذلك من دون التخلّي عن هذا المبدأ الباقي كأساس في الملاحة الجوية، والمقتبس من مشاهدة الإنسان للطبيعة، من خلال عملٍ بعض مخلوقات الله الذي يدلّ على مظاهر إعجازه!! الخفّاش: في حنجرته وأذنيه يكمن سرّ الرادار   سرّ البعوضة يظهر في كاشفات الأشعّة: الدلالة الثانية تتمثل في عمل البعوضة التي كثيراً ما تسلبنا النوم بلسعها وطيرانها المزعج حول الأذن والوجه!!! وقبل أن نفصّل، تجدر الإشارة إلى أنّ كلّ جسم – عند حرارة معينة – يطلق أشعة كهرومغناطيسية تكون في طاقتها ضمن ميدان الأشعة ما تحت الحمراء، بحيث تزداد طاقة الإشعاع عند ازدياد الحرارة الصادرة عن الجسم، ولكون جسم الإنسان دائماً على حرارة طبيعية تقدر بـ 37 درجة، فهو بالتالي يطلق أشعة ما تحت الحمراء سواء أكان الإنسان في الظلمة أم في الضوء، سواء أكان في الهواء أم تحت الماء... إنّ البعوضة تعرف بوجود الإنسان في الظلمة من دون رؤيته أو لحاظ حركته، وذلك من خلال الحرارة التي يصدرها خاصة من أنفاسه، والمرفقة بأشعة كهرومغناطيسية ما تحت الحمراء، بحيث تستعلم عن ذلك من خلال خرطومها الذي تحرّكه في الظلمة والذي يلتقط الأشعة ويلحق بالهدف من دون حاجة إلى رؤيته بالعين المجردة، وبذلك تلحق بنا البعوضة في عتمة الليل ولا تتردّد في لسعنا كلما أرادت ذلك... لقد اقتبس الإنسان هذه الظاهرة التي عرفها عبر بحوثه التجريبية على الحيوانات والحشرات، وقام باستعمالها وتعميمها كما هي في مجالات تقنية متعددة، يقوم مبدأها على كاشفات الأشعة (Detectors) التي تلحظ الصواريخ المضادة للطائرات والتي تلحق بها كيفما تحركت حتى ترتطم بها وتدمرها أخيراً، فقد قام الباحثون بتزويد الصواريخ بمواد حسّاسة تجاه الأشعة ما تحت الحمراء (أنصاف نواقل Semiconductors) يمكنها أن توجّه الصاروخ إبان لحاقه بالحرارة الصادرة عن محرك الطائرة كيفما اتجهت وتعرّجت وطبعاً مع فارق السرعة بين الصاروخ والطائرة يتمكّن من اللحاق بها وتدميرها.   الطائر الصغير والطائرة: وقبل الذهاب بعيداً عن هذه النقطة، نستعرض دلالة لطيفة أخرى تتمثل في فكرة الطائرة ذات الجسم المتناسق للطيران والذيل والأجنحة والمقدمة، والتي جهد الإنسان قبلها طويلاً عبر التاريخ ليقلّد الطير في ارتفاعه عن الأرض وحركته في الهواء، حتى توصّل إلى فك الأسرار اللازمة لقوانين الطائرة التي تحملها أبسط الطيور المخلوقة والمرسلة في رحاب السماء، لتكون الطائرة التي تعدّ مظهراً متقدّماً من مظاهر التقنية اقتباساً دقيقاً لما يشاهده ويلحظه الإنسان في الطبيعة، ونموذجاً هائلاً يعمل على المبدأ نفسه للعصفور الضعيف!! والطيور كمخلوقات بسيطة في كنف الحياة المخلوقة تتهادى وتسبح في الفضاء الواسع، من دون أن تعي مبادئ وقوانين الطيران وشروطه وسبل التغلّب على قوانين الجاذبية، وإنما تعمل على أساس القاعدة القرآنية: (.. رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه/ 50).   آلة تصوير تقلّد العين: ولو تابعنا القراءة في ما بين سطور العلم واكتشافاته الدائمة لوجدنا دلالة لطيفة أخرى تتمثل في صنع آلة التصوير... فقد توصّل الإنسان بعد جهد طويل من البحث والتأمّل إلى صنع آلة التصوير (الكاميرا) وأوصل عملها إلى مراحل متطوّرة جدّاً نلمسها اليوم من خلال الدقّة البالغة في تصوير الأشياء المتناهية في الصغر (أطياف الذرّات فالخلايا)، أو الأشياء البعيدة التي تغور في أعماق السماء بمسافات تصل إلى ملايين وملايين السنين الضوئية، بالإضافة إلى التطور الذي أصاب أجهزة التلفزة والتجسّس والفاكس وما سوى ذلك. إنّ نظرة علمية سريعة إلى آلة التصوير، مهما تعددت أشكالها وأبعادها، صغيرة كانت أم كبيرة، سهلة أم معقدة، تحافظ على مبدأ واحد مستقى من مبدأ النظر الذي يحدث لدى مخلوقات الله تعالى كالإنسان مثلاً، إذ يصل شعاع الضوء من الجسم المرئي إلى العين التي يشبّهها الفيزيائيون بعدسة (Lens) تجمع الضوء عند بؤرة تقع في الشبكية، وتقوم العدسة خلال ذلك بالتحدّب بشكل يتناسب مع المسافة التي تفصل العين عن الجسم لكي يحصل الوضوح في الصورة وتقع تماماً على صفحة الشبكية وتكبر درجة تحدّبها كلما اقتربت من الجسم أكثر، طالما أنّ المسافة بين العدسة والشبكية ثابتة، بعد ذلك تصل الصورة مقلوبة إلى الشبكية وتقوم الأخيرة بنقل تأثيراتها عبر الأعصاب الحسّاسة إلى الدماغ الذي يحلّل الصورة بدوره، ويصحّحها ويحيلها إلى الذاكرة فيه، وتتم كل عملية بواحد على عشرة من الثانية بحيث لا يمكن للعين أن تميّز صورة تراها بأقل من هذا الوقت على الاطلاق.. إنّ العملية نفسها أحدثها الإنسان في آلة التصوير، ونسخ مراحلها كافة لتقوم آلة التصوير مقام العين، ويكون الفيلم كالدماغ حافظاً لما يجري له، فعدسة الكاميرا تقوم بوظيفة كعدسة العين يحرّكها الإنسان بيده (أو تتحرّك آلياً في الكاميرات الحديثة) لكي يحصل الوضوح بظهور الصورة نقية على شريط الفيلم تماماً كعملية التحدّب في العين. وتكون المسافة بين العدسة والفيلم ثابتة كما هي بين العدسة والشبكية؛ ولكي تحتفظ الكاميرا بالصورة واضحة في محيط مظلم داخلها (كمحيط العين الداخلية)، جهّزها الإنسان بحجاب يحجز الضوء بقوة عند مقدمة العدسة ولا ينتج إلّا عند عملية التصوير، ويتم ذلك ضمن وقت مبرمج يتقارب مع الوقت الكافي للنظر عند الإنسان. ويزداد التماثل بين عمليتي النظر والتصوير بكون العدسة في الكاميرا متغيّرة التحدّب لكون المسافة بين العدسة والفيلم ثابتة أيضاً مثلما هي داخل العين! بدوره يحفظ الفيلم التأثيرات في الظلام بحباسية بالغة تجاه الضوء ليتمّ لاحقاً تحليل الصورة وتقليد دور الدماغ في إظهار الصورة عند الحاجة.   الغوّاصة تستلهم الحوت: آخر ما نورد من دلالات، ونحن أعجز من أن نُحصي مواردها كافة، يختصّ برمز من رموز التفوّق التقني الذي استعمله الإنسان في القرن المنصرم، نعني به الغوّاصة التي تقوم بمهام حربية هامة، والتي شكّل حوت البحر مصدر استلهام لفكرتها، بحيث تكون نموذجاً عن حوت متحرّك يقوم بالأداء نفسه ولكن لا روح له. وفي تفصيل ذلك فإنّ الحوت يعرف بضخامته وقدرته السريعة على السباحة على سطح الماء وكذلك في الأعماق، ويتحرّك بحرية مستعملاً ذيله ليدور بمختلف الاتجاهات. فعند مساره على سطح الماء يستعمل جيوباً خاصة يمكنه أن يملأها هواءً تساعده على البقاء طافياً دون الغوص، أما حين يغوص فيقذف الهواء من جيوبه بقوة إلى الأعلى، وهذا ما نشاهده على شكل نافورة يصطنعها، ويملأها ماءً ضمن مقادير معيّنة يحدّد معها – غريزياً – العمق الذي يريد الغوص فيه... إنّ الحوت في حركته يطبق المبدأ المشهور لحركة الأجسام في المياه، وهو مبدأ أرخميدس.. الذي ينصّ على أنّ كل جسم يغطس في الماء يلاقي قوة دفع نحو الأعلى تعادل وزن الماء الذي يحتلّه، أو بمعنى آخر، فإنّ القوة تساوي وزن الماء المُزَاح خلال الغطس، ولهذا حين الغوص، يتغلّب الحوت على قوة الدفع هذه من خلال تثقيل وزنه بالماء المعبّأ بجيوبه، فيشد نفسه أكثر ويسهّل بالتالي غوصه نحو الأعماق، أما حين العوم فيفرغها من الماء ويستبدلها بالهواء الذي يعمل على تخفيف وزنه فتلعب قوة أرخميدس دورها وترفعه إلى السطح. وعلى غرار حركة العوم والغطس عند الحوت ابتكر الإنسان الغوّاصة، كان الحوت النموذج الأوحد الذي اقتبس الفكرة عنه، فصنع شكلها الخارجي ليشبه شكل الحوت تماماً، وهو الشكل المثالي الذي أعطاه الله تعالى لكلّ أنواع المخلوقات البحرية المضطرّة للتحرّك السريع سعياً لرزقها وهرباً من عدوها. وقد برهن العلم بحساباته في علم ديناميكا السوائل أنّ هذا الشكل هو الأفضل والأمثل للانسياب الأسرع تحت الماء، وبلغ الاقتباس بالإنسان أن قلّد الحوت في لونه لصنع الغوّاصة... وكذلك كان الحال على مستوى التفاصيل، إذ جهّز الإنسان الغواصة بجيوب قادرة على تخزين المياه أو الهواء، ويتمّ التخزين والتفريغ من خلال محرّكات ذات طاقة عالية ومنها الطاقة النووية، فتفرغ الماء عند الصعود وتملأها عند الغوص بعد طرد الهواء منها، أما على صعيد الحركة والدوران، التي تتم عند الحوت بذيله وعضلات آخر جسمه، فقد جعل الإنسان محرّك الغوّاصة في مؤخرها وصار الدوران عند الغوّاصة مشابهاً لما يجري مع الحوت؛ كما استلهم من الحوت طرق الكمائن التي ينصبها في الأعماق للإيقاع بالطريدة عند الجوع، فجعل الغوّاصة تختبىء بين النتوءات البحرية وتهمد كالحوت بإطفائها للمحرّكات ووقف إشارات رادارها تمهيداً للانقضاض على الأهداف العدوّة وبأقصى درجات الفعّالية... وهكذا نرى من خلال هذا العرض أنّ الطبيعة ببهائها وبجديدها الدائم، تبقى بالنسبة لابن آدم ساحة يستقي منها آفاق العلم والتجربة، بحيث يبقى يدين بالفضل في كلّ إنجازاته العمرانية والتقنية إلى أصل الخلق وواضع القانون وربّ النعمة الظاهرة والباطنة وهو الله الذي (عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 5)، بحيث لا يحصي طرق الله إلّا الله، ذلك أنّ الإنسان بقوّته وقدراته أقلّ من أن يدرك حدود النعمة عليه، وبذلك لا يخرج عن دائرة القانون الإلهي وعن تجلّيات النعمة الربانية مهما جهد، وعلى أيّ درب سار، وإلى أيّ مستوى وصل، إنّه في مجال التقليد كما رأينا يطال الحركة والفكرة والقانون المختزن في مخلوقات الله المتنوّعة، ليصل الإنسان عاجزاً خانعاً أمام عظمة الروح، وقدسية المشاعر والقيم، والتي ما انفكّ الإنسان جدلاً وحديثاً عنها بحثاً عن جوهرها، وما بالنا لو استدركنا هنا أنّ أجسام البشر، مقتبسي الأفكار والقوانين، ليست لهم ولا يمكنهم أن يطوّروها أو يأتوا بمثلها أو يبثّوا الروح فيها من تلقاء أنفسهم، فأجسامهم وأرواحهم هي كلها لله، قال تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (الأعراف/ 195). مما لا شك فيه أنّ دعوة تكاملية تبرز من خلال ما سلف، وتُوجَّه لابن آدم، لكي يستقيم بحركة متناغمة مع حركة الطبيعة، فهو يستخدم طاقتها الكافية ويعمل بقوانينها ويستلهم مبادئ آلته من موجوداتها، وبدوره يقوم بتطوير حركته وحركتها في آن، الأمر الذي يعني أنّ نداء التوحيد يطال الإنسان بتواصله الحتمي مع الطبيعة مهما ابتعد عن الله، وأنّه لا فكاك له منه، وهو نداء يطال العقل قبل الأشياء وتقنياتها... ولا فخر للإنسان فيما تجتهد به آلته، وليس له الحقّ بإدعاء الفضل فيما يفعل، فيد الباري موجودة أينما اتجه، وهي في نفسه قبل أن تكون في محيطه... وما دمنا في هذا المقام، فإنّ ثمة سؤالاً يطرح ذاته: لماذا وبأي وجه يقبل الإنسان نظام العمل من مخلوقات الله وعن طيب خاطر، ويرفض ستوره وخطه التكاملي الموحّد للكون والإنسان معاً؟ هل من الممكن أن تكون حركة المخلوقات صحيحة وأصل النظام الإلهي الآتي من خالق النظام خطأ؟ قال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الحج/ 54).   المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 55 و56 لسنة 1995م

ارسال التعليق

Top