لقد أوضح العلم بأنّ كل نوع من الحيوانات أو الحشرات له نظامه الإجتماعي الخاص وهناك سلوك وتقاليد ثابتة بين أفراد النوع الواحد، وتعايش خاص بطريقة ملفتة للنظر. فكل نوع هو أُمّة قائمة بذاتها تعرف حياتها ونظامها، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام/ 38).
فلقد اكتشف العلماء أنّ لكثير من الحشرات أجهزة ذكية وتفكير سليم هداها الله إليه لتدبير أمورها. فقد اكتشف أنّ النملة (الحشرة الذكية كما سماها العلماء) تمتلك جهازاً فكرياً عجيباً، فباستخدام الفحص الإلكتروني والأشعة المختلفة تَبيَّن أنّ للنملة دماغاً عجيباً برغم صغره (أقل من 1 ملم) يتكون من فصين رئيسين كمخّ الإنسان، ومن مراكز عصبية وإحساسية دقيقة، والنمل يتفرّد عن سائر الحشرات بدفن موتاه، وترى النملة بما أودع لها الله من تفكير تقوم بفَلْقِ حبّة الزرع إلى نصفين أو أربع لكي لا تنبت إذا تبلّلت، فإن لم تستطع فلقها فإنّها تنشرها في الشمس بصفة دورية لئلا يصيبها البلل فتنبت. وما يذكر عن بيوت النمل وطوابقها وتوزيعها حسب درجات الحرارة ودهاليزها ما يبهر العقول، فهي أمم وجماعات شأنها البشر والحيوانات الراقية ولا عجب لأنّ الخالق المقدر لها جميعا هو الله الواحد الأحد فسبحان الله عما يصفون.
ومثل ذلك يصدق على أمة النحل وما فيها من غرائب وعجائب.
- النحل:
لقد كشف العلم الكثير من المعارف عن مملكة النحل وعن النظام الإجتماعي البديع الذي يجري في المملكة، وعن النشاط الدؤوب والعمل المتفاني لأفراد النحل في سبيل خدمة الخلية، وعن الدقة المعمارية المدهشة في بناء الخلية، وعن أسلوب النحل في التفاهم، وعن أشياء كثيرة أخرى لا يسعها هذا الموجز. وقد أشار إليها القرآن داعياً المؤمنين إلى التفكير بهذه الآية العجيبة قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/ 68-69).
ومن الإعجاز العلمي اللطيف في الآية السابقة أيضاً أنّ الإيحاء جاء فيها إلى أنثى النحل دون الذكور (أَنِ اتَّخِذِي) ولكن هذه الحقيقة لم تتبيّن إلا في الـ300 سنة الأخيرة بعد بحوث علمية طويلة أثبتت أن إناث النحل هي التي تبني البيوت وهي التي تجمع الغذاء.
أمّا بالنسبة إلى العسل الذي يُنتجه النحل فقد أثبت العلم الحديث أيضاً ما في العسل (الذي ذكر في الآية السابقة) من فوائد جمة في مختلف المجالات الطبية، فكان حقاً شفاء كما أوضح القرآن الكريم وكما جاء في السنة الشريفة عن رسول الله (ص). ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر وبإيجاز بعض الأحاديث النبوية الشريفة ومنها:
أورد البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله (رض) قال: سمعتُ النبي (ص) يقول: "إنْ كان في شيءٍ من أدويتكم – أو يكون في شيءٍِ من أدويتكم – خيرٌ ففي شرطةِ مِحْجَمٍ، أو شربة عسلٍ، أو لذعة بنار توافقُ الداء، وما أحبُّ أن أكتَوِيَ".
ومما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري (رض) قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: "إنّ أخي استطلق بطنُه، فقال رسول الله (ص): "أسقِهِ عسلاً" فسقاه، ثمّ جاءه فقال: إني سقيته فلم يزده إلا إستطلاقاً. فقال له ثلاث مرات، ثمّ جاء الرابعة فقال: "اسقِه عسلاً"، فقال: سقيته عسلاً فلم يزده إلا إستطلاقاً. فقال رسول الله (ص): "صدق الله وكذب بطن أخيك، اسقه عسلاً". فسقاه فبَرِأ.
وهكذا يضع رسول الله (ص) الأسس المهمّة لضوابط وصف الدواء وكمية الجرعة وضرورة تكرارها ومدتها وتأثيرها وما إليها من أمور تتعلق بوصف الدواء، وذكر لأساليب طبية علمية كالعلاج النفسي والجسمي بقراءة القرآن، والعلاج بالكيّ الحراري. ولا تخلو الآن مستشفى حديثة من جهاز للكيّ الكهربائي في معالجة الأورام وإجراء العمليات الجراحية، والذي يقرأ قول الله تعالى وهو يخاطب نبّيه أيّوب عليه السلام وقد ابتلاه بالمرض: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) (ص/ 42).
يجد في الآية الكريمة الكثير من الفوائد الطبية العلمية القيمة(*).
المصدر: كتاب البيان في الإعجاز العلمي في القرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نستنتج من الآية الكريمة النقاط التالية:
- ضرورة السعي لطلب الدواء والأخذ بالأسباب (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ)، فالله قادر على أن يشفيه بدون أن يضرب الأرض برجله فيخرج الماء فيشفى به.
- أنّ الآية أشارت لعلاج الأمراض الجلدية بإشراك العلاج الموضعي مع العلاج العام (Local and Systemic therapy)، فقوله تعالى: (مغتسل) إشارة للعلاج الموضعي (من غسول ومحاليل جلدية وكريمات ومراهم): وكلمة: (شراب) إشارة للعلاج العام.
- تأثير الحرارة على الشفاء: فكثير من الأمراض الجلدية تتحسّن على الحرارة المنخفضة والبرودة الموضعية (مغتسل بارد).
- تأثير الحالة النفسية وهدوء الأعصاب على شفاء الأمراض، نلاحظها من تعلُّق أيوب (ع) بربّه وطلب الشفاء منه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق