• ١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إدارة مخاطر الأزمة المالية من منظور أخلاقي وإسلامي

د. رفيق يونس المصري

إدارة مخاطر الأزمة المالية من منظور أخلاقي وإسلامي

عقدت جامعة هارفارد ورشة عمل حول إدارة المخاطر في الأزمة المالية العالمية الحالية من منظور إسلامي وأخلاقي في يوم 26 شباط (فبراير) 2009م. وقدمت فيها الأوراق التالية:
- ورقة مناقشة لمنصور شكيل Shakil مدير شركة الريان الاستثمارية في الدوحة بدولة قطر.
- دراسة حالة حول المشتقات المالية الإسلامية لحسام الكاتب وفرحان عباسي من جامعة هارفارد، مشروع التمويل الإسلامي، مدرسة القانون.
- محاضرة عامة لإيان برسون Ian Pearson السكرتير الاقتصادي لوزارة الخزانة البريطانية.
- محاضرة عامة للشيخ عصام إسحاق من مملكة البحرين.
- تعليقات من:
1- حبيب أحمد: أستاذ كرسي الشارقة في الشريعة الإسلامية والتمويل، جامعة درم (بريطانيا)، بعنوان: "الأزمة المالية والمخاطر والدروس المستفادة للتمويل الإسلامي". بين فيها أن تقليد النظام الإسلامي للنظام التقليدي يعرضه للأزمة نفسها.
2- ميخائيل غاسنر Michael Gassner  نائب رئيس بنك Sarasin & Co. Ltd. Bank، زوريخ، سويسرا، بعنوان: "الأزمة المالية والاقتصادية الحالية من خلال الأسواق التقليدية: نظرة عامة Overview". بيّن فيها أن الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية قد صادقت تحت الضغط على حلول سريعة وقذرة. Quick and Dirty Solutions كما بيّن أن الأزمة الحالية توقعها قبل وقوعها العديد من العلماء للعديد من السنين.
3- عمران إقبال مدير المنتجات الإسلامية في البنك السعودي الهولندي، الرياض، السعودية، بعنوان: "تحوط أم مضاربة؟".
4- محمد أكرم لالدين Laldin المدير التنفيذي لأكاديمية البحوث الشرعية الدولية في التمويل الإسلامي، كوالالمبور، ماليزيا، وشابنام Shabnam مختار، باحث في الأكاديمية، بعنوان: "إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي". بيّن فيها الباحثان أن من أسباب الأزمة المالية الحالية هي المبالغة في الاعتماد على النماذج الرياضية. كما بيّنا أن المشروعات في الإسلام إنما تخضع لغربال الشرع: تخلية (من المحرمات)، وتحلية (بالواجبات): غربال سلبي وآخر إيجابي.
5- محمد نجاة الله صديقي أستاذ الاقتصاد في جامعة عليكرة الإسلامية سابقاً، الهند، بعنوان: "إدارة المخاطر في إطار إسلامي". بيّّن فيها أن التمويل برأس المال أو بالمشاركة أفضل من التمويل بالدَّين.
6- سيف الدين تاج الدين من معهد ماركفيلد Markfield للتعليم العالي، ليستر، المملكة المتحدة البريطانية، بعنوان: "الأزمة المالية والاقتصادية الحالية من خلال الأسواق التقليدية: نظرة عامة".
7- رودني ويلسون الأستاذ في جامعة درم Durham ومؤسسة قطر كلية الدراسات الإسلامية، الدوحة، قطر، بعنوان: "الأزمة المالية والاقتصادية الحالية من خلال الأسواق التقليدية: نظرة عامة". بين فيها أن المصارف الإسلامية تتعرض لنفس المخاطر في البنوك التقليدية بالإضافة إلى مخاطر تملك السلع في المرابحة والإجارة وغيرهما.
وحددت للورشة الأهداف التالية:
- ما هي المبادئ العامة المطبقة على إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي؟
- ما هي آليات إدارة المخاطر المسموحة أو المفضلة في التمويل الإسلامي؟ وما هي الآليات الممنوعة أو المكروهة؟
- مستقبل إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي في ضوء الأزمة الحالية. كما حدد للورشة جدول الأعمال التالي:
1- الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة من خلال الأسواق التقليدية: نظرة عامة.
أ- ما هي العوامل الأولية التي سببت الأزمة؟
ب- ما هي الدروس المستخلصة من الأزمة؟
ج- كيف تتغير إدارة المخاطر نتيجة الأزمة؟
2- إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي: تعريفات ومبادئ
أ- ما هو الغرض الذي ترمي إليه إدارة المخاطر في نطاق التمويل الإسلامي، وفيمَ تختلف عن الإدارة التقليدية المعروفة؟
ب- ماذا تخبرنا القواعد القانونية التقليدية عن المبادئ العامة التي يجب أن تحكم الأهداف والممارسات المتعلقة بإدارة المخاطر في التمويل الإسلامي؟
ج- هل التمييز بين اقتسام المخاطر وتحويل المخاطر تمييز مفيد ومهم؟
د- كيف تقوّم هذه المقولة: إدارة المخاطر بالنسبة لأحدهم تعني المضاربة على الأسعار بالنسبة لآخر. توضيح حدود المضاربة.
3- إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي: الملامح والأدوات
أ- دراسة حالة لآليات التحوط المستخدمة في إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي: مبادلات معدل الربح، تحوطات سعر الصرف، مبادلات العائد الكلي، الخيارات (العربون).
ب- هل تتطابق هذه المنتجات الحالية مع المبادئ والأهداف المتعلقة بإدارة المخاطر في التمويل الإسلامي كما أوضحت أعلاه؟
ج- ما هو الأثر الاقتصادي لهذه المنتجات؟
4- مستقبل إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي
أ- كيف يمكن للأزمة المالية الراهنة أن تعيد صياغة مفهوم إدارة المخاطر في التمويل الإسلامي؟
ب- ما هي الأدوات أو الآليات التعاقدية التي يجب تطويرها؟
ج- ما هي الترتيبات المؤسسية أو النظامية المرغوب فيها؟
د- ما هي الاتجاهات والمسائل التي قد تظهر في السنوات الخمس أو العشر القادمة؟

- تعريف إدارة المخاطر:
هناك ورقتان تعرضتا لهذا التعريف: الأولى ورقة سيف الدين نقلاً عن ورقة حبيب أحمد وطارق الله خان في إدارة المخاطر 2003م. والأخرى ورقة محمد أكرم لالدين. التعريف الأول: "عملية شاملة تقوم بها مؤسسة مالية لتحديد استراتيجية العمل، وكشف المخاطر التي تتعرض لها، ووصفها، وفهم طبيعتها لأجل التحكم بها". التعريف الثاني: "عملية تحليل الانكشاف للخطر وتحديد كيفية القيام بأفضل طريقة للتحكم به".
لن أنقل ترجمة للأوراق، وهي أوراق مختصرة يبدو أنها كتبت ولا سيما التعليقات منها في وقت ضيق، ولكني أشير إلى أنه سبق لي أن طرحت في حوار سابق في المركز مناقشة لورقة سامي السويلم بعنوان: "التحوط في التمويل الإسلامي"، ونقلت هذه المناقشة في كتابي "الاقتصاد والأخلاق". ومن المفيد أن أذكر هنا أن عدداً من الأوراق المذكورة أحالت على ورقة سويلم، وبينت بعض مقترحاتها، مع بيان أن المسألة بحاجة إلى دراسة أعمق.
كما قدمت لمجلة المركز المجلد 19 العدد 2 لعام 2006م مراجعة لكتاب "إدارة المخاطر في الصناعة المالية الإسلامية" لطارق الله خان وحبيب أحمد، دعا فيه المؤلفان الفقهاء بإلحاح متكرر لإجازة الديون والمشتقات المالية. وقلت وقتها إن الفقهاء يحرمون ذلك والمؤلفين الكريمين يريدان إباحته. والسبب وراء ذلك أن التكوين العلمي للمؤلفين يعتمد على الاقتصاد الغربي وعلى دراستهما في أمريكا وبريطانيا، هذا ما عندهما. والآن وقعت الأزمة بفضل بيع الديون والمشتقات فماذا يقول لنا المؤلفان الكريمان؟!

- بعض التساؤلات:
هناك أسئلة تخطر في البال حول الدَّين: كفالة الدين، ضمان الدين: التأمين على الدين، توريق الدين، بيع الدين. ولا شك أن قيام المصارف ببيع الديون والتأمين عليها لدى شركات التأمين، بطريقة تعجّ بالتعقيدات والتخبيصات تحت اسم ابتكارات الهندسة المالية، قد أدى إلى انهيار المصارف وشركات التأمين معاً. وربما كان الشعار المرفوع قبيل الأزمة: أنا ومن بعدي الطوفان!

- أخطاء في الترجمة والمراجعة:
في كل كتاب أو بحث كنت أراجعه كنت أبيّن بعض الأخطاء في الترجمة والمراجعة. ومن هذه الأخطاء ترجمة مصطلح الغَرَر، وقد بينت ذلك في مقالة خاصة حول الموضوع.

- المخاطرة في الإسلام:
- النهي عن ربح ما لم يضمن.
- الخراج بالضمان.
- الأجر والضمان لا يجتمعان.
- الغنم بالغرم.
- يستحق الربح بالعمل والمال والضمان. وكنت أول من بيّن أن الضمان هنا بمعنى المخاطرة، ثم تبعني محمد تقي عثماني بدون إشارة، ثم لم نعد نعرف السابق من المسبوق.
- ركوب المخاطر.
- توزيع المخاطر.
- التوافق بين المخاطر والعائد.
- المخاطرة ليست عاملاً مستقلاً من عوامل الإنتاج (المخاطرة لا تستقل بالكسب).
- مخاطرة التملك.
- نقل المخاطرة ببيع السلعة، لا ببيع المخاطرة مستقلة عنها.
- مخاطرة التجارة، مخاطرة القمار، مخاطرة الربا.
- الغَرَر والخطر.
- الغَرَر وعدم التأكد.
- المضاربة في البورصات رهان (قمار).
- الوعد الملزم. وقد تعرضت له بعض الأوراق المقدمة.
كل هذا وغيره مبين في كتاباتي السابقة ويمكن أن يجده القارئ في كتبي التالية:
- أصول الاقتصاد الإسلامي، منذ طبعته الأولى 1989م وفي مقالات كتبت قبله ونشرت.
- الخطر والتأمين 2001م.
- الميسر والقمار 1993م.
- بحوث في الاقتصاد الإسلامي 2001م، جمعت فيه مقالات سابقة.
- فشل الأسواق المالية 2007م.
- الاقتصاد والأخلاق 2007م.
وأخيراً إذا كان المقصود أن نبيّن ما عندنا للمساهمة في حل الأزمة المالية العالمية فلا ريب أنه لا يمكن الاعتماد في ذلك على الممارسات العملية الشائعة لفقهائنا وخبرائنا، بل لا بد من الرجوع إلى النظرية الإسلامية النظيفة والخالية من التحايل والتقليد. فكما أن الأزمة قد أطاحت بالفكر الرأسمالي الغربي فقد أطاحت أيضاً بالباحثين والفقهاء الذين كانوا يستنسخون الفكر الغربي تحت أسماء ومصطلحات وحيل ما أنزل الله بها من سلطان. هل أسهم المسلمون بسلوكياتهم في صنع الأزمة، أم ساهموا في التخفيف من حدّتها. وها هي الأزمة قد وقعت فهل يسهم المسلمون في حلّ الأزمة، ولو جزئياً؟

المصدر: الأزمة المالية العالمية .. هل نجد لها في الإسلام حلاً؟

ارسال التعليق

Top