• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صراع الأجيال أم صراع الثقافات؟

غريد محمد

صراع الأجيال أم صراع الثقافات؟

◄أنّ المفاهيم والقيم والمثل والعادات والتقاليد تتبدل وتتغير ويجد الشباب أنفسهم مشدودين – من جهة – إلى قيم مجتمعهم ومثله وعاداته وتقاليده كما يجدون أنفسهم – من جهة أخرى – إلى ضرورة أحداث ثورة على بعض هذه القيم والتقاليد والمثل وهكذا يحدث الصراع بين الأجيال.

تتعرض بعض المجتمعات لتغيرات سريعة ويصاحب أي تغيُّر اجتماعي سريع عادة صراع في بعضهم القيم الاجتماعية وتفكك في بعض العلاقات الاجتماعية ونوع من القلق النفسي لعدم وضوح الرؤية المستقبلية مما يجعل الشباب في مفترق الطرق حائراً بين التمسك بالقديم المألوف الذي خلقته العادات والتقاليد أو الأخذ بالجديد الذي قد يكون مجهول العواقب في كثير من جوانبه والمجتمع الواعي الحريص هو ذاك الذي يؤمن بالتطور والتقدم ويبتعد عن الركون والجمود ويدرك إذا أراد إيجاد جيل من الشباب نشيطاً متوثباً من أن يتغير ويتبدل ويحرص على أن يتطور نحو الأفضل والمجتمع في فترات التغير تختلط فيه القيم وتتداخل الأمور من قديمه وجديده كما تكثر الاتجاهات وتتصارع حول أهداف ووسائل التغيير فيقع الشاب نتيجة لذلك ضحية هذه التناقضات ويجد نفسه في حالة من الصراع بين قدرته على العطاء والحلم في التغير وقوى مضادة في المجتمع تتألف من مجموعة عوائق اجتماعية تصد هذه القدرات وتمنعه من تقديم أي دور تغيري فأما أن يرضح ويقبل بهذا الواقع المفروض عليه وينادي بقيمه وأما أن يدخل في تناقض معه يدفع به إلى رفض القيم للنظام القائم مما يدفعه إلى أن يعيش أزمة من أبرز مظاهرها الصراع بين الأجيال ويعود تسميتها بذلك إلى هذا الميل أو الرغبة عند الشباب في الانفلات من سيطرة الكبار والثورة ضد السلطة بمظاهرها المختلفة سلطة الأب والمدرسة والمؤسسات والتحرر من هيمنتها من خلال الثورة على القيم الثقافية للراشدين. وبالرغم من أنّ النظام العائلي التقليدي والأبوي تعرض لتغيرات أساسية بسبب التغيرات البنيوية في بعض المجتمعات العربية فإن دور الأب لا يزال يقترن بالطاعة والعقاب والسلطة والحزم من خلال علاقة وصاية واضطهاد واحباط لا تعطي للشباب مجالاً لتحقيق استقلاله الذاتي وعلى الأخص بالنسبة للاناث ومع أن هناك تصادماً بين جيل الشباب الجديد وآبائهم للاعتراف بحقوق المساواة والمشاركة الا أنّ الصورة الغالبة حتى في المجتمعات التي حققت تقدماً في هذا المجال لاتزال مسيطرة عليها النوع الأبوي الذي يتميز بسلطة الأب المطلق.

وتصبح هنا إرادة تحطيم قيم الواقع الاجتماعي ضرورة وجودية لتحقيق الشباب لأنفسهم واثبات وجودهم والتعبير عن حاجاتهم ومتطلباتها وحماية هذه الذات من خطر الاستسلام والتقوقع في القوالب التقليدية والنظم البالية.

وجيل الشباب الجديد متعلم متنور مندفع لذلك من واجب الأجيال السابقة التي تتحكم بالأمور وتوجهها أن تفسح المجال للشباب مكاناً في توجيه شؤونهم وأمورهم وتعطيهم صوتاً ودوراً في افساح المجال لتحديد وتقرير ما يريدون هذا ما يطلبه شباب اليوم.

ولعل تزايد المسافة الاجتماعية بين جيل الكبار للذين يشكلون ثقافة خاصة بهم والتي من أبرز سماتها المحافظة والتقليدية وجيل الشباب الذين يشكلون ثقافة خاصة بهم والتي من أبرز صفاتها التمرد والثورة على الأهل والمجتمع والحيوية والديناميكية والبحث عن كل جديد أدت بطريقة ما إلى تزايد حدة الصراع الاجتماعي والثقافي والصراع القيمي على وجه الخصوص لدى الشباب. للقديم حرمته بل وقدسيته ولكن للجديد بريقه ولمعانه والشباب روح الأُمّة الوثابة وشعلتها المضيئة وحيويتها الدافقة علينا أن نلتفت إليهم وأن نعدهم أحسن إعداد لتجنيبهم كل انحراف ممكن مما يعود عليهم كأجيال جديدة حديثة العهد وعلى بلادنا بأحسن النتائج.►

 

المصدر: كتاب مشكلات الشباب

ارسال التعليق

Top