• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القيمة التربوية لمحاسبة النفس

القيمة التربوية لمحاسبة النفس

في الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أليس الكيّسين»، والكيّس هو العاقل، أي أعقل العقلاء «وعمل لما بعد الموت»، باعتبار أنّ ما بعد الموت هو الذي يمثل المصير الدائم الخالد: إمّا إلى جنة وإمّا إلى نارٍ، «وأحمق الحمقى»، والأحمق هو الذي لا يتحرك على أساس التوازن العقلي، «مَن أتبع نفسه هواه وتمنى على الله الأماني»، يتمنّى بأن يدخله الله الجنة، من دون أن يؤكد ذلك بالعمل الصالح.

وفي حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا»، ومعناه أنّه لابدّ للإنسان من أن يجلس مع نفسه، كما لو أنّ نفسه هي إنسان آخر يحاسبه في ما عمل كلّ يوم، في حياته الخاصة والعامة، «وزنوها قبل أن توزنوا»، في حساب يوم القيامة. والميزان هو ميزان الأعمال، وهو الذي يؤدّي بالإنسان إلى مصيره سلباً أو إيجاباً عند العرض الأكبر على الله سبحانه وتعالى. ويقول الإمام عليّ (علیه السلام): «حاسبوا أنفسكم بأعمالها، وطالبوها بأداء المفروض عليها» مما أوجبه الله «والأخذ من فنائها لبقائها» يعني الأخذ من الدُّنيا الفانية إلى الآخرة الباقية «وتزودوا وتأهّبوا قبل أن تبعثوا» حتى يبعث الإنسان وقد حزم أمره، وركّز أوضاعه، ليقرأ كتابه بشكل واثق، والله تعالى يقول: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء/ 14). وفي الحديث عن الإمام عليّ (علیه السلام) أيضاً: «حاسب نفسك لنفسك، فإنّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك». يقول الإمام (علیه السلام)، إنّ كثيراً من الناس يشغلون أنفسهم بحساب غيرهم على ما قاموا به وما عملوه، ولكنك لست مسؤولاً عن حسابات غيرك فيما عمله؛ لأنّ غيرك سوف يقف غداً للحساب، ويتحمل مسؤولية كلّ أعماله، وأما أنت، فإنّك تواجه حساب نفسك لنفسك.

وهكذا نجد القيمة التربوية لمسألة دراسة النتائج السلبية أو الإيجابية لكلّ ما يقبل عليه الإنسان، وما قام به من مسؤوليات، أكملها أو قصّر فيها، حتى يكتشف من خلال ذلك نقاط الضعف ونقاط القوة عنده؛ لأنّ الأمراض النفسية والعقلية والروحية والعملية كالأمراض الجسدية، فإن استطاع الإنسان أن يكتشف المرض في بدايته، فإنّه يصبح لديه القدرة على معالجته بشكل أسهل ممّا لو اكتشفه بعد أن يتعمّق في النفس أو في الجسد، لأنّه من الصعب أن يعالجه بالطريقة التي يمكن أن يحصِّل من خلالها العافية أو الشفاء من هذا المرض. ولذلك أولى الإسلام عملية المحاسبة والدراسة النفسية اهتماماً بالغاً، لكي يستطيع الإنسان معها أن يكتشف نقاط الضعف ليحوّلها إلى نقاط قوة.

ارسال التعليق

Top