◄قال الله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة/ 148).
لكلٍّ من أُمم الأديان قبلة توليها وجهها وتتجه إليها في صلاتها، فلم تكن قِبلة واحده يستقبلها الناس منذ أن كانت الرسالات الإلهية، لأن ذلك ليس أصلاً في دين الله وإنما الأساس فيها هو توحيد الله والسلوك الإنساني الكريم.
فما استقبال القبلة وما عدد ركعات الصلاة وما شابه ذلك إلا أمور تعبدية يجب امتثال الأمر بها، وان ما ينبغي أن يهتم به العاقل ويحرص عليه هو الخيرات والاستباق إليها والمسارعة إلى امتثال أوامر الله.
إلى هذا الاتجاه ذهب بعض المفسرين استناداً إلى سياق الحديث القرآني حيث جاءت الآية الكريمة بين آيات تتحدث عن البيت الحرام واختياره قبلة للمسلمين.
وهناك رأي يذهب إلى أنّ المراد بالوجهة هو طرائق العيش ومنهجه مصداقاً لقوله عليه السلام "كلٌ ميسَّر لما خُلِقَ له" فهذا في دنياه مزارع وذلك صانع وهذا في حياته تاجر وآخر موظف وكل من هؤلاء وغيرهم عون للآخر يحتاج إليه ولا يستغني عنه.
وسواء أكان المراد بالآية هذا الاتجاه أم ذلك فإن المعوَّل عليه في صلاح الإنسان هو التسابق إلى ما هو خير استجابة لأمر الله سبحانه (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) والخيرات كلمة جامعة لخصال الكمال التي تصل ما بين العبد وربه، وتصل ما بينه وبين مجتمعه، وعماد ذلك كله الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ومتى توفرت للمرء عناصر هذا الإيمان كان فعالاً للخير.
ومن الخير أن تستقيم على طاعة الله وتلزم مكارم الأخلاق وتنشر الفضيلة وتحارب الرذيلة.
ومن الخير أن تبذل من ذات نفسك ومالك تطلعاً إلى مجتمع الكفاية والعدل الذي يستهدف شرف الإنسان وكرامة الإنسان.
ومن الخير أن تعمل لرفعة وطنك حتى يأخذ مكانه اللائق به تحت الشمس ومن الخير بذل النفس والنفيس دفاعاً عن الوطن إذا أريد به كيد أو نزل بساحته ضيْم.
والاستباق إلى الخيرات فضيلة دعا إليها القرآن ورغب فيها ووعد عليها النعيم المقيم (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (الواقعة/ 10-12).
وفي قوله سبحانه: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) (البقرة/ 148)، ترغيب في التسابق إلى الخير وترهيب للقاعدين عنه، فمتى علم المرء أنّ الله سبحانه سوف يجمع الناس ليوم تجد فيه كل نفس ما عملت من خير مُحْضَرا وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً. (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء متى أيقن ذلك كان الإنسان فاضلاً خيِّراً لا يفعل إلا الخير "طوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مِغْلاقاً للشر وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للشر مغْلاقاً للخير".►
المصدر: كتاب القرآن نظرة عصرية جديدة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق