◄إنّ الحرّية قيمة كبيرة تعني فعالية الوجود البشري، وهي شأنٌ نابعٌ من جوهر الذات الإنسانية وإدراكها، وبهذا المعنى يعيش المرء غاية إنسانيّته عندما يعيش كامل حرّيته في التعامل مع مختلف القضايا، ومنها الدينية، فكلّ دينٍ من الأديان يشتمل على قواعد وطقوس وأوامر ونواهٍ، من عباداتٍ ومعاملات تنظِّم حياة الإنسان.
من هنا، عندما يريد المرء بدايةً أن يعتنق ديناً من الأديان، لابدّ له من أن يكون حرّاً في اختياره، وحرّاً في نظرته إلى ما يعتقد، وأن يمارس عباداته بكامل وعيه وحرّيته، لا أن يعيش التقليد والتبعية على مستوى الفهم والتطبيق لما يحمل من عقائد.
فالحرّية أمرٌ ضروري ومسألة حسّاسة تتّصل بعمق الإيمان، وبعمق الممارسة الدينية، فالله تعالى يريدنا أن نكون العابدين الأحرار، والواعين في طاعته وعبادته، لا العباد المقهورين المسلوبين من حرّيتهم وإرادتهم.
إنّ العبادة الحقّة تشترط عقلاً منفتحاً واعياً لا يتحرّك على السطح، بل ينفذ إلى العمق، ويحلّل ويدقّق ويستفهم، وينطلق في آفاق الحياة مستكشفاً وباحثاً ومستفهماً، بغية الاستزادة والفعل والتأثير، كما تشترط حرّيةً في الكلمة، فلا يتبع الإنسان الغوغائيّين أو يقلّدهم، وحرّية الموقف، بأن يلتزم الحقّ والصِّدق والإخلاص، فلا ينجرف وراء خوفه وتبعيّته العمياء للظلاميّين والجهلة..
فالله تعالى لا يقبل إلّا العبادة الصَّادقة الصَّافية، النَّابعة من عمق المشاعر والإيمان، والسَّائرة في خطِّ الحرّية والعقل.
كم من أُناسٍ ليسوا أحراراً في حياتهم والتزاماتهم وقراراتهم، وحتى في إيمانهم السطحي، فيما واقعنا يحتاج إلى الإنسان الحرّ العاقل، الذي لا يعرف لغة الممنوعات، بل يسعى على الدوام إلى البحث والاستفهام والتزوّد بالمعرفة، فالحرّية والعقل عنصران متكاملان يحفِّزان الإنسان على الحركة الفاعلة والمنتجة، والتي تربط البشر بربّهم عبر علاقة أصيلة عميقة ومتجدِّدة.
فلنربِّ أنفُسنا على أن نكون الأحرار والعاقلين في ارتباطنا بالله، وفي فهمنا ووعينا لمسيرتنا الإنسانية والحضارية، كي نؤصِّل هذا الوجود ونمنحه القيمة التي يستحقّ.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق