• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قيمة الغِبطة

أسرة البلاغ

قيمة الغِبطة

(الغبطة) هي موقف معاكس لـ(الحسد) سلبيّ والغبطة إيجابية، فهذه خطوة علاجية.

فإذا كان الحسد يعني تمنّي زوال نعمة الغير أو انتقالها إلى المحسود، فإنّ الغبطة هي تمنّي نعمة مماثلة للنعمة التي يتمتع بها المحسود. فأنت حينما تتمنّى أن تكون لديك نعمة أو خصلة أو مزيّة من مزايا الشخص الآخر، إنّما تضع في الحساب أنّ الله واسع الرزق واسع الرحمة، وكما أنعم على أخيك أو صديقك أو أي إنسان آخر بنعمة ما، فإنّه قادر على أن يمنّ عليك بمثلها، ولا يُحدث ذلك نقصاً في خزائنه التي لا تنفد، وهو عليه سهلٌ يسير.

بينما الأمر في الحسد مختلف، فأنت هناك تضيّق واسعاً فترى أنّ رحمة الله ورزقه ولطفه وعنايته محصورة بالشخص المحسود، وحتى تنعم بها لابدّ من زوالها منه وانتقالها إليك، في حين أنّك تعرف أنّ نعم الله لا تعدّ ولا تحصى وهي تفوق الكمّ البشري الهائل منذ الخليقة وحتى النشور.

يقول رسول الله (ص): "قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران: يا ابن عمران! لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدنّ عينيك إلى ذلك ولا تُتبعهُ نفسك، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادٌّ لقسمي الذي قسمتُ بين عبادي، ومَن يكُ كذلك فلستُ منه وليس منِّي".

ولذا فإنّ وعي المُغتَبِط أو الغابِط الذي يتمنّى أن يكون له مثل ما لغيره دون أن يحيف أو يسيء الظن أو يمارس البغي، وعيٌ إيمانيّ راجح يعبّر عن نفسٍ زكيّة، فهو لا يغلق الباب على نفسه في التمنّي على دائم الفضلِ على الناس والباسط يديه بالعطاء، ولا ينظر نظراً شزراً إلى ما لدى الآخرين من نعم، بل هو يتمنّى لهم أن ينعموا ويهنأوا فيما هم فيه، وأن يزيد الله عليهم من فضله وبركاته، ولذا تراه إذا رأى النعمة عند غيره ذكر الله، وقال: "بسم الله ما شاء الله" يريد بذلك أنّ إرادة الله هي الحاكمة ونحن لا نملك إلّا التسليم لها.

إنّ المغتبط – على عكس الحاسد – يعيش النقاء الروحيّ الذي ينطلق من التعامل مع المُنعِم مباشرة وليس مع المُنعَمْ عليه، لأنّه يرى أنّ هذا – مهما كان غنياً – فهو فقير مثله ولولا فضل الله ونعمته عليه لما ظهرت عليه آثار النعمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15).

ونخلص من ذلك، إلى أنّ الإسلام يهتم بـ(الدافع) و(المحرّض) و(المحرّك) و(النيّة) فالدافع في الحسد شرير سواء على مستوى التفكير أو مستوى التخطيط للتدمير، في حين أنّ الدافع في (الغبطة) خيّر في التفكير وفي إرادة الخير للذات وللغير.

 

ارسال التعليق

Top