إنّ الكون فيما بين اجزائه مبني على التوازن الدقيق في اجزائه ايضاً إلا انّه بشكل عام وككل فهو ليس متوازناً فهو في حالة توسع وانتفاخ دائم إي في حالة حركة دائمة وليس ساكناً. وانّ القرآن الكريم مبني على التوازن الدقيق في كل الأمور. والتوازن هو اجتماع الاضداد واذا ما زاد الجزء اختل الكل ويصبح الكل أصغر من الجزء. ففيه الترغيب والترهيب وفيه الحركة والسكون وفيه النور والظلمات... ففي سورة الرحمن:
(الرَّحْمَنُ *عَلَّمَ الْقُرْآنَ *خَلَقَ الإنْسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ *الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ *وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ *وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ *أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ *وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن/1-9) إنّ اقرب ما يراه الإنسان في الكون هي الشمس والقمر والكواكب والنجوم والشمس والقمر أقربها وهما الانطلاق لمعرفة ما دونهما من الكواكب والنجوم. إنّ حركة الشمس وحركة القمر محسوبة.
السماء رفعها ووضع الميزان:
والسماء في اللغة العربية هو كل ما ارتفع وسمى فوق الإنسان. وهذا يعني أنّ السماء هي ممثلة بالشمس والقمر والكواكب والنجوم. وأما الميزان فهو التوازن الرابط بين هذه الكتل السماوية ويضبطها من الطغيان والانحراف على مساراتها ووظائفها المحددة. وللتوازن وظيفة هامة هي الحفاظ على الوضع النسبي لهذه الأجرام السماوية على الرغم من حركتها. والتوازن هو ناتج عن مجموعة من القوى الرابطة وهذه القوى هي هي قوى الجذب وقوى النبذ بين الكواكب. ولقد أخذنا مثال الأرض والشمس ونقيس بهذا على كل ما تبقى من الأجرام السماوية انّ هاتين القوتين قوة جذب الشمس للأرض والقوة النابذة متساويتان وسطياً لذلك تبقى الأرض محافظة على البعد المقرر لها من قبل الخالق عز وجل عن الشمس. وهاتان القوتان غير مرئيتين ولكنهما متوازيتين ومتساويتين وسطياً، لذلك لا تفلت الأرض إلى الفضاء ولا تسقط الأرض على الشمس بسبب توازن هذه القوى.
إذن: تسيطر عليهما حالة من التوازن وهذا التوازن الذي ذكره الله تعالى في قوله "والسماء رفعها ووضع الميزان". فلو زادت قوة عن قوة لاصبح هناك خلل وبالتالي فسد نظام الكون وانهار. لقد وضع لنا الخالق العبرة من توازن السماء على إلا نطغى في موازين الأرض فتفسد أمور الدنيا. قال تعالى:
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ *وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد/2-3). إذا سألت كيف رفع الله سبحانه السماوات والكواكب والنجوم يقول رفعها بغير عمد لأنّ الله قادر على كل شيء. وكثيراً ما تقرأ هذه الآية على أنّها آية المجاز. إنّ الله تعالى بلا شك انّه على كل شيء قدير ومن لطفه ورحمته انّه يبين لنا قدرته لا أن يخفيها عنا لتكون معجزة فهو يفصّل الآيات ويشرحها ويبينها لنا لتطابق مدى مفهومنا وعقولنا وتكون معجزة من حيث التكوين لا من حيث الوصف فنحن نعجز أن نصنع صنعه سبحانه ولكنه سبحانه يبين لنا ذلك ولا يخفيه وإلا أصبح كل شيء معجزة عندما تختفي تفاصيل تكوينه وبالتالي لما نزل القرآن وما كان فيه تفصيلاً وشرحاً لأسرار الكون. والمعجزة هي التي لا يستطيع الإنسان أن يصنع مثلها. فالأقمار الصناعية هي ليست معجزة لأنّها لا تدوم ولا تتمتع بنفس التكوين للأجرام السماوية. والإنسان معجزة لأنّه مخلوق لا يتمكن الإنسان من خلق إنسان.
والمادة معجزة لا يستطيع الإنسان من خلق مادة... وهكذا.
وباختصار انّ المعجزة هي التي تخضع لنظم وقوانين لا تعرفها البشر ولا يستطيع الإنسان اخضاعها لقوانينه أو حل رموزها. فعندما نقول سبحان الله الذي رفع السماوات بعمد لكننا لا نرى هذا العمد أي هناك عمد غير مرئية والعمد في هذه الحالة هي القوى الموازنة بين الكواكب كي لا يسقط بعضها على البعض ويفسد الكون. والعمد هو جمع عماد والعماد هو العمود. ويمكن أن يكون العمد مادياً يرى ويمكن أن لا يكون مادياً "قوي" فلا يرى. فالأعمدة هي نوعان إما أن تكون مادية كالأعمدة التي تحمل سطوح المنازل "مادية" أو غير مادية لا ترى وهي قوى مثل القوى المغناطيسية. رغم انّ الله سبحانه قادر على أن يجعلها بدون شيء إلا انّه فصل لنا ذلك حتى تستوعبها عقولنا. وهذا يعتبر لنا درساً في الصناعة وغيرها فإذا كان الله قد خلق هذا الأمر على شكل معجزة فكيف تستطيع تطبيق مثل ذلك على ضروراتنا. ونحن أشبه ما نكون بمثال الغراب في قصة هابيل وقابيل عندما احتار قابيل كيف يصنع بجثة أخيه بعدما قتله فبعث الله غراباً يحمل غراباً مقتولاً فنبش الغراب الأرض ثم وضع فيه الغراب الميت ثم دفنه فعرف قابيل ذلك فوارى أخاه التراب... وهكذا الإنسان لا بد من دليل لتعلم أما بمثال قائم "كحركة الأجرام" وإذا اعتمدنا كلياً على التفكير قد يطول بنا الزمان لنتوصل إلى الحقائق ولكن بوجود القرآن فهو يدلنا ولا نحتاج إلى زمان طويل لمعرفة الظواهر. إنّ آيات التوازن في القرآن الكريم كثيرة ومتعددة علينا أن نفهمها وندرسها ونستفيد منها لتطبيقها في حياتنا اليومية.
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد/3). لقد جعل الله الارض كروية ممدودة بدون حواف ووضع فيها الجبال راسيات للتوازن نحن لا نعلم كثافات الكرة الأرضية الداخلية. فقد تزداد الكثافات في المقابل لتوازن الجبال والمحصلة ايجاد التوازن الدائم حتى لا يختل دوران الأرض وكروية الأرض تجعل حلول الليل على النهار بشكل منتظم غير حلوله فيما لو كانت مكعبة مثلاً انّ الإنسان هو خليفة الله في الأرض فالله يخلق الأشياء لأنّه الخالق الوحيد في هذا الكون وكرّم الإنسان بالصنع لأنّه اتاح للإنسان كل مستلزمات الصنع وذلك عندما أغرق الله سبحانه الإنسان بكرم ولطف ما بعده كرم. خلق الكون والأرض والطبيعة وفيها الدروس والملاحظات والعبر. خلق الإنسان واودع به عقلاً مفكراً عن سائر المخلوقات. أنزل عليه القرآن ليطبق دساتيره في الطبيعة ويستفيد منه. كل هذا ليشكر الإنسان ربه الكريم ويتفكر بعظمته وقدرته وبقدره حق قدره ويقول الإنسان عندها (أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء/87).
المصدر: كتاب القرآن الكريم والفيزياء الحديثة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
imad ourquia
merci