• ١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الهُوية (Identity)

العلامة محمّد عليّ التهانوي

الهُوية (Identity)

بضم الهاء وياء النسبة هي عبارة عن التشخُّص وهو المشهور بين الحكماء والمتكلِّمين. وقد تُطلق على الوجود الخارجي وقد تُطلق على الماهية مع التشخُّص وهي الحقيقة الجزئية، هكذا في شرح التجريد والخيالي. ويقول في كشف اللغات: إنّ الهويّة مرتبة الذات البحتة. وأما مرتبة الأحدية واللاهوت فإشارة لها. وهو بضم الهاء وسكون الواو إشارة للذات المطلقة. قال في الإنسان الكامل هوية الحقّ تعالى عينه الذي لا يمكن ظهوره لكن باعتبار جملة الأسماء والصفات فكأنّها إشارة إلى باطن الواحدية. وقولي فكأنّها إنّما هو لعدم اختصاصها باسم أو نعت أو مرتبة أو وصف أو مطلق ذات بلا اعتبار أسماء وصفات، بل الهوية إشارة إلى جميع ذلك على سبيل الجملة والإنفراد وشأنها الإشعار بالبطون، والغيبوبة وهي مأخوذة من لفظة هو الذي هو للإشارة إلى الغائب وهو في حقّ الله تعالى إشارة إلى كنه ذاته باعتبار أسمائه وصفاته مع الفهم بغيبوبة ذلك. 

شأن البطون وماله من جاحد إعلمْ أنّ هذا اسم أخصّ من اسمه الله وهو سرٌّ لاسم الله. ألا ترى اسم الله ما دام هذا الاسم موجوداً فيه كان له معنى يرجع به إلى الحقّ، وإذا فكّ منه بقيت أحرفه مفيدة لمعنى. مثلاً إذا حذفت الألف من اسم الله يبقى لاه ففيه الفائدة. وإذا حذفت اللام الأوّل يبقى له وفيه فائدة. وإذا حذفت اللام الثانية يبقى هو والأصل في هو أنّه هاء واحدة بلا واو، وما ألحقت به الواو إلّا من قبيل الإشباع والاستمرار العادي جعلهما شيئاً واحداً. فاسم هو أفضل الأسماء وأعظمها. واعلم أنّ هو عبارة عن حاضر في الذهن ترجع إليه بالإشارة من شاهد الحِسِّ إلى غائب الخيال وذلك الغائب لو كان غائباً عن الخيال لما صحَّ الإشارة إليه بلفظة هو فلا تصحّ الإشارة بلفظة هو إلّا إلى الحاضر. ألا ترى أنّ الضمير لا يرجع إلاّ إلى مذكور لفظاً أو قرينة أو حالاً كالشأن والقصة، وفائدة هذا أنّ هو يقع على الوجود المحض الذي لا يصحّ فيه عدم ولا يشابه العدم من الغيبوبة والفناء لأنّ الغائب معدوم من الجهة التي لم يكن مشهوداً فيها فلا يصحّ هذا في المشار إليه بلفظة هو، فعلم من هذا الكلام أنّ الهوية هو الوجود المحض الصريح المستوعِب لكلِّ كمال وجودي شهودي، لكن الحكم على ما وقعت عليه الغيبة هو من أجل أنّ ذلك غير ممكن بالاستيفاء، فلا يمكن استيفاؤه فلا يدرك. فقيل إنّ الهوية غيب لعدم الإدراك لها فافهم لأنّ الحقّ ليس له غيبة غير وجه شهادته ولا شهادته غير وجه غيبته بخلاف الإنسان، وكلّ مخلوق كذلك فإنّ له شهادة وغيباً، لكن شهادته من وجه وباعتبار وغيبته من وجه وباعتبار. وأمّا الحقّ فغيبته عين شهادته وشهادته عين غيبته فلا غيب عنده من نفسه ولا شهادة، بل له في نفسه غيب يليق به وشهادة تليق به كما يعلم ذلك لنفسه، ولا يصحّ تعقّل ذلك له فلا يعلم غيبه وشهادته على ما هي عليه إلّا هو سبحانه تعالى.

 

المصدر: كتاب كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم/ ج2

ارسال التعليق

Top