◄من صفات المؤمن التي يجب التحلي بها، التسليم إلى الله تعالى في كلّ شيء، بشكل يبرز عمق الإيمان في ارتباط الإنسان بربّه المطلق والخالق المهيمن على الأمر كلّه. هذا التسليم ينطلق من الإخلاص لله الذي يدفع الإنسان إلى أن يكون محسناً معطاءً في موقفه الذي يتبنّاه، ويلتزم من خلاله الحقّ، وفي سلوكه عندما يحسن إلى مَن حوله بالكلمة الطيِّبة والبرّ والرحمة ومشاعر الخير، فلا يمكن للإنسان أن يكون مسلِّماً بأموره لله، وهو يعيش ازدواجية الشخصية والنفاق والتزلّف والخداع، فذلك غاية التنافي مع الثبات والقوّة والاستقامة التي يستند إليها المرء في نهضته لمواجهة تحدّيات الحياة، والتي أراد تعالى أن تكون راسخة في نفس الإنسان، لا يعتريها ضعف ولا وهن. هذه القاعدة التي ينطلق منها المؤمن، توصله في نهاية المطاف إلى النتائج المُرضية في الدُّنيا والآخرة، بحيث يحيا الانسجام والتناغم والتوازن في كلّ خطواته.
قال الله تعالى في كتابه المجيد: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) (لقمان/ 22).
نتحدّث في معرض تفسير الآية المباركة، عن طبيعة الارتباط بين العبد وربّه، وتمسّك العبد بكلّ ما يثبّته على الصراط السوي في الدُّنيا والآخرة.
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) بالاستسلام الكلّي له في كلّ أُموره، والإقبال الكامل عليه بكلّ أقواله وأفعاله، بحيث تكون ذاته خاضعةً له بكلّ عمق الفكر والشعور، ويكون الله هو ما تتطّلع إليه بكلّ أحاسيسها وأفكارها ومشاريعها العملية، في ما يوحي به تسليم الوجه لله، من معنى يجعل التوجّه في كلّ اتجاه بيد الله، فهو الذي يحدِّد له وجهته في كلّ مواقع رضاه، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله وسلوكه الذي يتحرّك معه في اتّجاه إسلامه لربّه (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) التي لا انفصام لها، لأنّها تمثّل الصلابة القوية التي لا مجال فيها للخلل من كلّ جهةٍ، لأنّها ترتبط بالله، وكلّ ما يرتبط به، فهو ثابت ثبات الكون كلّه.
(وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ)، حيث يجد هؤلاء المسلمون أمرهم إلى الله، المحسنون في أعمالهم، كلّ خيرٍ وثوابٍ ورحمةٍ وفوزٍ عظيمٍ في جنّة الله ورضوانه.
يريدنا تعالى أن نكون عباداً مخلصين مستسلمين له بكلّ إيمان، أن ننطلق من الإحسان الذي يسمو بأرواحنا، ويجعل الحياة عامرةً بالخير والبذل والرحمة، فنواجه الضعف في سياستنا واقتصادنا وأمننا واجتماعنا، ونعمل على التخفيف قدر المستطاع من آلام الآخرين ومشاكلهم الاجتماعية والإنسانية، ونستند في حياتنا إلى قواعد ثابتة راسخة أرادها تعالى أن تكون معيّنة لنا، حتى نواجه أنفُسنا ورغباتها وأنانياتها، ونمنع نقاط الضعف من التسلّل إلينا.
المؤمنون هم المحسنون حقّاً، الذين يتحسّسون المسؤولية في كلّ كبيرة وصغيرة، وفي كلّ شأن من شؤون الحياة، وينطلقون من خلاله ليؤكِّدوا حُسن تسليمهم لله وتوكّلهم عليه، وإيماناً منهم بما أعدّه تعالى لهم من نِعمة وفضل وفوز برِضاه تعالى في الدُّنيا والآخرة.
يدعونا تعالى إلى أن نكون المجتمع الذي يُسلِّم أُموره إلى الله تعالى، ويعيش المسؤولية والأمانة وذهنية الانفتاح على الإحسان، فلا تكون سلوكياتنا ومواقفنا إلّا في خدمة الناس والحياة، كما يدعونا تعالى إلى أن نكون من الذين يثبتون على الحقّ والاستقامة، ولا يعرفون ضعفاً ولا عيباً، ويجعلون من حياتهم مساحة يؤكّدون فيها مدى تمسّكهم بخطّ الله الذي لا اهتزاز فيه ولا سقوط.
فما أحسن أن نكون من المحسنين المسلمين لله، المنطلقين من أرض صلبة، ورؤية واضحة، وإيمان راسخ يحثّنا على نشر الفضيلة والرحمة، وتأكيد الاستقامة في كلّ جوانب الحياة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق