تتجلى حقيقة وجود هذا العالم بقدر ما يضفي عليه حقيقة الوعي الإنساني من معنى، فإدراك هذا العالم وحقيقته الكونية تراكمت في بعد الصيرورة الإنسانية التي ما لبثت تحاول بالمزيد من الإستنتاج النظري والاكتشاف المادي البديهي والعلمي وغيرها من ذخائر المعرفة الإنسانية، تحاول بالمزيد من ذلك الوصول إلى حقيقة هذا العالم، والظفر بمعرفة أكثر يقينية لحقيقة الوجود المتجزئ، تلك المعرفة التي تدفع بحركة الوجود الإنساني إلى ضفاف المعقولية لذلك الوجود الكلي لهذا العالم، وبالتالي الركون إلى طمأنة الذات الإنسانية من خلال إدراكها الماثل بالتكامل مع العالم والمشاركة في حقيقته المعلومة، الأمر الذي يسقط حالة الدهشة والغرق في مزيد من التصور الوهمي لأحداث هذا العالم الطبيعية، واستشعار حالة الرهبة والخوف جراء ما يحدث في هذا الكون الأرحب.
يطلق لفظ الوجود كمفهوم اعتباري لا حقيقة له من حيث الكلية في المدرك الإنساني، إلا بالمقدار النسبي العرضي الخارج من الذات بقدر ما يتراكم من إدراك للمعنى بإشارة عقلية ممكنة، أو بمحاولات إحضار مفهوم الوجود بالاعتبار العلمي، وما تلك المعرفة أيضاً إلا من قبيل حصول صورة ما من ذلك المعنى لأنّ الصورة المدركة عقلياً، أو المجربة علمياً، ليس بالشرط حقيقة ذلك المعنى للشيء، وذلك بدليل تغاير أو تبدل المعرفة في حقيقة ذلك المعنى، وهو غير الصورة الخارجية له كما يعبر الفلاسفة.
لا يمكن وضع تعريف مستقر وثابت ومحدد لمعنى الكون، وبالذات في العقود الزمنية الأخيرة التي تتقافز فيها معطيات العلم الإنساني في شتى مجالاته الحياتية بصورة مذهلة، تدفعه باستمرار لتغيير طبيعة قناعاته على ضوء ما استجد من حقائق. فالكون وتعاظم حجمه، واتساع أفقية مدارات الفضاء من حول كوكبنا الأرضي، لا يسعفان إلا بالنزر اليسير من إدراك طبيعة الكون، وبالقدر الذي تهيأت فيه المقدرة والشجاعة لهذا الإنسان أن يذهب بعيداً في المحاولة المستديمة للوجود الإنساني لمعرفة حقيقة هذا العالم.
إذاً فالكون معنى كلياً تتكامل فيه عوالم عديدة، والذي منها عالم الناس وعالم الطبيعة وعوالم كل الموجودات المدركة وغير المدركة التي تتشعب في هذا الوجود الكلي، مشكلة بذلك عالم العلائق القائمة بين الموجودات وظواهرها.
ـ كيف يبدأ الإنسان نظرته الكونية؟
يبدأ الإنسان وجوده بحركته الطبيعية وإرادته المتنامية من خلالها في بعدي الزمان والمكان، التي تسمح له بالمزيد من الاكتشاف والمعرفة، ولذلك صار لازماً عليه توقع المزيد من وجود حقائق معرفية لم يصل إليها بعد، فالإنسان في حركة دائبة لأجل الوصول إلى ما لم يعرفه، يساعده بالضرورة مدى القابليات المودعة فيه، وبذلك استطاع الإنسان أن يتجاوز ذاته ووضعه الوجودي، إلى عالم الأسئلة التي تمتد إلى محاولة الكشف عن واقع أكبر من واقعه المحدود، فالإنسان أكبر من ذاته وواقعه الذي يشعر بضرورة تجاوزه، وحتى لو لم يكن لديه وسيلة معرفية تسعفه لضمان ذلك التجاوز من عقائد ونظريات وحقائق، حتى لو لم يتوفر له ذلك فسوف يذهب نحو الأساطير والأوهام والأكاذيب، لكي يشعر هذا الإنسان بأنّه قد خرج من قوقعة الذات إلى فضاء العالم الخارجي، ويفك نفسه من حصار الشعور بالعجز أمام عظمة الكون.
يمتاز الانسان عن بقية موجودات هذا العالم بطبيعة استعداداته وقابلياته الأصيلة، ومن خلال مبادئ أولية تأتي إلى الوجود معه، ولا حاجة له في أن يكتسبها، وتلك هي ما يطلق عليها اسم (الفطرة)، وهي الجبلة المهيئة لطبيعة هذا الكائن الإنسان وامتيازاته الوجودية، فهي خاصة به، وتختلف في طبيعتها عن بقية الموجودات في فطرتها، قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم/ 30).
إذاً من خلال ذلك التهيؤ المسبق لإحساس الانسان الوجودي تتفتق بذور حركة وعي الإنسان تجاه نفسه وتجاه العالم من حوله، وتتصاعد لديه الحركة نحو آفاق الوجود الذي يتطلع إلى استيعاب كنهه وحقيقته، حاملاً معه كل ما يكتنف تلك الرحلة من دوائر الأسئلة المحيرة التي كثيراً ما تشتبك حتى مع الاستعداد الفطري الذي يقاوم ذلك الاختلال في طبيعة البحث الإنساني عن حقيقة الذات والعالم، الأمر الذي يتطلب وجود هداية أخرى في الطبيعة الخارجية لوجود الإنسان، ولابد أن تكون أقوى وأكمل استيعاباً لجدليات البحث الإنساني في الخطوط الخاصة والعامة لحركته الوجودية.
ـ التجربة ونظرة الإنسان الكونية:
تتوالى احداثيات المعرفة الإنسانية في معنى فعله الوجودي وماهيته، فبفضل العقل المفكر فيه يمضي الإنسان نحو الكينونة، التي تتمظهر تمثلاتها في مدى المقدرة الإنسانية في السعي نحو تحقيق مزيد من المعرفة الحية لطبيعة تجربته الحرة، إنّ على الصعيد الفلسفي، أو مجالاته العلمية الطبيعية، فما إن يبدأ الإنسان حضوره في هذا العالم، وتبدأ حقيقة انتمائه للمعاش الإنساني، وتتشكل في طبيعة حركته هواجس الوجود وأسئلته، وما إن تتكون لدى الإنسان المفهومات الأولية الملتصقة بذاته الوجودية، ما إن يبدأ ذلك حتى تبدأ مفهومات تجربته البسيطة في السعي المسؤول نحو توظيف تلك المفهومات بالصورة التي تستدرك فيها الذات الإنسانية نسبية الحقيقة في تلك المفهومات المكتسبة ومثوليتها الظاهرية على مستوى المعنى، الأمر الذي يدفع هذا الإنسان إلى التطلع الحثيث نحو الحصول على المزيد من المفهومات والمعارف سواءً في المجالات الفكرية الخالصة، أو المجالات العلمية التجريبية.
فلقد كشف الإنسان بكدحه الماثل بالضرورة، عن جهد لا ينضب، ما دام يشعر في جوهر وعيه بكلانية الوجود، وبأنّه الجزء الأهم في مسار تلك الكلانية، وهذا الشعور الجواني التي تزخر به الذات الإنسانية، هو الذي يدفعه إلى الشعور بضرورة الوحدة بين عالمه وكل العوالم الأخرى التي من حوله، وبأنّ حضوره في هذا العالم معها هو حضور تشاركي، وهذا الذي يمكن أن نطلق عليه الوعي الكوني والذي لا يمكن أن يكون دون تجربة الإنسان في بعديها المثالي والمادي معاً.
ـ الدين ونظرة الإنسان الكونية:
لقد سعى الإنسان، عبر تاريخه الطويل إلى الارتفاع بقدراته المعنوية والمادية في مواجهة كل ظروفه الوجودية، فعبر الزمان الإنساني الذي تدرجت فيه كمالات الإنسان في تجربته المعرفية المتعددة والمتواشجة بفاعلية مقدرته الاتصالية بكثير من موجودات هذا الكون، ومن خلال تأصيله حقيقة (المبدأ الإنساني) والذي أكدته تطلعات الإنسان العلمية المعاصرة، في بادرة فيزيائية فذة تلخص ذلك المبدأ بما يمكن صياغته كالآتي: ((إنّ الأشياء موجودة بما هي عليه لأننا موجود) بمعنى أن هناك عدداً كبيراً من عوالم مختلفة ومنفصلة ولكل منها قيم مختلفة لمعلماتها الفزيائية ولظروف بدايتها. معظم هذه العوالم لن تكون فيها الظروف المناسبة لنشأة حياة ذكية) (العبقري والكون/ جون بوزلو/ العدد 498/ عام 1992/ 155 ـ 156).
هكذا تصل غايات المعرفة الإنسانية إلى تنبؤاتها الفرضية في تصورها الكوني للعالم، بعد غربلة كثير من حيثيات البحث الإنساني في المعاني الكلية للوجود الإنساني وقوانينه العقلية، فالمفاهيم الفلسفية ذات الطبيعة المجردة لا تزال قائمة ، ولا زالت كثير منها موضع جدل الإنسان، فمبحث الوجود والماهية، والعلاقة بينهما والمسألة الإلهية وفق الحجج والأدلة الوجودية، والكونية والغائية، وقانون السبب والسببية، وغير ذلك من مباحث أفاضت على العقل حقائق أخرى لمعقولية الوجود وماهيته الوجودية.
ولكن ماذا بعد كل هذا الإصرار النافر لسعي الإنسان الدؤوب نحو مثولية ناضجة وبصيرة مكتملة لحقيقة الوجود؟ وما هو السبيل لتصور أكثر معقولية لحقيقة هذا العالم في طبيعته الكونية العامة..؟ وهل يحتاج الإنسان إلى هداية خاصة تسبب له المزيد من السعي السديد والمنظم نحو تلك الغايات..؟
الظاهرة الدينية عند الإنسان تتشخص بظل أحد مكونيه الرئيسيين هو الجانب الروحي، هذا الجانب لدى الإنسان هو الذي يوائم بين طموح السعي الإنساني في ماديته ومحسوساته المباشرة وبين تلك الطبيعة الماورائية في ذات الوجود الإنساني من مكنونات حضورية غير مادية مثل العقل وعملياته، والنفس وكل دواخليتها، وحقائق مثل الروح والموت وغير ذلك، المعنى الروحي هو الحاضن الأسمى لتمثلات تلك الحقائق وحضورها في الوجود الإنساني، فمهما تواتر الجدل حول طبيعة الجانب الروحي لدى الإنسان، إلا أنّ الإقرار بذلك الجانب مسلم به بتراتب التسليم بوجود ما ورائيات الحضور الإنساني.
من هنا يبزغ حضور الإنسان الجوهري في مستويات المعنى الروحي، الذي يصبو نحو المزيد من المعرفة الضمنية لحقيقة ذلك الحضور، لإضفاء حالة من الطمأنة على وجده، وليخلق حالة من التوازن بين طبيعة تلك الحقائق وبين ما يكتشفه من حقائق ملموسة، ولكن ما هي المنهجية والدليل الذي يسبغ سيرورة الإنسان ضمن مسارات أكثر نجاحاً في رحلته المضنية صوب تلك الحقائق؟ بل ما هو الخط الأرشد للوصول إلى أمان النظر الأكثر استيعاباً لهدفية الوجود الإنساني؟
إذا كان الجواب على هذه الأسئلة وغيرها سوف يكون بغير (الدين) فسوف نذهب بعيداً نحو المزيد من الإرهاق الوجودي للإنسان، والغرق في متاهات مغلفة بسفسطة ممجوجة، لا تعدو أن تكون غروراً وتضخماً في الذات تدفعه حصولية مبتذلة لإحساس الإنسان بالمقدرة على التملك المادي وربما المعنوي، ناسياً أو متناسياً حقيقته الإنسانية المحدودة، إنّ من حيث الزمان ببدايته ونهايته الوجودية، أو من حيث حدوده المكانية أيضاً، كما أن يغفل أو يتغافل عن حقيقة الطبيعة التشاركية له من بقية الموجودات في هذا الكون، وبالخصوص الموجود الإنساني المقابل له، وأحقية جميع الموجودات في الحضور كما هي أحقيته.
إذ لابد من إضفاء صبغة الرشد على حركة الإنسان في هذا الوجود، ومن خلال تلك الحقيقة الدينية التي يستدل عليها ابتداءً من وجود خالق لهذا الكون، ومدبر لشؤون حركته، ومسبباً لوجوده، ومنه بدايته وإليه نهايته، وتتجلى ما بين ذلك حكمته في خلق هذا الوجود، وجليل جماله وصنعه، فإذا كان لنا الإقرار بذلك الوجود الإلهي المقدس، الكلي في حقيقته، تسنى لنا التصديق بالصلة المطلقة والحكيمة للإله سبحانه وتعالى بهذه الأكوان والعوالم، وهو القادر بعظمته وجلال قدره أن يودع في هذا الوجود المتعدد، النظام والقدرة، كل موجود بحسب ماهيته، دون تعارض مع أنظمة وماهيات الموجودات الأخرى، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49).
إنّ صلة الله بموجوداته التي خلقها، استرعت رعايته الحكيمة لها، سواء بمدها بالهداية الفطرية، أو بانتظام الهدايات الأخرى التي يسبغها بكرمه عليها، وخصوصاً كائنه المفضل من بين مخلوقاته كلها وهو (الإنسان)، إذ لا زال الله سبحانه وتعالى يمده بالمزيد من الرشد العالي الذي لا يستطيع من خلال قدراته الممكنة أن يصل إلى مداركه، فيرسل الرسل، وينزل الوحي على مَن كان له المقدرة الإنسانية الفائقة على تحمل تلك المسؤولية الضخمة، لكي يصدع بأمر الله ويبلغ تلك التعاليم الربانية السامية، ولكي يكتمل الجهد الإنساني بمسعى صحيح نحو الحق والحقيقة.
فالدين في حقيقته معبراً لبروز وعي الإنسان بصورة تتكافل فيه حقيقته مع حقيقة بقية جميع الموجودات، بالصورة المتوحدة التي تندفع من وحدانية الله، التي تتحرك باتجاهها جميع المخلوقات بهدايتها الفطرية التي ذكرنا، وتتحد معها حقيقة توحيدية أخرى من نوع فريد هي توحيدية واعية مختارة وإرادية تحتاج في طبيعتها إلى مزيد من الإشارات الإلهية المضيئة لتثبت تلك المسيرة الواعية إلى المزيد من التوحيدية الخالصة.
فما دام الإنسان يحتاج إلى حضور الدين والهداية الدينية في حياته وبالصورة التي لا يكتنفها حصول إختلال في طبيعة التوصل إلى جوهرية ذلك الدين، ودون شوائب التحريف المتعمد وغيره، مما يؤدي إلى خفوت مستمر في شعلة الديانات وتعاليمها، الأمر الذي استوجب مجموعات هائلة من الرسالات والنبوات الذي لا يكاد زمن أو مكان خال منها أبداً، حتى لا يكون لهذا الإنسان حجة في مسيرته التوحيدية.
ـ الدين وتصور الكون والعالم:
تنطوي كل منظومة معرفية سجلت حضورها على المستوى الواعي في أفق سجال الإنسان مع ذاته ومحيطه على تصور ما للعالم، وإن كانت بعض تلك التصورات ما هي إلا تراكمات توفيقية الطابع تحاول الوصول إلى غايات هي دون المعنى الحقيقي لمفهومات نظرية الكون وتصور واقعي للعالم.
وما نريد أن نسجله هنا وباقتضاب موضوعي عام، طبيعة النظرية الكونية في المعرفة الإسلامية وحقيقة تصورها التوحيدي للعالم، والتي لابد وأنّها تطورت ضمن تراكم المعرفة الإسلامية في أشكال متعددة اتصلت جميعها بالتعاليم الإسلامية للقرآن والتعاليم النبوية الشريفة، وذلك فيما يتعلق بخلق الله سبحانه وتعالى للعالم ومستويات ذلك الوجود المتعلق بملكوته الأوحد.
تنطلق النظرية الكونية الإسلامية من حقيقة ابتدائية من الإقرار المعروف بثنائية وجود الله، والعالم وحيث أنّ الله هو الموجود الأزلي الأبدي في وجوده، والعالم ما هو إلا أثر من آثاره، وتحقق لقدرته المبدعة وفي العالم المخلوق تتكون ثنائية أخرى بين الإنسان والعالم، في تقابل علائقي متضامن، تتحقق فيه كل وشائج الألفة والانسجام وفق نمحورية مسؤولية الإنسان الواعية تجاه نفسه وتجاه العالم، وهذا الذي يعطي الإنسان القدرة على أن يكون مديراً بالنيابة والاستخلاف لتحقيق مصالحه العليا على الصعيد الإنساني برمته بل وتسخير إمكانات الوجود الطبيعية من أجل راحته وتحقيق خيره وغناه الحضاري على أرض الوجود وما حولها، يقول تعالى في محكم كتابه: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ *أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا *ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا *فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا *وَعِنَبًا وَقَضْبًا *وَزَيْتُونًا وَنَخْلا *وَحَدَائِقَ غُلْبًا *وَفَاكِهَةً وَأَبًّا *مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ) (عبس/ 24-32).
إذاً يمكن لهذا الإنسان المضي إلى غاية تحققه الوجودي، في مجمل حركته دون عوائق، وذلك بالتكريم الذي حباه به خالقه، وهذا المعنى الجوهري لمعنى دفع الإنسان على أن يتقن حاكميته الاستخلافية، هو المعنى المغاير للتصورات الوضعية الأخرى، والتي تفترض في معظمها دخول الإنسان في صراع حاد مع تلك الموجودات لكي يمكن السيطرة عليها، ولربما تسخيرها في غير وجهها الصحيح ولغير صالح الإنسان.
إنّ التعامل الطبيعي والمطمئن للإنسان وما حوله من موجودات وفق التصور الإسلامي، هو الذي يدخله في كسب الوحدة مع الكون وموجوداته من حوله، ويضفي عليه شعوراً بالقدرة والرفعة على بقية الموجودات، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء/ 70).
وإذا ما تم للإنسان المقدرة على تسخير الموجودات، وبكل يسر نفسي، ومن خلال إدراك طبيعة قوانينها الكيفية والكمية، وتناسب مدى استغلاله لها بمقدار احتياجه منها، إذا تسنى له ذلك، فقد ضمن شرطية الوجود بصورة عادلة بينه وبين العوالم المحيطة، وإلا فإنّه يسعى باتجاه الفساد الكوني الذي لا يحمد عقباه على مصير تلك الموجودات.
ـ الخلاصة:
يستتبع النظر المتأمل في طبيعة التصور الإسلامي للكون والعالم وحقيقة السير الهادف نحو الوجود، انّ بمقتضى الهداية المعرفية الأولى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة/ 31). ومسؤولية الاستخلاف الكوني العام الذي قبلها الإنسان دون سائر الموجودات (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72). وإنّ على صعيد التصديق الخارجي لمعارفه المكتسبة، التي تزداد هداية بقوة الاستدلال على وجود واجد الوجود وهو الله سبحانه، ليتأكد للإنسان مدى المقدرة الإلهية على صنع الكون وعوالمه المتعددة، وليشعر الإنسان بحاجته الماسة للدين وتعاليمه الإلهية التي تسمو به محلقاً في عالم التحقق المطمئن لوجودية منتظمة متوحدة بعوالم الكون الأخرى، ومندمجاً في زمان العالم دون خوف من مصير غير متحقق، أو من عدمية ترفل في خواء الأسئلة اللامجدية.
المصدر: مجلة الكلمة/ العدد 22/ 1999م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق